المساعدات الدولية ضحية لعنة الفساد وكابوس طالبان

في مؤتمر باريس لمساعدة أفغانستان وعد المجتمع الدولي كابول بمنحها مساعدات سخية يصل حجمها إلى نحو 21 مليار دولار. ومن المقرر أن يتم صرف هذه الأموال في الأعوام الخمسة القادمة بطريقة أكثر شفافية وأكثر توجهًا نحو الأهداف المرجوة مما كانت عليه الحال حتى الآن. الخبير بالشؤون الأفغانية مارتين غيرنر يستعرض هذه الوعود والآمال.

في مؤتمر باريس لمساعدة أفغانستان وعد المجتمع الدولي كابول بمنحها مساعدات سخية يصل حجمها إلى نحو 21 مليار دولار. ومن المقرر أن يتم صرف هذه الأموال في الأعوام الخمسة القادمة بطريقة أكثر شفافية وأكثر توجهًا نحو الأهداف المرجوة مما كانت عليه الحال حتى الآن. الخبير بالشؤون الأفغانية مارتين غيرنر يستعرض هذه الوعود والآمال.

توقيع اتفاقيات تعاون مع أفغانستان في مؤتمر باريس، الصورة: أ.ب
المساعدات الدولية ضحية غياب الشفافية وانعدام الأمن

​​تميَّز مؤتمر باريس عن المؤتمرات السابقة التي عقدتها الدول المانحة بعدم تركيزه فقط على الجانب المالي والمساعدات المالية، بل كذلك على قيمة أثمن بكثير- الثقة. وحسب دراسة أعدَّتها مؤخرًا مؤسسة الدفاع عن سلامة أفغانستان "Integrity Watch Afghanistan" المستقلة فإنَّ واحدًا من بين كلِّ ثلاثة أفغانيين يشعر أنَّ مشاريع إعادة البناء التي يتم توجيهها من قبل الممثلين الفعليين الدوليين لا تشمله بما فيه الكفاية.

إنَّ شعور الأفغانيين هذا بعدم الأخذ بآرائهم بما فيه الكفاية وبعدم مقدرتهم على المشاركة في صنع القرار بشكل كافٍ ينعكس بصورة متزايدة في فقدان الثقة بالمساعدين الدوليين والارتياب منهم. تقول محامية مختصة بحقوق المرأة في مدينة هراة: "نحن نستطيع أكثر من غيرنا وضع أولوياتنا وخططنا بأنفسنا ضمن حيز التنفيذ. ولا نحتاج من أجل ذلك لتوجيهات من الخارج".

فرق شاسع في الأجور

لا يعبِّر رأي المحامية هذا بالضرورة عن الرأي العام في أفغانستان. غير أنَّ معظم الأفغانيين مقتنعون بأنَّ قسمًا كبيرًا من المساعدات المالية يصرف على الأجانب بالذات - على سياراتهم ومنازلهم وراوتبهم المرتفعة كثيرًا. فمستشارو المؤسسات والمنظمات الدولية يكسبون في بعض الحالات أكثر مما يكسبه زملاؤهم الأفغان بآلاف المرَّات. الأمر الذي يشكِّل فرقًا شاسعًا في الأجور لا يمكن تجاوزه إذا أخذنا بعين الاعتبار ارتفاع الأسعار ومعدلات البطالة التي تبلغ نسبتها أكثر من أربعين في المائة.

هناك دراسات عديدة صدرت بالتزامن مع مؤتمر باريس تؤكد أنَّ ثلثي المساعدات المالية ما تزال لا تصل مثل ذي قبل إلى الحكومة الأفغانية. لكن لا يمكن إلاَّ بشروط تصديق حجة الكثير من الدول المانحة في عدم تسليمها الحكومة الأفغانية إلاَّ جزءا قليلاً من المساعدات المالية بسبب خوفها من الفساد. يقول أحد المراقبين الدوليين: "إذا كانت حكومة كرزاي لا تدير إلاَّ خمسة وعشرين في المائة من المساعدات المالية فمن أين يأتي الفساد؟"

محاسبة المساعدين الدوليين

وفي هذا الصدد يتيح مؤتمر باريس فرصة للمزيد من الشفافية. ففي آخر المطاف - مثلما يرد في وثيقة المؤتمر الختامية – يطالب أيضًا الممثلون الدوليون بتقديم حسابات جادة وشفافة وخالية من الثغرات عن الأموال التي يصرفونها.

احد أفراد القوة الدولية الكورية يقدم مساعدة لأحد الأفغان، الصورة: أ.ب
التمييز في صرف المساعدات الدولية احدى معضلات التمنية الاقتصادية في أفغانستان

​​لقد تم على سبيل المثال في العام الماضي تخصيص مبلغ أربعمائة دولار لكلِّ مواطن من أهالي كابول؛ لكن هذه الأموال تسرَّبت إلى قنوات مظلمة. من المفترض أن يتم في المستقبل ومن خلال الإجراءات التي تم إقرارها مؤخرًا منع حدوث مثل هذه المعاملات السيئة. وبالإضافة إلى ذلك من المفترض أيضًا أن تقوم لجنة تحقيق مكوَّنة من أشخاص أفغانيين ودوليين بالتحري عن أسباب الفساد ونقص الشفافية.

وتتحمَّل حسب رأي الرئيس الأفغاني حميد كرزاي الدول المانحة وهيئة الأمم المتحدة المسؤولية عن قيام المؤسسات الموازية بتقوِّيض إنشاء المنظمات والمؤسسات المستقلة. لقد نجح كرزاي نفسه قبل فترة غير بعيدة في منع تعيين مفوَّض خاص وقوي جدًا تابع للأمم المتحدة إلى جانبه في كابول.

لجنة خاصة لمحاربة الفساد

وفي الوقت نفسه وعدت حكومته بأن تقوم بإصلاح عيوبها الخاصة؛ إذ أعلن كرزاي مباشرة بعد عودته إلى كابول عن تشكيل لجنة خاصة لمحاربة الفساد. وحسب استطلاعات للآراء فإنَّ ثقة المواطنين في عدد من الوزراء المسؤولين عن توزيع المساعدات المالية ضعيفة للغاية.

ومن المفترض حسب طموح كرزاي أن تحقِّق الخطة الخمسية لأفغانستان حتى عام 2013 على المستوى الزراعي اكتفاءً ذاتيًا في الحبوب؛ وزد على ذلك أنَّ كرزاي يطمح في أن تصبح أفغانستان بلدًا مصدِّرًا. أما النقاد فيعتبرون هذا الهدف الذي لم يتم إدراجه في الوثيقة الختامية طموحًا بعيد المنال وكذلك غير واقعي.

الطاقة والتعليم

سجن قندهار، الصورة: د.ب.ا
بعد يوم من مؤتمر باريس قام الطالبان بتحرير نحو 900 سجين من رفاقهم الذين كانوا مسجونين في سجن قندهار

​​يبدو أنَّه من الممكن تحقيق المزيد في قطاع الطاقة الذي يحظى كذلك في وثيقة باريس بالأولوية. "تتوفَّر لدى أفغانستان احتياطات من النفط والغاز الطبيعي، بالإضافة إلى الفحم والمياه التي لم تُستنزف بعد"، حسب قول كرزاي في باريس. كذلك يتَّفق الخبراء الدوليون مع كرزاي في هذا الرأي. وفي هذا المجال يعتبر من الضروري أن تفتح هذه الاحتياطات بشكل هادف وسريع للمستهلكين الأفغانيين.

هناك قطاع آخر وهو قطاع التعليم وباريس لديها الحقّ في التركيز على هذا القطاع. فحتى الآن لا تتوفَّر للكثير من الحاصلين على شهادة الدراسة الثانوية العامة في أفغانستان فرص لمتابعة الدراسة الجامعية. وما يزال الطلبة الأفغانيون غير قادرين على التخرّج بدرجة الماجستير في وطنهم. وفي الكثير من المدارس يوجد نقص في المعلمين، الأمر الذي يجلب في الوقت نفسه لدى شعب يعتبر نصف أبنائه دون سن الثامنة عشر خطر أن يظل الكثير من فاقدي الأمل قابلين للتغرير بهم وتحويلهم إلى متطرِّفين.

وبعد يوم من مؤتمر باريس نجحت حركة طالبان في شن هجوم منظم على السجن المركزي لمدينة قندهار وبتحرير نحو 900 سجين من رفاقهم الذين كانوا يقبعون فيه. وهذا العمل يرمز إلى أنَّ معظم الأهداف التي تمت صياغتها في مؤتمر باريس تبقى طموحات متكبِّرة وبعيدة المنال، إذا كانت الحكومة الأفغانية والمجتمع الدول غير قادرين على توطيد الأمن في داخل البلاد وعلى المدى البعيد.

كابول- مارتين غيرنر
ترجمة: رائد الباش
قنطرة 2008

قنطرة

عملية إعادة الإعمار في أفغانستان:
الحاجة الحاجة إلى المزيد من الشفافية
هناك مؤشرات بأن الدول المانحة والمنظمات الإنسانية قد بدأت تفقد اهتمامها بأفغانستان، وذلك بعد أن تحققت ولو على الورق الأهداف التي وضعتها اتفاقية بيترسبيرغ (تيمنا بهذا الموقع الكائن بالقرب من مدينة بون) في ديسمبر/ كانون الثاني 2001 . ولكن سيحسم في الأشهر المقبلة السؤال حول ما إذا كانت عملية إعادة إعمار البلاد ستتسم بالنجاح على الأجل الطويل أم لا. تقرير مارتين غيرنير.

مدير "مجلس سنليس" إيمانويل رينرت:
الأمر يتعلق بالتنمية وليس بمكافحة المخدرات
تشكل زراعة الأفيون ستين بالمائة من إجمالي الدخل القومي الأفغاني ولم يكتب حتى الآن لإية مبادرة بالنجاح للحد من زراعة الأفيون والتجارة بها وبمشتقاتها. هل يمكن أن يكون السماح الرسمي بزراعة الأفيون وإخضاعه لمراقبة الحكومة في أفغانستان هو الحل؟ حوار مع إيمانويل رينرت

مقابلة مع النائب الأفغاني رمضان بشردوست:
مكافحة الفساد ومراقبة أعمال مجلس الوزراء
الدكتور بشردوست، وزير سابق وعضو مستقل في البرلمان الأفغاني، يتحدث عن تصوراته للفترة البرلمانية القادمة وعن ضرورة انتهاج سياسة اقتصادية جديدة، كما ينتقد المنظمات غير الحكومية الناشطة في أفغانستان