غياب الحوار النقدي وسيطرة التضامن الأعمى

بات مؤتمر الأمم المتَّحدة لمناهضة العنصرية مهدّدًا بالفشل؛ إذ تحاول دول غربية وإسلامية على حدّ سواء ومن خلال العبارات المختارة حرمان دول أخرى من حقِّهافي ممارسة النقد. كما حقَّقت قوّة اللغة أيضًا في جنيف نصرًا تلو الآخر وفق تعليق كيرستن كنيب.

بات مؤتمر الأمم المتَّحدة لمناهضة العنصرية مهدّدًا بالفشل؛ إذ تحاول دول غربية وإسلامية على حدّ سواء ومن خلال العبارات المختارة حرمان دول أخرى من حقِّها في ممارسة النقد. كما حقَّقت قوّة اللغة أيضًا في جنيف نصرًا تلو الآخر وفق تعليق كيرستن كنيب.

عمدت أهم الدول الغربية إلى عدم تحويل مؤتمر الأمم المتَّحدة لمكافحة العنصرية إلى محكمة لمحاسبة إسرائيل؛ وعلى أي حال كان كلّ من الولايات المتَّحدة الأمريكية وكندا وأسترايا ونيوزلندا وإيطاليا وهولندا وبولونيا وإسرائيل بالذات يخشون من مثل ذلك. ولهذا السبب اعتذروا عن مشاركتهم في المؤتمر - وأتاحوا لأنفسهم فرصة التأثير على المؤتمر. وتشاؤمهم هذا مثير للدهشة والعجب، لاسيما وأنَّهم مارسوا نفوذهم أثناء فترة التحضير لهذا المؤتمر.

فقد شُطبت من وثيقة المؤتمر الأساسية الحالية تلك الفقرات الموجَّهة بوضوح وبعبارات شديدة ضدّ السياسة الإسرائيلية. وهكذا لم تعد على سبيل المثال تلك الفقرة التي تفيد بأنَّ الفلسطينيين "يتعرَّضون لعقاب جماعي جائر ولحصار اقتصادي ولتقييد شديد في حرِّيتهم في التنقّل وإغلاق تعسّفي لمناطقهم" موجودة في وثيقة المؤتمر.

وقبل ذلك تضمَّنت وثيقة المؤتمر فقرة تنص على أنَّ الفلسطينيين "يعانون من تمييز عنصري". والآن لم يعد كلّ هذا موجودًا في وثيقة المؤتمر. ولم يعد يدور الحديث إلاَّ بغموض عن وجود "احتلال أجنبي" - من دون ذكر دقيق لأي سلطة احتلال. إذن لقد بيَّنت الدول الغربية كم يمكن أن يكون التفاوض فعّالاً مع جميع تلك الحكومات التي انتقدت إسرائيل بشدة في الوثيقة السابقة.

منبر ضدّ إسرائيل؟

إذن لماذا ينسحبون؟ والسؤال المطروح هل حقًا سيتحوّل المؤتمر إلى منبر ضدّ إسرائيل؟ الأمر الذي تخشاه على ما يبدو الدول التي لم تشارك الآن في المؤتمر. والسؤال المطروح أيضًا هل كانت الهجمات المعادية لإسرائيل والمحتمل توقّعها من الرئيس الإيراني محمود أحمدي نجاد الذي سافر شخصيًا إلى المؤتمر سوف تلحق في الحقيقة ضررًا شديدًا بمكانة المؤتمر، بحيث أنَّه لم يعد من الممكن لهذا المؤتمر أن يسفر عن أي نتائج إيجابية في مكافحة العنصرية.

ولكن كان من الممكن وعلى العكس تمامًا أن يبيِّن ظهور أحمدي نجاد بهذا المظهر أيضًا مدى ضعف الحجج التي يستخدمها هذا الرئيس الذي يرى أنَّ بإمكانه تلقين إسرائيل درسًا أخلاقيًا، بينما يقمع في بلده الحركات الديمقراطية بشدة وإصرار.

منطق الصديق والعدو

ولكن على هذا النحو فإنَّ الانسحاب من المؤتمر يشكِّل نصرًا لمنطق الصديق والعدو - هذا المنطق الذي يحدِّد شكل النقاش حول إسرائيل والمناطق الفلسطينية؛ فانتقاد السياسة التي تتَّبعها إسرائيل تجاه فلسطين يعني ببساطة التعرّض لخطر الوسم بسمة "مروِّج الدعايات" أو - أسوأ من ذلك - بسمة "المعادي للسامية". وبذلك ثمة مفهومان لا يكاد يحتملهما النقاش الموضوعي.

أمَّا الامتناع عن اعتبار مثل هذا النقاش الموضوعي في مؤتمر جنيف أمرًا ممكنًا والعزم على الامتناع قبل كلِّ شيء عن المشاركة في نقاش معاكس مثلما كان مدرجًا على جدول الأعمال في كلِّ مؤتمر تقيمه الأمم المتَّحدة، فيشير إلى الدافع الذي تتمسّك به الدول التي لم تشارك في هذا المؤتمر - إنَّه منطق التحالف. وهذا سبب يجب حمله محمل الجدّ. ولكن يجب على المرء تسميته بمثل هذا الاسم.

ولكن يظهر مدى تصلّب الجبهات أيضًا في اتِّجاه آخر؛ فحتى النهاية بذلت على الأقلّ بعض الدول الإسلامية ما في وسعها من أجل إدراج فقرة في وثيقة المؤتمر الأساسية "تربط الأديان وخاصة الإسلام برابطة نمطية مع العنف والإرهاب" - وهذه الرابطة تترك أثرًا سلبيًا على معتنقي هذه الأديان.

ولكن ماذا يعني "النمطي"؟ بهذا المفهوم تمكن إعاقة كلِّ نقاش يدور حول ضرورة إجراء إصلاحات دينية. وعلى هذا النحو يظهر هذا المفهوم علاقة سرية مع صفة "مروِّج الدعايات" التي تم من خلالها في فترة التحضير للمؤتمر الحكم مسبقًا على أي نقد من المحتمل توجيهه إلى السياسة الإسرائيلية تجاه فلسطين والتقليل من قيمته.

آليات حماية لفظية

ومن المدهش أنَّ إستراتيجيات الحماية اللفظية التي يستخدمها كلا الطرفين تشبه بعضها بعضًا. وعلى هذا النحو أظهر المؤتمر قبل أن يبدأ على أرض الواقع أنَّ الأطراف المشاركة ملتزمة تمام الالتزام بتفكير معسكرها. فتضامن هذه الأطراف مع صفوفها يعدّ أهم من إرادتها لخوض الحوار.

ومنطق الجبهات والتحيّز الذي كان من المفترض في الأصل أن يعارضه هذا المؤتمر حقَّق في جنيف نصرًا تلو الآخر؛ وما يزال أمام المشاركين في المؤتمر الكثير من أعمال التوضيح - وأخيرًا وليس آخرًا التوضيح الذي يتعلَّق بهم بالذات.

كيرستن كنيب
ترجمة: رائد الباش
حقوق الطبع: قنطرة 2009

كيرستن كنيب، صحافي مختص بالعلاقات الثقافية الدولية ويعمل لصالح عدد من المؤسسات الإعلامية الألمانية مثل راديو ألمانيا وإذاعة وتلفزيون غرب ألمانيا WDR وكذلك لصحيفة نويه زوريشر تسايتونج.

قنطرة

مناقشة
انتقاد إسرائيل ومعاداة الساميّة
هل يمكننا أن نفسر الانتقادات الموجهة إلى إسرائيل وممارساتها في المناطق الفلسطينية بظاهرة العداء للسامية؟ هذا هو موضوع السجال التالي بين الفيلسوف البريطاني بريان كلوغ والمؤرخ الإسرائيلي روبرت فيستريش.

حوار
ضحالة الوعي الديني وتضامن مع الفلسطينين
الباحثة المسلمة في علم الاجتماع إرمغارد بين تحدثت مع قنطرة عن اتهامات العداء للسامية الموجهة إلى الشباب المسلمين في أوربا وعن التقصير لدى الجالية المسلمة في ألمانيا في مكافحة هذه الظاهرة

حوار بين المسلمين واليهود في بريطانيا:
الخوف من الإسلام يذكر بمعاداة السامية
توجد في بريطانيا جماعات دينية عدة التي تهدف إلى دعم الحوار بين المسلمين واليهود، وهو حوار أثمر عن نتائج طيبة ومشجعة، لكن المشكلة تكمن في السياسة العالمية التي تلقي بظلالها على الحوار. تقرير من كليا كولكات