نحتاج إلى ضغط من الخارج

منحت الناشطة الفلسطينية نبيلة اسبانيولي عن جهودها من أجل حقوق الإنسان والسلام في الشرق الأوسط جائزة آخن للسلام. بورتريه بقلم مارتينا صبرا

نحتاج إلى ضغط من الخارج

ليس البقاء في دور الضحية، وإنما العمل بنشاط، تغيير الواقع إلى الأفضل بالقوة الذاتية، هذا ما تطالب به نفسها كإنسان، وكمواطنة فلسطينية في إسرائيل وكإمرأة في المجتمع العربي. لذلك تعمل هذه المرأة التي تحمل دبلوما في علم النفس، منذ ثلاثة عقود من أجل الحقوق المدنية للأقلية الفلسطينية في إسرائيل، من أجل السلام بين إسرائيل وفلسطين على أساس وجود دولتين ومن أجل مساواة النساء.

حفلة استلام الجائزة في آخن

​​منحت نبيلة اسبانيولي هذه السنة عن جهودها من أجل حقوق الإنسان والسلام في الشرق الأوسط مع الناشط اليهودي من أجل السلام والمؤرخ رويفن موسكوفيتس جائزة آخن العالمية للسلام. بعد منح الجائزة في أيلول/سبتمبر كانت ضيفة في بون بدعوة من حلقة العمل "اسرائيل - فلسطين". استغلت مارتينا صبرا هذه الفرصة لإجراء محادثة مستفيضة مع نبيلة اسبانيولي التي كانت قد درست في بامبيرغ ضمن مدن أخرى وهي تتحدث الألمانية بطلاقة.

تحدثت في بون ساعتين ونصف الساعة عن نزاع الشرق الأوسط، وكانت غالبية الحاضرين تود أن تستمع إليها أطول من ذلك، فالمرح الذي احتفظت به نبيلة اسبانيولي رغم عملها الطويل المرهق من أجل حل عادل بين اسرائيل والفلسطينيين يزيد الحماسة ببساطة. لكن الغضب يدفعها أيضا. "ما يحركني هو غضبي. إنني غالبا غاضبة." إنها نشأت على احترام حقوق الإنسان. تقول موضحة."علمني والداي والمعلمون مثل الشاعر توفيق زياد هذه القيم. وأخيرا وليس آخرا التربية المسيحية."

بمنح الجائزة لنبيلة اسبانيولي ورويفن موسكوفيتس في هذه السنة في ألمانيا يمنح ثنائي فلسطيني - إسرائيلي جائزة سلام مؤثرة إعلاميا للمرة الثانية: ففي حزيران/يونيو حصل الشاعر الفلسطيني محمود درويش والمحلل النفسي اليهودي الإسرائيلي دان بار اون جائزة اريش-ماريا ريمارك لمدينة اوسنابروك.

مشاعر الغضب

كيف تشعر كفلسطينية في ألمانيا وهي تمنح جائزة لعملها من أجل السلام، بينما يصبح وضع شعبها في المناطق المحتلة من قبل إسرائيل ميئوسا منه أكثر وأكثر، والحكومة الألمانية لا تعمل الكثير من أجل حق الفلسطينيين في تقرير مصيرهم ومن أجل دولة فلسطينية قادرة على الاستمرار؟
تبتسم نبيلة اسبانيولي وتقول: "مبادرة آخن للسلام التي تمنح جائزة السلام تنتمي إلى مجموعة من الناس لا تزال صغيرة في ألمانيا، تحاول أن تجعل أصوات الآخرين مسموعة أيضا. لذلك أجد أن الحصول على الجائزة أمر صحيح تماما." لا تشعر أن الجائزة هي إثبات حضور بأي حال من الأحوال. " لكني أجد أن تكريمي وحدي هو كثير جدا، لذلك أيضا نقلته في الحال إلى سلسلة من النساء والرجال الذين يناضلون مثلي من أجل أهداف مماثلة. وأريد أن أستغل الجائزة لأسمع أصوات اولئك الذين يراد إسكاتهم، الفلسطينيين في إسرائيل، حركة السلام في إسرائيل،النساء، الأطفال، الفلسطينيين الذين يعانون، اليهود الإسرائليين المنطقيين، جميع الذين يشعرون بالغضب أو الخوف بسبب الإحتلال الإسرائيلي. أريد أن أمنحهم صوتا."

جذورها في الناصرة

تعيش عشيرة اسبانيولي المتشعبة تشعبا واسعا في الناصرة منذ مئات السنين، وقد منحت اسمها لحي كامل في المدينة. يشكل "حي اسبانيولي"، "الحي الإسباني" قسما من مدينة الناصرة القديمة الهادئة. ولدت نبيلة عام 1955 ، "كطفل سابع لعائلة تتكون من ثماني بنات وولدين." كانت الجليل في ذلك الوقت لا تزال تحت الإدارة العسكرية.
عام 1966 أنهيت الإدارة العسكرية في الجليل. إلا أن الأقلية الفلسطينية التي سميت في اللغة الرسمية الإسرائيلية السائدة "بالإسرائيليين العرب" ظلت تعاني من الغبن بصورة مضاعفة: في منح أموال التطوير المحلية، في التعليم وفي الحياة المهنية. لم يقبل الجيل الثاني الذي تنتمي إليه نبيلة هذا الوضع. "أدركت الوضع حين أردت التسجيل للدراسة في حيفا. لقد رفضت. حين سألت أختي قالت لي: "ألا ترين يا نبيلة أن عليك أن تكافحي من أجل كل شيء؟"

قررت نبيلة أن تدافع عن نفسها، وحصلت في الآخر على مقعدها الدراسي، وفيما بعد حتى على وظيفة في الجهاز الحكومي كعاملة اجتماعية. إلا أنها سرعان ما بدأت تواجه المشاكل بسبب موقفها في الدفاع عن حقوق الفلسطينيين. تقول: "فقدت وظيفتي ثلاث مرات، وأنا متأكدة أن الأمن الاسرائيلي الداخلي له علاقة بذلك".

مساعدة النساء والأطفال

في بداية الثمانينات ذهبت نبيلة إلى ألمانيا للدراسة. عادت عام 1987 إلى الناصرة وأسست مركزا للنساء والأطفال "الطفولة". كان الهدف تحسين التربية المبكرة للأطفال في المناطق الفلسطينية في إسرائيل بين غيرها. وكانت المهمة الرئيسة للمركز الذي يتلقى اليوم دعما من صندوق هاينريش بول كما ترى نبيلة مساعدة الأطفال في تطوير شخصيتهم وهويتهم الثقافية. "إننا نطور كتبا للأطفال وموادا مدرسية تسمح للأطفال أن يعوا ويعكسوا هويتهم الفلسطينية. فإذا أراد المرء أن يتعايش مع الإسرائيليين اليهود، يجب أن يكون موجودا أولا."

نبيلة اسبانيولي هي أيضا واحدة من مؤسسات المنظمة الفلسطينية الإسرائيلية "مساواة" التي تتخذ في حيفا مقرا لها. تدافع مساواة عن الحقوق المدنية للفلسطينيين في إسرائيل الذين يشكلون اليوم 1.2 مليون نسمة، أي حوالي خمس مجموع سكان الدولة اليهودية، والذين لا يزالون يشعرون إلى حد كبير أنهم مواطنون من الدرجة الثانية. "المدن والقرى الفلسطينية بشكل عام أقل تطورا رغم أننا ندفع الضرائب مثل كل الآخرين" تقول نبيلة اسبانيولي. "توجد قرى بأكملها اعتبرتها الحكومة الاسرائيلية غير شرعية. لا يصلها التيار الكهربائي ولا الماء ولا تحصل على المخصصات الاجتماعية الأطفال رغم أنها تدفع نفس المبالغ لصندوق الضمان الاجتماعي، والمدارس الفلسطينية أسوأ تجهيزا إلى حد كبير والدخول إلى الجامعة بالنسبة للفلسطينيين صعب جدا. تكافح "مساواة" أيضا ضد تشريع قانون إسرائيلي جديد يقضي بعدم منح الجنسية للفلسطينيين من الضفة الغربية وغزة في حالة الزواج من فلسطينيين في إسرائيل: "هذا يعني أن الزوجين لن يستطيعا العيش معا في إسرائيل، وإنما تتوجب عليهما الإقامة في المناطق المحتلة أو الانتقال إلى خارج البلاد. هذا يشمل 21000 حالة فردية، هذا يعني حوالي 100000 إنسان إذا ما أدخل المرء العائلة في الحساب."الاعتراف بالظلم

تطالب نبيلة اسبانيولي بالاعتراف بالفلسطينيين في إسرائيل كأقلية قومية. تقول:"لست إسرائيلية عربية وإنما فلسطينية. لكن القوى الرجعية في إسرائيل ترفض أن تتحدث عن الفلسطينيين، لأن هذا يعني الاعتراف بأن هذا البلد كان يوما فلسطين، وأن لغير اليهود الحق أيضا في أن يتمتعوا هنا بالمساواة." على إسرائيل أن تعترف بأن ترحيل 750000 فلسطيني وتدمير جميع القرى والمدن الفلسطينية تقريبا عام 1948 كان ظلما تاريخيا وأن تتحمل المسؤولية. "دون هذا الاعتراف لا نستطيع أن ننظر إلى المستقبل، تقول نبيلة اسبانيولي. غير أنها ترى مستقبلها في الناصرة حيث اشترت بيتا. "إذا أقيمت دولة فلسطينية فإنني سأفضل أن أحمل جوازا فلسطينيا. لكني لن أغادر الناصرة. أريد أن أعيش في إسرائيل ولكن كمواطنة متساوية في الحقوق."

لا تعمل نبيلة استانبولي منذ الثمانينات كفلسطينية فقط وإنما أيضا في سياق الحركة النسوية. تقول: "نحن الفلسطينيات في إسرائيل نعاني من التمييز المضاعف ثلاثا، كأبناء الأقلية الفلسطينية، كنساء في المجتمع الإسرائيلي وكنساء في المجتمع الفلسطيني المحافظ."
إنها تناضل اليوم مع اليهوديات الإسرائيليات والفلسطينيات ضد العنف ضد النساء ومن أجل مزيد من الحقوق في موقع العمل.
بالتعاون مع مجموعة "نساء يرتدين السواد" العالمية و"تحالف النساء من أجل السلام" الإسرائيلي- الفلسطيني تنظم نبيلة اسبانيولي فعاليات ضد الاحتلال الإسرائيلي للضفة الغربية وقطاع غزة وأخرى لإيصال المعونة إلى الناس في المناطق المحاصرة. "الإرهاب الذي تمارسه حماس وجهاد ضد المدنيين مرعب، وأنا ضد هذه العمليات بشكل مطلق. ولكن عليكم أن تروا أن إسرائيل تمارس الإرهاب أيضا. لا يزال آرييل شارون يعتقد أنه يستطيع أن يقضي على رغبة الفلسطينيين في تقرير المصير بالوسائل العسكرية. حماس وجهاد تسهلان له الأمر".

حل واحد فقط

لا ترى نبيلة اسبانيولي سوى حل واحد: دولتان مستقلتان إسرائيل وفلسطين. وتطالب بتدخل الولايات المتحدة وأوروبا بصورة أكثر فعالية مما فعلتا حتى الآن. "إننا لا نستطيع ذلك وحدنا. نحتاج إلى ضغط من الخارج." من ألمانيا أيضا، تقول مؤكدة. إنها تتفهم أن يشعر الألمان بالمسؤولية تجاه اليهود وإسرائيل بسبب المجازرالجماعية التي ارتكبها النازيون. ولكن لا يجوز للمرء أن يسمح باستخدام هذا الشعور بالذنب لكبت أي انتقاد لتعامل إسرائيل مع الفلسطينيين وإنكار حقهم في تقرير المصير.

مارتينا صبرا
ترجمة سالمة صالح