الإسلام في جدول الدروس

يمكن لتدريس الإسلام المقرر في ايرلنغن، طبقا لمرتكزات الحوار بين الأديان والإنفتاح على العالم، وهي ما جرى التأكيد عليه بصورة خاصة أن يتحول الى نموذج يقتدى في مقاطعة بافاريا كلها. تقرير كريستيانه هافرانك

صف في مدرسة ابتدائية، د ب أ
صف في مدرسة ابتدائية ألمانية

​​"أنا مسلم – واجبي نشر السلام". هذه الجملة معلقة على لافتة من الورق الملون على أحد الجدران في غرفة صف في مدرسة بروكنر لاشه، وهي مدرسة ابتدائية في مدينة ايرلنغن الألمانية، حيث تأخذ مادة الدين الإسلامي حيزاً في جدول الحصص المدرسية.

تموذج فريد في أوروبا

يقول مانفرد شراينر من مديرية التعليم المدرسي إن "نموذج إيرلنغن فريد من نوعه في أوروبا، إذ أنه مُصمم طبقاً لما ينص عليه القانون". وما كان لهذا المشروع أن يرى النور لولا تضافر جهود المسلمين في إيرلنغن ومسارعتهم الى تأسيس جميعة تكون بمثابة جهة رسمية ناطقة بإسم المسلمين. كما أن ثمة مشاورات جارية الآن لتبني هذا المشروع من قبل مدن أخرى.

ذات ظهيرة يوم أربعاء في مدرسة إبتدائية في ايرلنغن ـ بروك، وهي ضاحية تكتظ بعمارات شاهقة كئيبة تضع بلقيس دوغان وهي طالبة من تركيا ضمن برنامج ايراسموس رقائق على مقدمة البروجكتر (المكبر الضوئي). موضوع الحصة: "أركان الإسلام الخمسة".

يجلس في الصفوف الأولى عشرة تلاميذ من الصف الثالث الابتدائي وخلفهم خمسة طلاب بصحبة أستاذهم هاري هارون بير. لقد جاؤوا إلى هنا لتلقي العلوم الإسلامية وليكونوا لاحقاً مؤهلين لمساعدة الإمام التركي والعالم الديني علي تركمان أوغلو في تدريس مادة الدين الإسلامي: يدرس حالياً في نورينبرغ حوالي أربعين طالباً مسلماً مادة "علوم الدين الإسلامي".

في نهاية الحصة تُدرب دوغان الأطفال على ترداد الشهادة وتقول لهم بكل لطف "أقولها أولاً ومن ثم ترددونها جميعاً في صوت واحد". يردد عشرة تلاميذ الكلمات العربية ويضحك بعضهم لعدم تمكنه من لفظ العربية بشكل صحيح.

وتعلق دوغان قائلة: "من يريد دخول الدين الإسلامي عليه النطق بالشهادة". ترد عليها إحدى التلميذات: "وماذا يفعل من يريد أن يصبح ألمانياً؟". سؤال مفاجئ لم تتوقعه المعلمة ولكنها تتدارك الموقف وتجيب: "أن يصبح المرء ألمانياً لا يعني اعتناق دين ما."

يتناقش الطلاب مع أستاذهم بير حول الحصة بعد انتهائها وتتلقى دوغان اطراءً وثناء على طريقة تداركها الموقف وإجابتها: "كان سؤال التلميذة ذا دلالة معينة: لأننا مسلمون فنحن لسنا ألمانا."

وما لفت نظر بير أن تلاميذ الصف الثالث الإبتدائي يعرفون مصطلح الشخص الذي اعتنق ديانة جديدة من محطات التلفزة ولكنهم لا يعرفون شيئاً عن كلمة "أركان". ويؤكد بير على ضرورة الإمعان في السمع لتحسين القدرة على الكلام ويضيف "قالت إحدى الفتيات في الحصة: هناك فقط إله واحد غير الله، وهذا يعني أنه يوجد إلهان."

توافق مع القانون الأساسي

تتلخص مهمة الدروس الإسلامية المدرسية في تهيئة التلاميذ وتمكينهم من الدخول في حوار حول الأديان باللغة الألمانية. يعرب رمزي غونايسو، رئيس الجمعية الإسلامية في إيرلنغن عن ثقته بأن "تعلم الأطفال دينهم في المدرسة سيسهل عليهم اندماجهم في المجتمع الألماني وسوف يشبون ليكونوا عناصر فاعلة فيه."

أما في المقاطعات الألمانية الأخرى فإن وزارة التعليم تحدد منهاج ومحتوى الدروس الدينية بدون استشارة المسلمين هناك.

لوحة من صنع تلاميذ مدرسة بروكر لاخة، الصورة: كريستيانه هافرانك
لوحة من صنع تلاميذ مدرسة بروكر لاخة

​​على عكس إيرلنغن حيث تم وضع منهاج الدروس الدينية من قبل لجنة مكونة من مونيكا هولماير، وزيرة التربية والتعليم السابقة في مقاطعة بافاريا وممثلين عن الكنيسة ومديرية التعليم المدرسي وأعضاء الجمعية الإسلامية التي تأُسست في العام 1996.

أما إذا نظرنا إلى حرفية القانون فلن نجد مادة تنص على وجوب وجود حصص مدرسية للدين المسيحي، إنما ورد في المادة السابعة، الفقرة الثالثة من القانون الأساسي "دروس دينية بما يتوافق مع مبادئ الدين".

أما المنهاج فتحدده الجماعة الدينية ومهمة الدولة تنحصر في استبعاد ما يتعارض مع القانون، إن وجد، وبتنظيم وتمويل الدروس. وبتأسيسهم للجمعية استطاع مسلمو ايرلنغن إيجاد الممثل الشرعي الذي يطلبه القانون الأساسي.

مشروع مثالي ام مجرد مساعدة؟

يعتبر شراينر من مديرية التعليم المدرسي في نورينبرغ النموذج على أنه مشروع مساعد ويقول: "نتعامل مع الجمعية الإسلامية كما لو كانت كنيسة". هناك حوالي سبعمائة وخمسين ألف تلميذ مسلم في ألمانيا، فقط، 12% منهم يتلقون دروساً في الدين الإسلامي في المدارس. ثمة برنامج لتأهيل معلمين ومعلمات في الدين الإسلامي في نورنبرغ ومونستر وهناك أيضاً مناهج تعليمية بهذا الشأن، إلا أن "المسلمين مختلفون فيما بينهم والجمعية الإسلامية مجرد حالة استثنائية".

ويضيف المهندس غونايسو أن التلاميذ وأولياء أمورهم راضون جداً عن الدروس: "ما يقلقنا أكثر هو حزب الذئاب الغبر، الحزب اليميني المتطرف المدعوم من قبل القنصلية التركية"، لأنهم يصرون على تعليم الدين الإسلامي باللغة التركية.

وحسب تقدير ميشال كيفر، الخبير الإسلامي في مدينة بون وبعد مقارنته جميع أشكال تدريس الدين الإسلامي في ألمانيا فإن المنهاج الخاص بهذا النموذج الذي نصت عليه حكومة بافاريا موضوع "كما يحلو لهم" و"تم الإستناد بذلك على المنهاج التركي دون الرجوع إلى المسلمين هناك". جدير بالذكر أنه يتم إعطاء دروس إسلامية باللغة التركية منذ العام 1977 في بافاريا: "حينذاك تم إدراج الدروس على أساس أن التلاميذ سيعودون بالتأكيد يوماً ما إلى وطنهم تركيا."

أما في إيرلنغن فيقول غونايسو إن "التلاميذ يُصقلون ليصبحوا مواطنين ألمانا بقيم إسلامية". واللبنة الأساسية للمنهاج تركز على الحوار بين الأديان والإنفتاح على العالم. ويضيف غونايسو إنه يتم الحديث أيضاً عن "العلاقات القصيرة خارج إطار رابطة الزواج".

نشر النموذج

ويُتوقع انطلاق مشروع مماثل في نورينبرغ ابتداء من السنة الدراسية المقبلة. في الأثناء يطوف غونايسو في أنحاء بافاريا في حملة دعائية للمشروع النموذجي. يتلقى لغاية هذا التاريخ سبعون تلميذاً دروساً في الدين الإسلامي في مدرسة بروكنر لاشيه الإبتدائية. وتتلقى التلميذة أوزليم (9 سنوات) تلك الدروس منذ صفها الأول، حيث تقول هذه التلميذة الشقراء التي ظهرت مرارا على شاشات التلفزة وفي البرامج الإذاعية:

"أشعر أن حصة الدين الإسلامي شيء مميز وخاص". تفكر للحظات ثم تضيف: "لو أن محمدا والمسيح عاشا في نفس الوقت لصارا صديقين".

بقلم كريستيانه هافرانك
ترجمة منال عبد الحفيظ شريدة
حقوق الطبع قنطرة 2007