معوقات الاندماج في ألمانيا...عقلية الوصاية بدلا من المساواة

ألم يحن الوقت اليوم بعد قمة الاندماج الخامسة لتجاوز البنى والأحكام المسبقة التي تحول دون تحقيق مساواة اجتماعية وإشراك أكبر للمهاجرين في المجتمع الألماني؟ يتساءل الإعلامي الألماني المختص في قضايا الهجرة والاندماج دانييل باكس في هذا التعليق.

الكاتبة ، الكاتب: Daniel Bax



تحدثت في المؤتمر الصحفي الذي أعقب قمة الإندماج الخامسة رئيسة وزراء ولاية ثورينغن، كريستين ليبكنيشت، عن سلسلة الجرائم العنصرية التي شهدتها ولايتها. وفي هذا السياق دعت هذه السياسية التي تنتمي إلى الحزب المسيحي الديمقراطي إلى مزيد من التسامح وإلى تقوية أطر ثقافة الضيافة في ألمانيا. لقد كان لخبر الكشف عن سلسلة من جرائم قتل ذهب ضحيتها تجار أجانب في ألمانيا ونفذها أعضاء من الحركة النازية في ألمانيا تأثير كبير على المهاجرين، لكن ذلك لم يلعب دورا يذكر في قمة الإندماج الخامسة.

المونولوغ عوضا عن الحوار

د ب ا
"اليوم تتحدث ميركل عن ألمانيا كبلد للاندماج، لكن التصور الذي يكمن خلف حديثها أضحى متقادما"

​​هذا النهج يؤكد الأسس الخاطئة، التي يقوم عليها الحوار بين المهاجرين وبين أغلبية المجتمع فيما يتعلق بقضايا الاندماج، إذ في الوقت الذي ترى فيه الحكومة الألمانية أن الكرة في ميدان المهاجرين وتطالبهم بجهد وتماه أكبر بالمجتمع وقيمه، يأمل أغلب المهاجرين في مساواة أكبر وحماية أكبر من التمييز، أو من العنف العنصري الذي يعانون منه. وهو ما يظهر بأن الجانبين يتكلمان بلغات مختلفة، وأن الحكومة الألمانية مازالت حبيسة مونولغها.

وللمرة الخامسة حضر في آخر أيام شهر يناير ما يقارب مائة وعشرين ضيفا ينتمون إلى قطاعات مختلفة، اقتصادية وسياسية ورياضية واتحادات مختلفة بدعوة من المستشارة الألمانية آنغيلا ميركل من أجل التباحث حول سبل تحقيق اندماج أفضل للمهاجرين. وعلى رأس القضايا المطروحة كان دعم تعلم الألمانية وتشجيع المشاركة الاجتماعية للمهاجرين، إضافة إلى فتح الوظيفة العمومية ووسائل الإعلام أمامهم.

وفي هذا الإطار تم الاتفاق على "خطة عمل وطنية"، أعدتها الحكومة الألمانية في الشهور الماضية بالتعاون مع الولايات والبلديات ومنظمات المهاجرين. لكن الخطة تحمل بضوح بصمة الحكومة، وتتحدث عن الأهداف والالتزامات بسبب ذلك في وضوح ودون إلزام. لكن ما هو مضمون خطة العمل هذه؟ إن رفع نسبة المهاجرين في القطاع العمومي هو ما تطلب الحكومة خصوصا تحقيقه، حتى "ينعكس تنوع بلدنا في المؤسسات"، كما عبرت عن ذلك آنغيلا ميركل في المؤتمر الصحفي الذي أعقب القمة.

مشاركة ضعيفة للمهاجرين في القطاع العام

إن تجاوز هذه المشاركة الضعيفة شكل هدفا للحكومة منذ خمس سنوات دون أن يغير ذلك الشيء الكثير في سياسة الاندماج الاتحادية. فنسبة المهاجرين في هذا القطاع مازالت تراوح مستواها المتدني منذ سنوات، وأعني تسعة فاصلة تسعة في المئة. تغير ذلك فقط لدى المعلمين والمربين، حيث عرف هذا القطاع ارتفاعا ملحوظا في نسبة المهاجرين، وذلك على الرغم من أنه يتوجب على الدولة أن تشكل مثالا يحتذى لبقية أرباب العمل، كما اعترفت بذلك المفوضة لشؤون الاندماج في الحكومة الألمانية ماريا بومر.

الصورة فوليا غينا
مشاركة الأجانب في الحياة العامة في ألمانية تكاد تكون ضعيفة

​​والآن هناك حملة إشهارية تسعى إلى تشجيع الشباب، الذين ينحدرون من أصول مهاجرة على اختيار العمل للدولة، كمعلمين ورجال شرطة أو موظفين في الإدارة. لكن هل سيكفي ذلك؟ إن أسبابا كثيرة تقف خلف عدم تحقيق ذلك حتى الآن. الحكومة الألمانية من جانبها تعطي أولوية كبرى أيضا لتعليم أبناء الأجانب اللغة الألمانية، ولتحقيق ذلك تم دعم تعليم الألمانية في دور الحضانة بأربعمائة مليون يورو حتى عام 2014.

كما أنه يهدف أيضا إلى تشجيع المهاجرين على العمل التطوعي والانضمام إلى الجمعيات. كما أنه لن يتم دعم الجمعيات الرياضية إلا إذا نشطت هي الأخرى في ميدان الإندماج، علاوة على ذلك أخذت الولايات على عاتفها النزول بنسبة المنقطعين عن الدراسة في أوساط المهاجرين إلى النصف في أفق عام 2015، وهو ما كان يتوجب بلوغه هذه السنة. وقد تلقت قمة الاندماج وقبل انطلاقها انتقادات قوية من طرف النقابات وجمعيات المهاجرين. وتقدمت عشرات الاتحادات بورقة تطالب فيها بالتزام أكبر بمحاربة العنصرية. فبعد سلسلة عمليات القتل، التي تعرض لها مقاولون صغار من أصل تركي يتوجب، حسب هذه الورقة "مواجهة البنى العنصرية الكامنة في مكاتب التحقيق". كما أن الموقعين طالبوا بخطة عمل ضد العنصرية وبحماية أكبر للضحية، ويطالبون بإنشاء موقع مستقل لمراقبة العنصرية والتطرف اليميني.

ثغرات فاضحة في خطة العمل

حتى اتحاد النقابات الألمانية يرى ثغرات فاضحة في خطة العمل الحكومية. وقد أوضح انتقاداته الأساسية في ورقة تقدم بها، مؤكدا بأن المنحدرين من أصول مهاجرة يشغلون في الأغلب وظائف مؤقتة وبأجور ضعيفة. كما أن حملة الشهادات من أصول مهاجرة يعانون من التمييز في سوق العمل، ويتم تفضيل المرشح الألماني عن الأجنبي.

وتطالب أحزاب المعارضة من جهتها بتغييرات في قانون منح الجنسية، فالحزب الاشتراكي الديمقراطي والخضر واليسار يطالبون بالسماح بالجنسية المزدوجة وبحق الأجانب الذين لا ينحدرون من دول غير أوروبية في المشاركة في الانتخابات البلدية، كما أنهم ينتقدون وجود عراقيل كبيرة أمام عملية التجنيس. لكن مطالبهم لا تلقى أذانا صاغية لدى الحكومة المحافظة في برلين.

كنعان كولات د ب ا
"لا يريدون في هذه القمة الحديث عن الإندماج ولكن عن مكافحة العنصرية وعن مشاركة أكبر للمهاجرين في المجتمع وهو ما قد يشكل منافسة قوية لقمة الاندماج الرسمية"

​​مر الآن ما يقرب على ست سنوات على قمة الإندماج الأولى، التي دعت لها المستشارة آنغيلا ميركل في مكتب المستشارية. مثل ذلك يومها خطوة كبرى لأنه تضمن تراجعا على التصور، الذي يقول بأن ألمانيا ليست بلد هجرة. واليوم تتحدث ميركل عن ألمانيا كبلد للاندماج، لكن التصور الذي يكمن خلف حديثها، أضحى متقادما. إذ يبدو أن هذه الحكومة مازالت تفهم الاندماج كأخذ بيد المهاجرين، حتى يجدوا طريقهم إلى المجتمع الألماني ولهذا يتم اختزال سياسة الإندماج في تعليم اللغة الألمانية للمهاجرين وأبناءهم، وفي هذا السياق تفتخر الحكومة الألمانية بما حققته في مجال تعليم الألمانية للصغار وبدروس الإندماج التي تقدمها للكبار من أجل تحسين معرفتهم باللغة الألمانية.

تجاوز عقلية الوصاية ضروري

لقد أن أوان تجاوز هذه السياسة القائمة على الوصاية، وسيتحقق الكثير لو عمل أخيرا على تجاوز البنى والأحكام المسبقة التي تقف ضد تمتيع الأجانب بالحقوق والفرص نفسها في مجال التعليم وسوق العمل وأمام القانون. وهو ما طالبت به النقابات والاتحادات والمعارضة على هامش قمة الإندماج. ولأن الحكومة لم تصغ لهذه المطالب فإن الجالية التركية في ألمانيا تخطط لتنظيم قمة ضد العنصرية في الربيع المقبل. ويقول رئيس الجالية، كنعان كولات، بأنهم لا يريدون في هذه القمة الحديث عن الإندماج ولكن عن مكافحة العنصرية وعن مشاركة أكبر للمهاجرين في المجتمع، وهو ما قد يشكل منافسة قوية لقمة الاندماج الرسمية.

دانييل باكس
ترجمة: رشيد بوطيب
مراجعة: هشام العدم
حقوق النشر: قنطرة 2012