هل النظام الإسلامي في إيران قابل للإصلاح؟

تشهد إيران في شهر شباط/فبراير انتخابات برلمانية. واتضح خلال السنوات الماضية أن الإصلاحيين لم يتمكنوا من فرض سياستهم رغم أنهم يشكلون الأغلبية في البرلمان. تحليل كتايون أميربور

تشهد إيران في شهر

الصورة: ماركوس كيشكيسنر

​​ شباط/فبراير انتخابات برلمانية. واتضح خلال السنوات الماضية أن الإصلاحيين لم يتمكنوا من فرض سياستهم رغم أنهم يشكلون الأغلبية في البرلمان. تحليل كتايون أميربور

لكم كانت الآمال كبيرة في ذلك الوقت الذي شهد رحيل الشاه في ما مضى. في السادس عشر من يناير/كانون الأول 1979 غادر الشاه محمد رضا بهلوي بلاده التي كانت حتى تلك اللحظة تسمى بمملكة إيران.

"الشاهنشاه (ملك الملوك)، ونور العرق الآري" كما كان يدعو نفسه قد فسح المجال برحيله لمستقبل أفضل لإيران. هكذا كان الاعتقاد آنذاك. لقد انخرط الشعب الإيراني في ثورة لم يكن لأحد أن يتوقّعها ضدّ غياب الحريات والرقابة والتعذيب والتدخل الأجنبي في القرارات السياسية للبلاد. لقد طفح الكيل: كان الشاه بالنسبة لشعبه مستبدًّا لا يقبل بمشاركة المواطنين في الإدلاء برأي، ويواجه كلّ نقد بقمع وحشيّ عنيف. أجهزة مخابراته حاضرة في كلّ مكان وطرق تعذيبها كانت تبثّ الخوف والرعب في القلوب. وبالرغم من العائدات الضخمة للثروة النفطيّة كان جزء كبير من الشعب يعيش على الكفاف.

الشعب غير راض عن النظام

واليوم، وبعد 25 سنة ؟ اليوم، وباعتراف الغرفة التجاريّة الإيرانية نفسها يعيش 40 بالمائة من مجمل الإيرانيين دون الحدّ الفاصل للفقر، بينما يقدّر الدبلوماسيون الأجانب نسبة هولاء بما يفوق الـ60 بالمائة. وإلى الآن ماتزال الرقابة وغياب الحريات والتعذيب سائدة، والشعب غير راض عن النظام. ومنذ أن أتيحت الفرصة للجماهير للتعبير عن رأيها لأول مرة سنة 1997، لم يفوّت الشعب أية فرصة للتعبير عن رغبته في إصلاحات. ففي سنة 1997 وسنة 2000 ثم 2001 تم انتخاب رئيس للجمهورية ونواب برلمانيين من أولئك الذين وعدوا بالديمقراطية وإرساء دولة القانون.

إلاّ أنّ السؤال الذي يطرح نفسه هو ما إذا كان هذا النظام قابلا للإصلاح أصلا. وإلى حدّ الآن فقد فشلت محاولة الإصلاح وتحطمت على عقبه خصوصيّات النظام الإيراني. صحيح أنّ هذا النظام يحتوي على عناصر من تلك التي تكوّن الأنظمة الديمقراطية البرلمانية –مثل وجود مجلس نيابي ورئاسة جمهورية، إلاّ أنّه خلف كلّ من هاتين المؤسستين تتخفّى مؤسّسة أخرى من مؤسسات الإيكليروس الديني.

رئيس جمهورية دون سلطة

وحتى عندما تسيطر أغلبية من الإصلاحيين داخل البرلمان كما هو الحال منذ أغسطس/آب 2000، فإنّ ذلك لا يعني البتة أنّ شيئًا ذا بال قد حُصّل. ورئيس الجمهورية هو أيضا غير ذي سلطة مثله مثل البرلمان الذي لم يكد ينجح بحكم سلطة مجلس حراس الثورة في تمرير قانون واحد من مجمل قوانينه الإصلاحية التي يبلغ عددها الخمسين. وفي الجملة قد تمّ رفض تسعين بالمائة من كلّ القوانين من قبل المجلس بدعوى أنها مناقضة للدستور.

لذلك أثارت الإجراءات الأخيرة لمجلس حراس الثورة شيئا من الاستغراب. فقد رفض السماح بترشح 80 ممثلا برلمانيّا من الإصلاحيين للانتخابات القادمة وذلك بالرغم من كون البرلمان ليس بإمكانه أن يكوّن خطرا على المحافظين. علاوة على أنه بإمكانهم أن يكسبوا هذه الانتخابات دون اللجوء إلى مثل هذا العمل ؛ فالشعب قد غدا محبطا ولم يعد يغذّي أملا بخصوص إمكانية ممارسات تأثير ما على السياسة الإيرانيّة عن طريق الانتخابات. لذلك أدار ظهره لصناديق الإقتراع أثناء انتخابات شهر فبراير/شباط من السنة الماضية – الأمر الذي نتج عنه أن فاز بها المحافظون إذ كانوا الوحيدين الذين ظلّ بإمكانهم تجنيد جموع ناخبيهم.

توسع صلاحيات قائد الثورة

أن يرى النظام نفسه يفقد شرعيته بقدر ما يتناقص عدد المقبلين على الانتخابات وبقدر ما يتضاعف عدد المرشحين الذين يتمّ إقصاؤهم، فذلك لا يبدو أنّه ممّا يثير اهتمام المحافظين. فقد حصل في الماضي أن تُوصل على مدى واسع إلى إبعاد كل المنافسين غير المرغوب فيهم عن طريق مجلس حراس الثورة.

ذلك ما حصل سنة 1992 عندما منع المجلس وقوع البرلمان تحت سيطرة أغلبيّة من الإسلاميين اليساريين الذين يمثلون الاحتياطي السياسي الذي خرج منه العديد من عناصر قوى الإصلاح الحالية. إضافة إلى هذا فإنّ النشاط النخبوي لأعضاء المجلس يمثل في الواقع انتهاكا للدستور الذي لا يقرّ بحق مجلس حراس الثورة في اختيار المرشّحين. ولم توكل إليه هذه المهمّة إلا ابتداء من سنة 1992 من قبل ما يدعى بمجلس التحكيم. وهذه الهيأة الأخيرة بدورها لم يكن ينصّ عليها الدستور الأصلي لسنة 1980، بل لم تبعث إلى الوجود إلاّ سنة 1989 بقرار من آية الله الخميني آنذاك.

وبسبب مثل هذه المحدَثات وبصفة أخصّ بسبب تضخّم الصلاحيات السلطويّة لقائد الثورة علي خامنئي أصبحت حتّى بعض الشخصيات السياسية المؤيدة لأيديولوجية الدولة الإسلامية الإيرانية تردد بأنّ واضعي الدستور الأوائل كانوا يفكّرون بنظام آخر مغاير تمامًا لهذا الذي يوجد الآن. كما أنّ آية الله الأكبر حسين علي منتظري الذي شارك شخصيًّا في إعداد الدستور يتهم المحافظين الحاكمين بأنّهم قد شوّهوا النوايا الأصلية للدستور.

هوة بين الشعب والحكام

اليوم، وبعد مرور 25 سنة على رحيل الشاه، وبعد 25 سنة من ذلك العهد الذي أخذ فيه الناس مأخذ الجدّ مقولة "الإسلام هو الحل" فإنّ الهوّة التي غدت تفصل الشعب عن حكامه المحافظين قد بلغت حدًّا يكاد يكون منقطع النظير. وقد لعب زلزال بام دورًا إضافيا في هذا التباعد. لماذا يتسبّب الزلزال في مثل هذا العدد من الأموات؟ طُرح هذا السؤال بوضوح في الصحف الإيرانيّة، وكذلك أتى الجواب عنه:
لأنّ الفساد منتشر ولا أحد يولي اعتبارا لمنع البناء الفوضوي؛ ولأنّ الحاكمين يسمحون باستغلال الشعب وبتفشّي سوء التصرّف داخل هذه البلاد ذات الإمكانيات الوافرة.

ولئن كانت كلّ المؤشرات لا تنبئ إلى حدّ الآن بنتائج إيجابيّة فإنّ قوى الإصلاح مع ذلك هي التي ستكسب المعركة. إّن عهد نمط الدولة التيوقراطي قد انقضى، لأنّه فقد سلطته على المجتمع. وقد غدا الشباب بصفة خاصة موليا ظهره للطغمة التيوقراطية الحاكمة.

سبعون بالمائة من الشباب دون سنّ الثلاثين، وليست لديهم ذكرى ما عن عهد الشاه لكنّهم يعرفون أنّ مُثل الثورة لم يتمّ إنجازها. وهم يرون أدنى متعة من متع الحياة تحرّم عليهم باسم تأويل محافظ للإسلام، حتة أن الكثير من الإيرانيين أصبحوا يفكرون كما يلي:
"إن كان هذا هو الإسلام المحمّدي الصرف، فإننا نفضّل العيش من دونه إذًا." واعتمادا على نتائج الاستمارات فإنه يوجد اليوم في تركيا اللائكية عدد أكبر ممن يؤدّون فرائضهم الدينية اليومية مما يوجد في دولة الشريعة الإلهية المزعومة بإيران.

ابتعاد الشباب عن الدين

رجال السياسة الإصلاحيون يلقون بمسؤولية هذا الموقف السلبي للشباب تجاه الدين على المحافظين . ومحمد رضا خاتمي شقيق رئيس الجمهورية الحالي والنجم الصاعد من بين الإصلاحيين حاليا قد أقرّ مؤخّرا بصفة واضحة ودون لفّ والتواء: إنّ الشباب الإيراني غدا متملّصا من الدين

الصورة: ماركوس كيرشكيسنر
شباب إيرانيون

​​ بسبب التأويلات الدكتاتورية العنيفة. وفي العام الخامس والعشرين من عمر الثورة الإسلامية أصبحت لإيران أكبر نسبة من اللائكيين في منطقة الشرق الأوسط : شعب قد غدا واضحا لديه ما ينتج عن ارتباط السياسة بالدين من مخاطر.

هناك بصيص أمل: بالرغم من كلّ النكسات التي منيت بها مسيرة الإصلاحات فقد شهد المجتمع نشأة جمهور واع وذي اهتمامات سياسية. هناك بدايات إرساء تنظيمات مدنية صغيرة، و في المقام لأول هناك مجتمع يرغب في تطور ليبرالي للفضاء العمومي. هذه كلها عناصر ضمانات للمستقبل. وحتّى في صورة ما إذا فشلت حركة الإصلاح السياسي فإنّ ذلك لا يعني أنّ الحركة الاجتماعية بدورها سيصيبها نفس الفشل.

بقلم كاتايون أميربور
ترجمة علي مصباح

تقيم كاتايون أميربور، وهي إيرانية الأصل، بكولونيا وتدرّس حاليا العلوم الإسلامية. صدر لها مؤخرا عن دار هيردر بفرايبورغ كتاب بعنوان "إنّ لله مع الذين لا يرهبون" وهو بورتريه لشيرين عبادي الإيرانية الحائزة على جائزة نوبل للسلام.

نشر هذا المقال في صحيفة Tageszeitung عدد 7259 بتاريخ 16 يناير 2004