بارقة أمل بالنسبة لللأقلية التركية

لأول مرة منذ عقود يتمكن مسيحي من دخول البرلمان التركي. هذا الإنجاز حققه المحامي إيرول دورا من الطائفة السوريانية الأرثوذوكسية الذي انتخب نائباً مستقلاً عن محافظة ماردين. توماس زايبرت ومزيد من التفاصيل.

لأول مرة منذ عقود يتمكن مسيحي من دخول البرلمان التركي. هذا الإنجاز حققه المحامي إيرول دورا من الطائفة السوريانية الأرثوذوكسية الذي انتخب نائباً مستقلاً عن محافظة ماردين. توماس زايبرت ومزيد من التفاصيل. حتى وقت قصير كان اسم إيرول دورا مجهولاً لدى غالبية الأتراك. غير أن هذا المحامي البالغ من العمر سبعة وأربعين عاماً حقق سابقةً تاريخيةً خلال الانتخابات البرلمانية هذا العام في تركيا – أي في الدولة المسلمة الوحيدة المرشحة لدخول الاتحاد الأوروبي: لقد استطاع دورا أن يدخل البرلمان التركي في أنقرة كأول سياسي مسيحي منذ نصف قرن، وذلك بعد نجاحه في الانتخابات التي جرت يوم الثاني عشر من يونيو / حزيران.

 

الصورة خاص
موطن المسيحية منذ قديم الأزل: في جنوب شرق محافظة ماردين في الأناضول، وبجوار مدينة تور عابدين، يعيش اليوم نحو 3 آلاف مسيحي ينتمون إلى الطائفة السوريانية الأرثوذوكسية.

​​لقد حان الوقت منذ أمد طويل، يقول دورا. "منذ سنوات الستينات لم يتمكن سياسي مسيحي واحد من دخول البرلمان"، يقول المحامي في حوار مع موقع "قنطرة". "إنى أرى الأمر عادياً." دورا واحد من نحو 13 ألف مسيحي ينتمون إلى الكنيسة السوريانية الأرثوذوكسية في تركيا. ويقع الموطن الأصلي للأقلية الصغيرة في جنوب شرق محافظة ماردين في الأناضول، حيث يتحدث الناس اللغة الآرامية التي كان يتكلم بها يسوع المسيح. وهناك أيضاً ما زالت الأديرة العتيقة التي بناها المسيحيون السريان الأرثوذوكس، وأهمها مور غابريل الذي اُشتهر في العالم كله في الأعوام الماضية بسبب نشوب نزاع قضائي بين الدير والدولة التركية.

 

لقد نشأ دورا أيضاً في جنوب شرق تركيا، وإنْ كان يعمل في إسطنبول منذ سنوات طويلة، هو ولد في عام 1963 في قرية صغيرة لا يسكنها سوى مسيحيين، ثم هجرها في عمر التاسعة حتى يذهب إلى المدرسة. في سنوات التسعينات أُخليت المنطقة على يد قوات الأمن التركية خلال الحرب التي خاضتها على متمردي حزب العمال الكردستاني PKK، وهكذا فقد الأهالي موطنهم وهرب بعضهم إلى غرب أوروبا، مثلما حدث لكثير من سكان القرى المدمرة في المنطقة الكردية والتي كان يسكنها نحو ثلاثة آلاف إنسان.

التعايش السلمي بين الطوائف

عندما قام دورا بحملته الانتخابية في ماردين لينوب عن المنطقة في البرلمان فإنه كان يتمتع بالمصداقية بسبب تاريخه أيضاً. ولا يشعر أحد بالانزعاج لأنه مسيحي، يقول دورا. وتضم المحافظة سكاناً متنوعي العرقيات والأديان، من أتراك وأكراد وعرب ومسلمين ومسيحين ويزيديين. "نعيش هنا معاً منذ آلاف السنين"، يقول دورا، ثم يضيف: "لو كان أحداً يكنّ ضغينه للمسيحيين هنا لما كنت رشحت نفسي."

الصورة  خاص
لأول مرة منذ ما يقارب خمسة عقود يجلس نائب مسيحي في البرلمان التركي: المحامي السورياني الأرثوذوكسي إيرول دورا.

​​هذا الانفتاح نحو المرشحين المسيحيين ليس بالضرورة منتشراً في كل أنحاء تركيا، فرغم أن تركيا جمهورية علمانية رسمياً فإن الدولة ظلت لفترة طويلة تنظر إلى أبناء الجماعات غير المسلمة على أنهم قد يكونون خونة. وهكذا كان يُنظر إلى الأرمن واليونانيين باعتبارهم عملاء قوى معادية، أما اليهود فكانوا يُقَابلون بالشكوك في كل الأحوال، كما كانت الأقليات الصغيرة الأخرى، مثل المسيحيين السوريان الأرثوذوكس، تواجه مشكلات عديدة.

حتى سنوات قريبة لم يكن يُسمح للمسيحيين في تركيا ببناء كنائس، كما أنهم ما زالوا ينتظرون الاعتراف القانوني بهم كجماعة دينية. وهكذا كان النائب الأرمني بيرك صاداق في سنوات الستينات هو آخر نائب مسيحي في البرلمان التركي. وفي منتصف التسعينات نجح رجل الأعمال اليهودي سيفي كامهي في الدخول إلى البرلمان في أنقرة نائباً عن أحد الأحزاب المحافظة – ومنذ ذلك الحين لم يضم البرلمان التركي سوى نواب مسلمين.

حساسيات الأحزاب

حتى اليوم ما زالت الأحزاب التركية الكبرى تخشى الاقتراب من سياسيين غير مسلمين. لقد رشح دورا نفسه في ماردين كنائب مستقل، ولكن على قائمة يدعمها الحزب الكرديBDP الذي كان يهدف إلى تجاوز حاجز العشرة في المئة اللازمة للدخول إلى البرلمان في تركيا. كان الحزب الكردي هو الحزب الوحيد الذي أبدى اهتمامه بالمحامي المسيحي. وهكذا لم يرشح حزب العدالة والتنمية الحاكم ذو الصبغة الإسلامية مرشحاً واحداً غير مسلم لأحد مقاعد البرلمان البالغة 550 مقعداً، أما الحزب العلماني الأتاتوركي CHP فلم يجد مكاناً سوى لمرشحة يهودية وحيدة على قائمة كان ميئوساً من نجاحها.

على العكس من ذلك كان الأمل يراود دورا منذ البداية في الحصول على مقعد برلماني في أنقرة، إذ أن محافظة ماردين أرسلت خمسة نواب إلى برلمان العاصمة، وكان دورا يحظى بفرصة جيدة كنائب مستقل في أن يكون أحد الخمسة. بعد نجاحه في الانتخابات ينوي دورا أن يتحدث باسم المسيحيين وأن يكافح عموماً من أجل دمقرطة البلاد. يقول دورا: "أريد أن أقدم مساهمتي كمواطن في الجمهورية التركية."

ومن المنتظر أن يقوم البرلمان الجديد بصياعة دستور جديد في البلاد. من خلال وجوده في البرلمان في أنقرة يريد دورا أن يعمل أيضاً على إنهاء الصراع الكردي، فهو يطمح إلى العودة يوماً إلى قريته، مسقط رأسه. "نريد أن تنتهي الحرب، فنحن كلنا أخوة."

 

توماس زايبرت

 ترجمة: صفية مسعود

مراجعة: هشام العدم

حقوق الطبع: قنطرة 2011