الصراع في سوريا...سباق مع الزمن

بعدما اتحدت أطياف المعارضة السورية تحت راية الائتلاف الوطني، اعترفت دول أوروبية عديدة بهذا الائتلاف، فيما تعهد المجتمع الدولي بتقديم مزيد من المساعدات للاجئين، لكن الأهم لمستقبل سوريا هو دعم القوى الثورية المعتدلة في البلاد، كما ترى الكاتبة والصحفية الألمانية كريستين هيلبيرغ.

الكاتبة ، الكاتب: Kristin Helberg

من يتابع الصراع في سوريا عبر الإنترنت يجد نفسه مقسّماً بين مشاعر الأمل والغضب، إذ إن التطورات المختلفة تشد البلاد إلى هذا الاتجاه أو ذاك. ويبقى الاتجاه الذي سيهيمن على مصير البلاد مرهوناً بما سيحدث في المستقبل القريب.

فمن جهة هناك الناشطون والثوار والمنشقون والمقاتلون الأحرار، الذين يتعهدون جميعاً بتوحيد الشعب السوري ويعملون جاهدين من أجل المصالحة والحفاظ على المعنويات عالية. كما يتعاون هؤلاء مع كافة الفئات المجتمعية للمحافظة على روح التعددية والحد من الأعمال الانتقامية ووضع حجر الأساس للديمقراطية والتعددية.

إنهم يبنون المدارس والمستشفيات في إدلب، التي تسيطر عليها المعارضة، ويجمّلون الأماكن العامة في يبرود المحررة، ويرفعون يافطات كتب عليها "سواء أكنت مؤيداً أم معارضاً فاحترم نفسك بأن تحترمني"، ويغنون من أجل الحرية في حي طريق الباب.

جزء من الواقع الثوري في سوريا

يبرود بعد تحريرها من النظام. دويتشه فيله
نصر على نظام الأسد البغيض: كانت يبرود، الواقعة شمال دمشق، ضمن أول البلدات التي سيطر عليها الجيش السوري الحر.

​​
أما قادة الثوار المحليين، فقد أدانوا انتهاكات حقوق الإنسان التي قامت بها مجموعات مقاتلة أخرى، ويسمحون للمحامين بتفتيش سجونهم. وبعد تدنيس كنيسة القديسين سيرغيوس وباخوس في بلدة قارة، أعلن ممثلو كافة الطوائف تضامنهم مع مسيحيي البلدة.

فهل هذا أفضل من أن يكون حقيقة؟ نعم، لأن هذه القصص لا تكاد تحظى بتغطية في وسائل الإعلام، وهي جزء من الواقع الثوري في سوريا.

الجانب الآخر بشع ومعروف بشكل أكبر، مثل قيام وحدة تابعة للجيش السوري الحر بقتل ممثلي مافيا عائلة البري في مدينة حلب، انتقاماً لمقتل 15 من مقاتلي المعارضة. وفي سراقب، قام الثوار بإعدام أسرى من أفراد الجيش النظامي والمليشيات.

وفي حي التضامن الواقع في ضواحي دمشق، أقدم مقاتلون على قتل صحافي يعمل في التلفزيون الحكومي السوري، إضافة إلى قصفهم بالصواريخ في حي المزة 86، الذي يقطنه العديد من مؤيدي النظام السوري.

هذه بالطبع ردود على أعمال وحشية ارتكبها النظام على مدار العشرين شهراً الماضية، وجرائم الثوار لا يمكن مقارنتها بالعنف الممنهج الذي يستخدمه النظام ضد المدنيين.

لكن المقاومة المسلحة يجب أن تكون موجهة ضد الأهداف العسكرية فقط، والنضال من أجل الحرية يجب أن يستوفي الحد الأدنى من المعايير الأخلاقية، ولهذا يجب أن يتصرف الجيش السوري الحر بشكل أفضل من شبيحة الأسد، وإلا فلن يكون بديلاً عنه، بل نسخة من هذا النظام الوحشي.

إن مهاجمة القواعد العسكرية وإسقاط الطائرات المقاتلة وأسر الجنود والشبيحة جزء من الصراع ضد النظام الدكتاتوري، إلا أن التعذيب والإعدام المتعمد لمن يجب حمايتهم ليس جزءاً من هذا الصراع، مثل قصف الأحياء السكنية، لأن هذه الأساليب تضر بسمعة الثوار والثورة.

صعود المجموعات المتطرفة

غالبية كتائب الجيش الحر تلتزم بذلك وتسعى لمنع هذه الانتهاكات، وتبقى على اتصال مع السكان، لأن أعضاء هذه الكتائب، وهم معلمون ومزارعون وحرفيون وعاطلون عن العمل وطلاب، ينحدرون من المناطق التي يقاتلون فيها.

كما أنهم يتعاونون مع ناشطي المقاومة السلمية وينسقون مع لجان الثورة المحلية. وباختصار، فإنهم يقاتلون من أجل مستقبل أفضل لسوريا ويستحقون كل الدعم.

متظاهرتان من حلب. دويتشه فيله
أمل في إسقاط الأسد وبدء عهد الديمقراطية في سوريا: "يجب على الجيش السوري الحر أن يتصرف بشكل أفضل من شبيحة الأسد، وإلا فلن يكون بديلاً عنه، بل نسخة من نفس النظام الوحشي"، بحسب ما تكتب كريستين هيلبيرغ.

​​

لكن هؤلاء يتلقون دعماً قليلاً، وهو ما يفتح المجال أمام المجموعات المتطرفة، التي تتكون من جهاديين يعملون في كل أنحاء العالم وإسلامويين متطرفين ذوي خبرة في القتال، ويمتلكون شبكة علاقات جيدة ويسجلون نجاحات أكبر من غيرهم، وهو ما يدفع عدداً متزايداً من السوريين للانضمام إلى صفوفهم.

هذا التطور يتضح من خلال مقاطع الفيديو التي يصورها الثوار، والتي توثق النجاحات العسكرية أو اتحاد عدد من المجموعات المقاتلة، التي بدأت تتخذ طابعاً إسلامياً، وترفع أعلاماً إسلامية بدلاً من علم الاستقلال المميز بالألوان الأسود والأخضر والأبيض. وتتضمن هذه المقاطيع ترديداً لقسم بالولاء للنبي محمد.

وبشكل متعمد، يتجنب المقاتلون المقربون من تنظيم القاعدة، مثل جماعة جبهة النصرة، الاحتكاك بالسكان، إذ يخيف توجههم الإسلامي المتطرف أغلب السوريين. وفي ذات الوقت، لا يستطيع الجيش السوري الحر التخلي عن هذه المجموعات في معركته مع نظام الأسد، بسبب قدراتها العسكرية وتسليحها المتفوق وخبرتها.

وبهذا، فإن الجيش الحر يسير على حبل رفيع ما بين إغراء ضم هذه المجموعات المتطرفة التي تحركها أيد خارجية إلى الثورة السورية، والحيلولة دون تركها تسيطر على هذه الثورة.

لكن الوقت يمضي لصالح المتطرفين، والحاجة الماسة واليأس المنتشر في المناطق الريفية يدفع بكثير من المتطوعين للانضمام إلى هذه المجموعات، وطالما لا توجد أية مساعدة في الأفق، فإن الشباب السوري سيحمل السلاح باسم الله، وهو الوحيد الذي يقف إلى جانبهم في هذه الأيام.

خطورة فقدان الثقة بالائتلاف الوطني

ولكي لا تتحول انتفاضة الشعب السوري ضد النظام الدكتاتوري إلى معركة دينية، يجب على الائتلاف الوطني لقوى المعارضة والثورة الإمساك بزمام الأمور بسرعة، لأنه إذا لم يتمكن من تحريك الأمور في القريب العاجل، فإنه سيخسر الثقة التي أعطاها إياه الشعب السوري، وسيفقد أهميته مثل المجلس الوطني السوري.

وحيثما يفقد النظام السوري سيطرته، ينبغي على الائتلاف الوطني ملء الفراغ، وهذا ممكن فقط إذا ما كان الائتلاف قادراً على تقديم شيء ما للناشطين والمقاتلين على الأرض، خاصة وأن هؤلاء هم من يخاطرون بحياتهم، ولذا يجب أن يشملهم أي تخطيط للمرحلة الانتقالية.

لكن ما الذي قدمه الائتلاف الوطني حتى الآن سوى بعض المعارضين البارزين وكلمات حكيمة ولفتات دبلوماسية من قبل الأوروبيين والأمريكيين؟ ما يحتاجه الائتلاف فعلاً هو المال والثقة، إذ يجب أن يكون قادراً على تخفيف معاناة السوريين وتأسيس نظام مُقنِع لحقبة ما بعد الأسد في المناطق المحررة، إضافة إلى توحيد كتائب الجيش الحر، التي يتعاون جزء ويتناحر جزء آخر منها، من أجل تكوين قوة عسكرية يعتدّ بها.

ومن أجل تحقيق كل ذلك، يجب أن يصبح الائتلاف الوطني عنصر تحكم، من خلال ضخ كافة المساعدات المالية الدولية عبره، وتوزيع هذه المساعدات حسب معايير محددة تضمن مصلحة السوريين دون أي تدخل من الخارج.

أما الحاجة إلى السلاح وكيفية توزيعه، فيجب أن تقررها المجالس العسكرية في المحافظات السورية المختلفة، التي تعمل جنباً إلى جنب مع المجالس الثورية في تلك المحافظات. أما الأموال المخصصة للمساعدات الإنسانية، فيجب أن تضطلع بها لجان التنسيق المحلية والمنظمات العاملة على الأرض لمساعدة الجرحى والمرضى والأرامل والأيتام واللاجئين.

ولبناء هياكل حكومية بديلة، يجب على الائتلاف الوطني أن يعمل مع المؤسسات والأشخاص الذين يمتلكون خبرة في الإدارة المدنية ويشعرون بالالتزام بفكرة التعددية في المجتمع السوري. كما يجب مكافأة أي اعتدال أو تسامح أو إشراك لسكان المنطقة في صنع القرار، ومعاقبة الأعمال الانتقامية.

الضغط السياسي مطلوب

الصحفية كريستين هيلبيرغ. المصدر: يان كولكِه
عملت الصحفية كريستين هيلبيرغ بين سنتي 2001 و2009 مراسلة حرة في دمشق. وصدر لها في سبتمبر الماضي كتاب بعنوان "بؤرة الصراع سوريا: نظرة على دولة مغلقة"، عن دار هيردر للنشر.

​​

سيكون من الصعب على الدول المانحة تمويل الائتلاف الوطني والوثوق في أنه سينفق الأموال بشكل "صحيح". لكن ذلك سيكون ضرورياً، فالولايات المتحدة وأوروبا تخشى من أن تقع الأسلحة في أيدي متطرفين يتبعون أجندة جهادية عالمية.

لكن هذه الحجة ضعيفة، لأن تلك المجموعات تمكنت من اغتنام أسلحة ثقيلة، مثل الدبابات والصواريخ المضادة للطائرات، من مخازن الجيش النظامي المسلح تسليحاً جيداً.

ولهذا، فإن تنسيق الدعم الخارجي ضروري وعاجل، لأنه سيساعد الائتلاف الوطني على تقوية التيارات التي تقاتل من أجل الحرية والديمقراطية في سوريا، والتي لا تتحالف من المجموعات الإرهابية. إضافة إلى ذلك، فإن المساعدات المالية من الخارج ستساهم في تهدئة الصراع بدلاً من تصعيده.

وبموازاة ذلك، ينبغي على المجتمع الدولي التوصل إلى توافق سياسي ودبلوماسي والعمل على أسلوب موحد للتعامل مع الصراع في سوريا. وأهم شرط لذلك هو إقناع روسيا بأن هناك بديلاً للأسد وأن هذا البديل ليس خلافة إسلامية في سوريا.

وفقط عندما تعترف موسكو بالائتلاف الوطني ممثلاً شرعياً للشعب السوري، فإنها ستكون قادرة على التخلي عن النظام السوري والمحافظة على ماء الوجه والتمهيد لحل سياسي.

وبدون الدعم الروسي بالتوازي مع مواجهة جيدة يقوم بها الجيش السوري الحر ضد النظام، سيضطر النظام إلى الانسحاب من مناطق أكثر في البلاد للحفاظ على دمشق ومنطقة الساحل.

ولذلك، فإن الضغط السياسي والعسكري مطلوب لإجبار النظام على الرضوخ، إذ إن بشار الأسد سيتفاوض على تسليم السلطة فقط عندما لا يرى أي مخرج آخر. وأي حل آخر لن يكون سوى وَهْمٍ وخيال.

وحتى تحين تلك اللحظة، يجب إنشاء نظام سياسي جديد في الشمال "المحرر" يُثبِت أن الفوضى لن تعقُب سقوط الأسد.

إن عدم التدخل في الصراع السوري ليس خياراً، وهذا يجب أن يكون واضحاً لكل من تابع التطورات خلال العشرين شهراً الماضية. فبدلاً من انتقاد عسكرة وتطرف الانتفاضة الشعبية السورية التي بدأت سلمية، يجب التصرف على الفور.

ومن خلال الائتلاف الوطني، أصبح هناك بديل مناسب لقيادة المرحلة الانتقالية ولاستبدال نظام الأسد. هذا الائتلاف يستحق الدعم، كي يكون السوريون هم من يقررون مصيرهم، وليس تنظيم القاعدة.

 

كريستين هيلبيرغ
ترجمة: ياسر أبو معيلق
تحرير: علي المخلافي
حقوق النشر: قنطرة 2012