مهزلة انتخابية ونظام لا يعرف أية معايير أخلاقية

شهدت سوريا في بداية شهر حزيران/ يونيو 2014 "انتخابات رئاسية"، سعى من خلالها الرئيس السوري بشار الأسد إلى إعادة انتخابه لولاية جديدة مدتها سبعة أعوام. وقبيل هذه "الانتخابات"، سارت آلة الدعاية الخاصة بالنظام السوري على قدم وساق، تماماً كسعيها منذ بداية الثورة السورية إلى التأثير على الرأي العام السوري والدولي لصالح السلطات السورية. مارتينا صبرا تسلّط الضوء لموقع قنطرة على هذه "الانتخابات" وعلى مكائن البروباغندا السياسية المرافقة لها.

الكاتبة ، الكاتب: Martina Sabra

تظهر على ملصقات أكبر من قامة الإنسان صورة لبشار الأسد وهو يحيّي الناخبين بابتسامة ودّية. ونقرأ بجانب صورته هذه عبارة: "سوا" التي تعني "سويةً". تهدف حملة الرئيس السوري إلى جعل الناخبين السوريين يوافقون، في ما يطلق عليها اسم "انتخابات" موعدها في الثالث من شهر حزيران/ يونيو 2014، على إعادة انتخاب نظام الأسد لولاية رئاسية جديدة تستمر على الأقل سبعة أعوام أخرى.

تم تصوير العديد من أشرطة الفيديو القصيرة لحملة "سوا" الانتخابية. ومن بين هذه الأشرطة، نشاهد شريط فيه طفلان من تلاميذ المدارس، يقومان بزيارة مقبرة في يوم مشمس، ويضعان الزهور على قبر وهما يبتسمان بسعادة وبهجة، وكأنما أعطاهما "العم بشار" مصاصة حلوة.

تبدو هذه الصور تافهة وبشعة نظرًا إلى الوضع الحقيقي في سوريا: إذ يوجد نحو خمسة ملايين طفل سوري هاربين من وطنهم، وهناك ثلاثة ملايين طفل لا يذهبون إلى المدرسة، وحتى الآن قُتل في الأزمة السورية أكثر من 12 ألف طفل سوري بحسب أرقام منظمة اليونيسيف - معظمهم بأسلحة النظام. وبالإضافة إلى ذلك يتم حاليًا احتجاز عدد غير معروف من الأطفال الصغار جدًا في سجون النظام كما يتم تعذيبهم، من أجل الضغط على أهاليهم أو أقربائهم الذين يشتبه بأنَّهم معادون للنظام.

وفي فيديو آخر من أشرطة الحملة الانتخابية، تظهر حشود من المواطنات والمواطنين السوريين، الذين من الواضح أنَّهم مبتهجون، وهم في طريقهم إلى العمل ومعهم خوذات صفراء اللون نظيفة وناصعة.

نظريات المؤامرة وقلب الحقائق

من المفترض أن تعمل أشرطة الفيديو هذه والملصقات على حفر فكرة في أذهان المواطنين السوريين، مفادها أنَّ أجهزة السلطة في نظام الأسد ليست المسؤولة عن القتل والدمار. بل إنَّ سوريا هي ضحية لمؤامرة حاكها الغرب، وتتم إدارتها من قبل الولايات المتَّحدة الأمريكية وإسرائيل ودول الخليج. إنّ سقوط أكثر من 160 ألف قتيل وتدمير البنية التحتية بكاملها تقريبًا وكذلك تفكيك البلاد واقتلاع نصف المواطنين السوريين من جذورهم - جميعها أمور يتم تصويرها كوسيلة للدفاع المشروع عن النفس في معركة النظام السوري "الشجاع ضدّ الإمبرياليين البشعين".

حملة سوا المناصرة للأسد على فيسبوك. Quelle: Sawa/Facebook
Assads "Sawa"-Kampagne als absurdes Theater: "Die Bilder wirken geschmacklos und grotesk angesichts der realen Lage: Rund fünf Millionen syrische Kinder sind auf der Flucht, drei Millionen gehen nicht zur Schule, mehr als12.000 wurden laut Unicef-Angaben bislang in dem Konflikt getötet", schreibt Sabra.

ربما يبدو هذا أمرًا غير معقول، بيد أنَّ استراتيجية النظام السوري تكمن في قلب الحقائق إلى نقيضها من خلال الدعاية، وقد كانت هذه الاستراتيجية حتى الآن ناجحة من دون شكّ. فمنذ شهر آذار/ مارس 2011، استنكر النظام السوري كلّ أشكال المعارضة - وحتى الاحتجاجات السلمية، ووصفها بأنَّها إرهاب إسلامي أو حتى مؤامرة غربية، أو كلاهما في الوقت نفسه. وكان الهدف من ذلك تشويه سمعة الثورة في جميع الاتّجاهات، سواء لدى الدول الأجنبية أو لدى الشعب السوري.

من أجل السيطرة على الرأي العام في البلاد، تستخدم أجهزة السلطة السورية وسائل مختلفة. ومن بين هذه الوسائل "الاعترافات" القسرية: اعترافات كاذبة - غالبًا ما يُدلي بها مواطنون سوريون أو أجانب، تم اعتقالهم بشكل غير قانوني، كما يتم إجبارهم على "الإعلان" أمام الكاميرات عن أنَّهم جواسيس وعملاء سِرّيون أو مخرّبون أو إرهابيون.

"عين الأسد الساهرة"

من أشهر الأمثلة الحالية على هذه الاعترافات، قضية طالبة علم النفس مريم حايد البالغة من العمر 23 عامًا، وهي من أهالي العاصمة دمشق. لم تكن لهذه الشابة بحسب معلومات أقاربها وأصدقائها أية نشاطات سياسية. ولكن مع ذلك، تم اعتقالها في شهر كانون الثاني/ يناير 2014 أثناء مداهمة منزل ابن عمها في دمشق وقد تم نقلها إلى مكان غير معروف.

بعد ستة أسابيع ظهرت مريم حايد - في التلفزيون السوري الرسمي. وفي برنامج "العين الساهرة" المعروف، تحدّثت هذه الطالبة عن "جرائمهما" مع شاب من المفترض أنَّه شريكها، وكان من الواضح أنَّها قد تعرّضت إلى الضغط؛ قالت إنَّهما قاما بتوزيع منشورات وملصقات تطالب بالديمقراطية. بالإضافة إلى ذلك أقرّت بأنَّهما قاما بتزوير تقارير مصوّرة لمظاهرات سلمية ضدّ النظام وباعاها لوسائل إعلام معادية لسوريا في الخارج.

Maryam Haid, Quelle: Standbild syrisches Staatsfernsehen
Gefangen in den Mühlen der Propaganda- und "Gedächtnisindustrie" des Assad-Regimes: Maryam Haid wurde für die einschlägig bekannte TV-Sendung "Wachsames Auge" zu der Aussage gezwungen, als angebliche Staatsfeindin gegen das Regime agiert zu haben.

في هذه الأثناء تم اتّهام مريم حايد رسميًا بتشكيل تنظيم إرهابي. ولكن لا يزال من غير الواضح متى تتم محاكمتها. كما أنَّها لا تزال موجودة في السجن. قام عالم الاجتماع السوري حايد حايد المقيم في لبنان، وهو أحد إخوة مريم حايد، بتحليل الاعترافات الوهمية التي يتم بثّها ونشرها في وسائل الإعلام السورية. وفي مقال له تم نشره قبل فترة غير بعيدة وصدر أيضًا باللغة الألمانية، ذكر أنَّ التلفزيون السوري يستخدم منذ عدة أعوام الاعترافات العلنية والمبايعات المزعومة أو حتى المجرمين الحقيقيين كأدوات للدعاية.

ويقول حايد حايد إنَّ "الاعترافات" المزعومة قد تضاعفت كما تم تطويرها كثيرًا منذ بداية الثورة في شهر آذار/ مارس 2011. وفي حوار مع موقع قنطرة ذكر أنَّ "الكثيرين من السوريين لم يعودوا منذ فترة طويلة يصدّقون ما يُطلق عليها اسم اعترافات، وحتى أنَّهم يقولون نكات حول ذلك. ولكن مع ذلك لا يزال يوجد الكثيرون ممن ينخدعون بهذه الأكاذيب والتضليل. كما أنَّ النظام بدأ في صياغة السيناريوهات بطريقة أحدث. ولذلك يمكن الحديث عن صناعة الاعترافات".

آثار معلوماتية للدعاية الأسدية

يسعى نظام الأسد إلى مراقبة المعلومات الموجود حول سوريا في دول الخارج أيضًا. ومنذ شهر آذار/ مارس 2011، باتت فرص عمل الصحفيين الأجانب المستقلين، والتي كانت حتى ذلك الحين محدودة للغاية، مستحيلة تقريبًا برمّتها في داخل المناطق التي يسيطر عليها النظام. وبالتوازي مع ذلك، ازدادت كثيرًا في دول الخارج الهجمات التي تستهدف ممثِّلي وسائل الإعلام وغيرهم من الأطراف الفاعلين المتعاطفين مع الثورة السورية أو الذين يفضحون فظائع نظام الأسد.

وعلى الأقل إنَّ بعض هذه الهجمات تُسجَّل على حساب "الجيش السوري الإلكتروني" (SEA). ففي شهر أيَّار/ مايو من عام 2011 أبلغ خبراء في تكنولوجيا المعلومات من كندا ولأوَّل مرة عن وجود مجموعة من خبراء الكمبيوتر والهاكر، الذين كانت تقود آثارهم الرقمية مباشرة إلى مركز السلطة في دمشق. "تعدّ سوريا أوَّل دولة عربية لديها جيش إلكتروني رسمي، تتم استضافته على الشبكات الوطنية ويقوم بتنفذ هجمات سيبرانية واضحة تمامًا ضدّ أعداء"، مثلما أورد الباحث حلمي نعمان في دراسة موجزة أعدّها لمركز الأبحاث الكندي "سيتيزن لاب".

US-Außenminister John Kerry auf einem Treffen der Syrien-Kontaktgruppe in Doha; Foto: Reuters
Die Vertreter der Syrien-Kontaktgruppe haben die für Anfang Juni geplante Präsidentschaftswahl in Syrien als "Farce" gebrandmarkt. Die Abstimmung, bei der sich Präsident Baschar al-Assad inmitten des Bürgerkriegs für eine weitere Amtszeit wählen lassen will, sei überdies eine "Beleidigung" des Volkes, erklärte jüngst US-Außenminister John Kerry.

ويهاجم الجيش السوري الإلكتروني بصورة رئيسية ثلاثة أهداف - أولاً: اتصالات المعارضة السورية على شبكة الإنترنت؛ ثانيًا: مواقع المؤسَّسات ووسائل الإعلام الأجنبية، التي يُنظر إليها على أنَّها معادية للأسد - مثل جامعة النخبة الأميركية هارفارد، وهيئة الإذاعة البريطانية بي بي سي، وحسابات تويتر الخاصة بصحيفة فاينانشال تايمز ومدوَّناتها، وكذلك حساب تويتر التابع لوكالة الأنباء الأمريكية الرائدة أسوشيتد برس. وثالثًا يقوم قراصنة المعلومات العاملون لصالح نظام الأسد بإغراق صفحات الفيسبوك التي تحظى بشعبية واسعة ومنتديات القرّاء في الصحف الكبيرة بتعليقات ورسائل مؤيّدة للأسد.

جيش إلكتروني للخدمات العسكرية

لقد مدح بشار الأسد عدة مرات وبشكل علني الجيش السوري الإلكتروني. وكذلك يعتقد الخبراء أنَّ هذا الجيش الإلكتروني يشارك أيضًا في تتبُّع المتمرّدين ومعارضي النظام في داخل سوريا. وبالإضافة إلى ذلك يُسجَّل على حساب الجيش السوري الإلكتروني إرسال العديد من الفيروسات والهجمات الخبيثة على الثوّار السوريين المسالمين: فقد وجد خبراء تكنولوجيا المعلومات في أجهزة النشطاء السوريين في داخل سوريا وفي خارجها برامج تجسّس، تقوم بإرسال الرسائل الإلكترونية وكلمات المرور مباشرة إلى عنوان موجود في سوريا. ومن المفترض كذلك أنَّ عمّال الإغاثة الدوليين في سوريا مستهدفون من الهاكر وقراصنة المعلومات العاملين في خدمة النظام السوري.

إنَّ استخدام النظام في دمشق للكتائب الإلكترونية والاعترافات القسرية وأشرطة الفيديو الدعائية والعنف ضدّ الصحفيين والمراسلين المستقلين - خير دليل على أنَّ أجهزة السلطة السورية لا تعرف أية معايير أخلاقية عندما يتعلق الأمر بتضليل الرأي العام. وفي الوقت الراهن يسعى نظام الأسد إلى تقديم نفسه على أنَّه أهون الشرين أو كبديل علماني.

وفي المقابل فإنَّ بعض الإعلاميين والخبراء والسياسيين الغربيين يرغبون في تصديق ذلك - لا سيما وأنَّ المعارضة السورية تمارس هي الأخرى الدعاية وأنَّه بات يتّضح كذلك باستمرار أنَّ العديد من معارضي الأسد لا يؤمنون كثيرًا بالديمقراطية. ولكن مع ذلك تبقى الحقيقة: أنَّ نظام الأسد هو مَنْ يتحمّل المسؤولية الرئيسية عن نشوء هذه الأزمة، وعن الدمار الشامل والقتل الجماعي في سوريا. في الثالث من شهر حزيران/ يونيو 2014 (موعد "الانتخابات")، لا يتعلق الأمر في سوريا بالعمل "سوا"، أي سويةً وبشكل جماعي، في إعادة إعمار البلاد، بل يتعلق فقط باحتفاظ آل الأسد بالسلطة في سوريا.

 

 

مارتينا صبرا

ترجمة: رائد الباش

تحرير: علي المخلافي

حقوق النشر: قنطرة 2014