"يجب التخلص من سوء الإدارة والتفكير القبلي"

يرى الكاتب الليبي مصطفى فيتوري، رئيس قسم إدارة الأعمال في الأكاديمية الليبية للدراسات العليا في طرابلس، في تعليقه الآتي أن ليبيا لم تعد كما كانت عليه في الماضي وسط مطالبته بتخلص الجيل الجديد من الأمراض القديمة وعلى رأسها سوء الإدارة والتفكير القبلي والمحاباة.

بمرور واحد وأربعين عاما على تولي الزعيم الليبي معمر القذافي لمقاليد السلطة في بلده، تُسلط الأضواء على مستقبل الأوضاع في هذا البلد الغني بالنفط . الكاتب الليبي مصطفى فيتوري، رئيس قسم إدارة الأعمال في الأكاديمية الليبية للدراسات العليا في طرابلس، يرى في تعليقه الآتي أن ليبيا لم تعد كما كانت عليه في الماضي وسط مطالبته بتخلص الجيل الجديد من الأمراض القديمة وعلى رأسها سوء الإدارة والتفكير القبلي والمحاباة.

القذافي، الصورة د.ب.ا
"ليبيا اليوم ليست تلك التي كانت منذ 41 عاما وبالرغم مما تحقق منذ عام 1969 ، إلا أن الكثير من التطورات و المستجدات جعلت البلد بحاجة إلي سياسات و خطط تختلف عن تلك التي احتاجتها قبل أربعة عقود"

​​

بعد واحد وأربعين عاما على توليه مقاليد الأمور في ليبيا لا يزال العقيد القذافي يثير الجدل بأفكاره التي لا يتورع عن الجهر بها. وقد اختار هذا العام أن يدشن احتفالات بلاده بالذكرى 41 لثورته البيضاء من روما، حيث حل ضيفا على "صديقه" رئيس وزراء إيطاليا لحضور احتفال بالذكرى الثانية لمعاهدة الصداقة الليبية الإيطالية التي تم التوقيع عليها في 30 أغسطس/آب 2008 .

وبموجب الاتفاقية اعتذرت ايطاليا رسميا لمستعمرتها السابقة ليبيا عن سنين الاستعمار ووافقت على تعويضها بمبلغ 5 مليارات دولار على مدى 25 سنة، يذهب جلها إلى مشاريع تنموية تنفذها الحكومة الإيطالية في ليبيا التي استعمرتها من عام 1911 وحتى نهاية الحرب العالية الثانية.

وتشمل مشاريع التعويض شق طرق وإقامة مراكز علاجية و قبول الطلبة الليبيين للدراسة في ايطاليا مجانا وتأسيس الأكاديمية الليبية الإيطالية في روما. وأثناء زيارة الزعيم الليبي إلى روما مؤخرا تحدث أمام جمع من النساء الإيطاليات داعيا إياهن الي الدخول في الإسلام متمنيا " أن تتحول أوروبا إلى الإسلام"، ما أثار ردود فعل غاضبة وساخرة في الصحافة الأوربية وخاصة الإيطالية.

ويحق للرجل أن يعبر عن أفكاره كما يشاء فهو لا يزال في سدة القيادة، بعد أن أنهى نظام حكم الملك السنوسي صبيحة الفاتح من سبتمبر عام 1969 ليتجه بليبيا الغنية بالنفط في اتجاه سياسي واقتصادي أكسبه عداء الغرب لعقود متواصلة، ولكنه غير وجهها من مرادف للفقر و البؤس و"صندوق الرمل"، كما كانت ليبيا تٌكنى إلى دولة حققت مستوى معيشة جيد جدا لأبنائها فدعمت السلع الغذائية والسكن والوقود وأسست بنية تحتية متطورة وكفلت مجانية التعليم والعلاج على مدى الأربعة عقود الماضية.

ليبيا لم تعد كما كانت

غير أن ليبيا القرن الواحد والعشرين تعاني من صعوبات عدة، أولها البطالة خاصة بين أوساط الشباب، إضافة إلى تدني جودة التعليم بالرغم مما أنفق عليه، إضافة إلى سلسلة من الأمراض المعروفة في الدول النامية على رأسها الفساد المالي وانعدام الشفافية في الإنفاق العام.

وإن كان التاريخ لن ينسى مواقف ليبيا في مجالات شتى مهمة من تأميم النفط والتأمينات والمصارف، فإن أغلب ما تحقق معرض للضياع، ما لم تٌتخذ خطوات جادة وسريعة لإعادة تأهيل الاقتصاد وتحريره من رقبة البيروقراطية القاتلة وفتح المجال أكثر أمام مؤسسات العمل الأهلي لتمارس ما لا تنجح فيه الدولة خاصة الرقابة على المال العام ومحاربة الفساد.

ويعتبر قطاع المصارف الركيزة الأساسية للنمو الاقتصادي، إلا أن هذا القطاع في ليبيا يعاني من معضلات شتى أهمها تخلفه التقني و القانوني، وبالرغم من بعض الإصلاحات التي بدأت تدريجيا منذ أكثر من أربع سنوات، حيث أذن المصرف المركزي بتأسيس المصارف الخاصة وقد ظهر بالفعل عدد منها في مختلف أنحاء ليبيا، إضافة إلي موافقته للمصارف التجارية التي تملكها الدولة بمشاركة بنوك أجنبية أو عرض جزء من رؤوس أموالها للبيع لشركاء فتقدم بنك بي. أن بي. بي. BNP الفرنسي ليستحوذ على 19 في المائة من رأسمال أحد أكبر البنوك الليبية.

وبدأت بعض المصارف الأجنبية تفتح فروعا لها في البلد وكان أولها بنك الخليج الأول المملوك لحكومة إمارة دبي و بنك الدوحة القطري وأخيرا حصل البنك الإيطالي يوني كريدي على ترخيص مزاولة من مصرف ليبيا المركزي، إلا أن واقع المصارف في ليبيا لا يزال يعاني من إشكاليات فنية وتقنية بالذات وانعدام المنافسة الحقيقية خاصة في شق التجزئة. ولا يحبذ الكثير من الليبيين عودة المصارف الأجنبية للبلد لأن في ذلك عودة إلى هيمنة الأجانب على أحد أهم ركائز الاقتصاد الوطني.

حتمية الإصلاح

فتوري، الصورة دويتشه فيله

​​ليبيا اليوم ليست تلك التي كانت منذ 41 عاما وبالرغم مما تحقق منذ عام 1969 ، إلا أن الكثير من التطورات و المستجدات جعلت البلد بحاجة إلي سياسات و خطط تختلف عن تلك التي احتاجتها قبل أربعة عقود. يومها كانت ليبيا بحاجة إلي الهدم بلا رحمة و البناء بلا تردد أما اليوم فهي بحاجة إلي المحافظة على ما تم بناؤه و إصلاحه وتجديده.

فمشاكل البطالة و تحديات البيئة وظهور الفقر من جديد قد تكون مشابهة لتلك التي عرفتها ليبيا سابقا، إلا أن تدنى مستوى التعليم و الخدمات الصحية و هدر المال العام بعيدا عن رقابة حقيقة هي مشاكل مرتبطة بالعصر الحالي و بوضع ليبيا اليوم. وكما أن العالم اليوم ليس كما كان يومها، فقد أضحت علاقات الدولة أكثر تأثرا وتأثيرا بمحيطها وقد طرحت العولمة أسئلة من قبيل الهوية والانتماء أكثر تعقيدا مما كانت، الأمر الذي يفرض على ليبيا أن تستدرك الفجوة الثقافية التي يعيشها أبناؤها بسبب تراجع مستوى التعليم و تركيبة النظام التعليمي التي كانت مفيدة جدا منذ أربعة عقود إلا أنها متخلفة جدا اليوم.

ويأخذ الكثيرون على الثورة أنها أهدرت أموال النفط على قضايا لا تهم ليبيا، إلا أن الحقيقة هي أن الدول ليست جزرا معزولة ولا هي صناديق مغلقة بل هي كيانات متحركة تتأثر ببيئتها وتؤثر فيها والإنصاف يقول إن إنفاق المال تم غالبا على قضايا التحرر في إفريقيا والوطن العربي.

أعتقد أن ليبيا بحاجه إلى إصلاح حقيقي يتجه إلى نظام التعليم وتطبيق القانون والتوعية الحقوقية لأفراد المجتمع وإعادة غرس روح المواطنة وواجباتها في جيل جديد يعاني من تشوهات ثقافية ومعرفية خطيرة، نتيجة سوء حال منظومة التعليم وتدني الإنتاج الثقافي ولا يجب أن ينصب الإصلاح والتطوير على بناء الفنادق والمجمعات السياحية على نمط نموذج دبي الذي لم يثبت نجاحه بعد، وهو لم يقدم لأهله الكثير عدى الأبراج الشاهقة وأسواق المضاربة.

ربما يقول الكثيرون إن ليبيا القديمة لم تعد تناسب العصر وإنه آن الأوان للثورة أن تستقر في دولة مؤسسات راسخة تلك هي مسؤولية الجيل الجديد الذي عليه أن يعي دروس الماضي جيدا والثمن الذي دفعته البلد لتحقق ما حققته والأهم من ذلك هو كيفية المحافظة على ما تحقق والبناء عليه بغض النظر عمن يوصف بالإصلاحي أو غير دلك وقبل بناء الأبراج يجب أن يتخلص الجيل الجديد من أمراض قديمة على رأسها سوء الإدارة والتفكير القبلي والمحاباة .

مصطفى فيتوري
مراجعة: منصف السليمي
حقوق النشر: دويتشه فيله 2010

مصطفى فيتوري: رئيس قسم إدارة الأعمال في الأكاديمية الليبية للدراسات العليا / طرابلس.

قنطرة

أربعون عاما على تولي معمر القذافي مقاليد الحكم في ليبيا:
القذافي… عالم من التناقضات ورجل الأضواء والمفاجئات الأضواء والمفاجئات
لقد فاقَ معمر القذافي الجميع تقريباً فيما يتعلق بطول فترة حكمه، إذ يحكم الآن فترة أطول مما حكم كل الحكام الطغاة في القرن العشرين، وفترة أطول من كافة الحكام العرب الآخرين، ومن كل سياسي منتخب ديمقراطياً في أي مكان من عالمنا. رودولف شيميلّي يسلط الضوء على "ظاهرة القذافي".

إصلاحات سياسية في ليبيا:
خطابة ثورية أم تحوّل كلي؟
أعلن العقيد معمر القذافي العام الماضي عن عزمه تجديد الجماهيرية الاشتراكية وخصخصة القطاع العام. ولكن في آخر مؤتمر شعبي تم إلغاء بعض القرارات الخاصة بهذه التحولات، الأمر الذي يحيِّر الخبراء وأبناء الشعب. بيآت شتاوفَر تستعرض بعض مظاهر الحراك السياسي في ليبيا.

القذافي الجديد":
التقارب بين ليبيا واوروبا، فرص ومخاطر
العقيد القذافي مع الرئيس السابق للمفوضية الأوربية رومانو برودي تتناول الباحثة في المعهد الألماني للدراسات الدولية والأمن الدولي إيزابيل فيرنفيلس خلفيات تطور العلاقة بين ليبيا وأوروبا وإشكاليات نظام الحكم في طرابلس.