ضحايا تقصي الحقيقة!

ثمة سؤال صار يطرح نفسه منذ فترة طويلة عن أمن الصحافيين الذين يقومون بنشاطاتهم في مناطق الحروب وبؤر التوتر. تدشين نصب تذكاري ومشروع قانون لحماية الصحافيين، مبادرتان جديدتان يوجهان الأنظار إلى العمل الخطر الذي يقوم به العاملون في القطاع الإعلامي. مقال كتبته بيترا تابيلينغ.

النصب المدشنة حديثا في مدينة بايو الفرنسية الذي تذكر بالصحافيين الذين قتلوا منذ 1944، الصورة: بيترا تابيلينغ
أسماء أكثر من 2000 صحفي قتلوا منذ 1944 محفورة على النصب التذكارية في مدينة بايو الفرنسية الواقعة في النورماندي.

​​

كان ذلك يوما داكنا أسود في تاريخ الإعلام وحرية الصحافة عندما اجتمع في بداية أكتوبر/تشرين الأول في مدينة بايو الفرنسية أهالي صحافيين قتلوا عنوة. عقد اللقاء بغرض تدشين نصب يذكر بمصير أكثر من 2000 صحفي في كل أنحاء العالم لقوا حتفهم قتلا منذ عام 1944.

من قبيل الصدفة أن اهتمام الرأي العام انصب في نهاية ذلك الأسبوع نفسه على مصير ثلاثة من الصحافيين قتلوا مؤخرا. اثنان منهم كانا يعملان لدى إذاعة دويتشه فيله جرى قتلهما في أفغانستان وهما كارين فيشر وكريستيان شتروفه، ثم الصحافية الروسية انا بوليتوفاسكايا التي قتلت في شقتها الكائنة في موسكو.

كل هذا يطرح بإلحاح بالغ السؤال بشأن أمن الصحافيين في سياق الانتشار الواسع للعولمة التي تسببت في تداخل وغموض المصالح وفي ظهور أطراف ناشطة وأحكام مسبقة جديدة حول الأعداء الآنيين.

القتل والإختطاف

أظهرت النزاعات المشتعلة في منطقة الشرق الأوسط بأن الصحافيين ليسوا بمنجى من شر الفوضى والعنف اللذين يكتبون تقاريرهم عنهما. وهذا الأمر يتضح على وجه خاص في سياق الوضع في العراق حيث قتل منذ بداية الحرب الدائرة فيه في مارس/آذار 2003 وحتى اليوم أكثر من 100 شخص عاملين في القطاع الإعلامي.

هنا لا يقع العاملون في أجهزة الإعلام ضحية لعمليات الثوار المقاتلين وحدهم بل كذلك لعمليات القوات العسكرية الغربية نفسها. حيث يفتقد الصحافيون "المنخرطون" في صفوف القوات العسكرية المذكورة السلامة من جهة واستقلالية عملهم الصحافي من جهة أخرى. يأتي بالإضافة إلى ذلك أن اختطاف الصحافيين بات خطرا داهما يهدد حياتهم.

قانون فرنسي لحماية الصحافيين

وقوع صحافيين فرنسيين أيضا ضحية لأعمال القتل والاختطاف مراسلين مثل فلورنس اوبينا وكريستيان تشيسنو كانا من أهم الأسباب التي دفعت البرلمان الفرنسي إلى تقديم مشروع قانون يهدف على النطاق الدولي إلى تقوية وضعية الصحافيين العاملين في ظل اشتعال صراعات عسكرية.

جاء في مشروع القانون على سبيل المثال بأنه ينبغي توسيع نفاذ مفعول اتفاقيات جنيف في النقاط التي يتم فيها تعريف الصحافيين على أنهم أشخاص مدنيون في إطار حالة حرب وينبغي حمايتهم بحكم هذه الصفة.

كما نص مشروع القانون على وجوب ضمان مجلس الأمن الدولي لحق العاملين في مجال الإعلام في جمع المعلومات دون أية قيود أو شروط وكذلك على ضرورة تبني حلف شمال الأطلسي (الناتو) لما يسمى "الكتاب الأخضر" الصادر عن القوات المسلحة البريطانية والذي اعترف في مطلع هذا العام للمرة الأولى باستقلالية الصحافيين العاملين في المناطق التي تسودها حالة حرب.

نص مشروع القانون أيضا على مقاضاة الجرائم المرتكبة ضد الصحافيين مستقبلا أمام المحكمة الدولية في لاهاي واقترح إنشاء صندوق مالي لصالح الصحافيين العاملين في ظروف حربية.

رحّب روبير مينار رئيس جمعية "مراسلون بلا حدود" الذي ساهم مساهمة فعالة في صياغة مشروع القانون بالتنازلات الصادرة عن المسؤولين السياسيين بقوله: "في حالة اعتماد الحكومة الفرنسية مشروع القانون سيحدونا عندئذ الأمل بتبني هذا القانون من قبل الحكومة الألمانية وغيرها من الحكومات الأوروبية أيضا بل حتى من قبل مجلس الأمن الدولي نفسه".

الصحافيون المحليون

تمت في المؤتمر السنوي للمراسلين الحربيين الذي انعقد في مدينة بايو مناقشة التقرير البرلماني المذكور بين المراسلين العاملين في منطقة الشرق الأوسط دون أن يخلو ذلك من روح النقد. يقول في هذا الصدد إيمانويل رضوي من وكالة إخبارية في كابول:

"لا تقرأ جماعات طالبان أو القاعدة أو "حماس" مثل هذه النصوص مما يعني أنه لن يكون في وسع الصحافيين أن يشعروا أبدا بالأمان. ذلك يعتبر مستحيلا اليوم في العراق وأفغانستان. المشكلة الأكبر من ذلك تخص وضع الصحافيين العاملين بصفة حرة ومساعديهم العرب العاملين في موقع الأحداث نظرا لأنهم في الكثير من الأحوال يعملون دون تأمين معطى لهم ودون دعم مالي من الأطراف التي كلفتهم بالعمل الصحافي".

ويتابع بقوله: "مساعدونا المحليون يتلقون رواتب شهرية منا وتأمينا على حياتهم. تلك هي الفلسفة التي نعمل بها لكننا في هذا السياق قلة ضئيلة. ونحن لا نرى على الإطلاق بأن معاوني الجهاز الإعلامي العراقيين أدنى قيمة من الصحفيين الغربيين!".

هذا ما ينتقده روبير مينار أيضا الذي يقول: "يعمل لصحفيين تابعين لجريدة نيويورك تايمز على سبيل المثال أكثر من 80 شخصا عراقيا من السائق والمترجم وحتى المخبر. وأنا أشك بأن هناك موارد مالية كافية موضوعة لمكافأة أنشطتهم على الرغم من أنهم الأشخاص الذين يتعرضون للقدر الأكبر من المخاطر".

دورات تدريبية

لقد نشأت في هذه الأثناء مبادرات لتمويل برامج تدريب أمنية للصحافيين ومعاونيهم في موقع الأحداث مباشرة علما بأنهم لا يملكون في الكثير من الحالات لا إمكانيات مالية ولا تنظيمية للمشاركة في مثل هذه الحلقات التدريبية أو لتحمل نفقاتها.

لذلك فإن "المعهد الدولي لأمن نقل الأنباء" الذي تأسس قبل أربعة أعوام بهدف صيانة الاحتياجات الأمنية للمعاونين الإعلاميين العاملين في موقع الأحداث يقوم بتنظيم دورات تدريب أمنية في الموقع ممولة من تبرعات لمؤسسات إعلامية غربية كمؤسسة الإذاعة البريطانية (بي بي سي).

لكن سارة دي يونغ من "المعهد الدولي لأمن نقل الأنباء" ترى بأن هذه الجهود ليست أكثر "من قطرة من بحر" لتضيف من بعد قائلة:

"لكن ذلك أفضل من عدمه. حيث من المهم أن يدرك العالم كله بأن مقتل صحفي ما يعني أيضا عدوانا على الحقيقة. ونحن في حاجة إلى كثير من الصحافيين لا سيما في مناطق الحروب كالعراق لكي نستطيع التعرف على الحقيقة. عندما يحترم السياسيون والحكومات وأفراد الجيش وغيرهم من الأشخاص المعنيين الصحافيين على نحو مطلق فإن ذلك يكفل تكريس أحد حقوق الإنسان أي الحق في توفير المعلومات".

لكن الصعوبة في تقبل هذه الأفكار حتى اليوم تتضح من خلال الهجوم الذي شنته القوات المسلحة الأمريكية على فندق فلسطين في بغداد عام 2003 وعلى مكتبي الفضائيتين العربيتين "الجزيرة" و"أبو ظبي"، مما تسبب في مصرع بضعة صحافيين. كما لقي جيمس ميللر الصحافي البريطاني المتخصص في إعداد الأفلام الوثائقية حتفه نتيجة لإصابة متعمدة من قبل جندي إسرائيلي في قطاع غزة رغم وجود علامات واضحة مرئية بكونه صحافيا.

نصب لضحايا الإعلام

يحمل النصب التذكاري للإعلاميين القتلى الذي شيد في مدينة بايو عددا ملحوظا من أسماء الصحافيين الذين قتلوا في منطقة الشرق الأوسط. من ضمنهم الصحافي اللبناني الفرنسي سمير قصير حيث قتل بتفجير سيارته في بيروت في يونيو/حزيران 2005. وقد لقي قصير مصرعه بسبب انتقاده الدولة "اللبنانية البوليسية".

قال روبير مينار رئيس جمعية "صحفيون بلا حدود" في كلمة افتتاح النصب التذكاري إن هذا النصب يشكل رسالة من جهة ورمزا للصمود من جهة أخرى، لصمود الأفراد الذين يسعون إلى التعرف على الحقيقة رغم تعرضهم لكافة المخاطر.

نقشت فوق الحجر الرخامي الذي يزيّن الحديقة الصغيرة العبارة التالية للفيلسوفة والصحافية الفرنسية سيمون دي بوفوار: "لا ينعم أحد بروح الحرية إلا إذا كان الآخرون أيضا أحرارا". والآن بات الأمر يقتضي نقش ثلاثة أسماء جديدة فوق أحجار الرخام البيضاء. وهو أمر يدل على أن قضية أمن الإعلاميين لم تحل بعد.

بيترا تابيلينغ
ترجمة عارف حجاج
حقوق الطبع قنطرة 2006

قنطرة

وسائل الإعلام في العراق
اختطافات واغتيالات وإرهاب: حوالي 90 صحافيا قتلوا إلى حد الآن في العراق؛ عدد يفوق ماعرفته أية منطقة نزاع أخرى. ثلثا الضحايا كانوا من أصل عراقي من مترجمين ومصورين ومبعوثين صحفيين يعملون لمصلحة محطات إعلام ووكالات أنباء وصحف عالمية. التفاصيل بقلم بترا تابلينغ.

الإرهاب محط الأنظار
ما هي العقبات والأخطار التي تحيق بالمراسلين وبصانعي الأفلام الوثائقية في مناطق الحروب؟ هل بوسعهم أنْ يعكسوا صورةً كاملةً عن الواقع القائم في بلدٍ مثل العراق دون أنْ تبدو هذه الصورة منحازة أو أنْ تُستغل سياسياً؟ أسئلة ناقشها مخرجون وصحفيون. تقرير آريان فاريبورز وبيترا تابيلينغ

سمير قصير
يرى سمير قصير، الذي راح ضحية انفجار سيارته في حزيران/يونيو 2005، أن مشكلة العالم العربي الرئيسة تكمن في عجزه عن التخلي عن حنينه إلى "الأزمنة الذهبية ". هذه المرحلة من التاريخ العربي تحتاج إلى تقييم و تأويل جديدين. تقرير سوزان جواد

www

مراسلون بلا حدود

المعهد الدولي من أجل أمن نقل المعلومات