قمة بغداد- قمة المنطقة الخضراء وسوريا الغائب الحاضر

شهد العراق مؤخرًا أوَّل قمة عربية عقدت على ترابه منذ اثنين وعشرين عامًا، وقد غاب عن حضور هذه القمة العديد من القادة العرب لأسباب أمنية أو بسبب استمرار خلافاتهم مع حكومة نوري المالكي. كما لم تتمكن القمة من التوصّل إلى أي اتِّفاق بشأن المسألة السورية. برغيت سفينسون تسلِّط الضوء على هذه القمة من بغداد.



على الأرجح أنَّ بعض المسؤولين العراقيين حمدوا الله وتنفسوا الصعداء بعد أنتهاء قمة جامعة الدول العربية التي عقدت في بغداد، وذلك لأنَّ هذه القمة مرَّت بسلام، حيث سجِّل فقط سقوط قذيفتي هاون وجرح أربعة حرَّاس أمام السفارة الإيرانية بالإضافة إلى سقوط صاروخ في معسكر للجيش يقع قرب المطار. وكان من الممكن أن تسير الأمور على نحو أسوأ بكثير. وعلى الرغم من سماع دوي انفجار أرعب السكَّان المقيمين على الضفة الغربية لنهر دجلة لحظة ترحيب الرئيس العراقي جلال طالباني بضيوفه الرؤساء والملوك والأمراء العرب، ولكن لقد أظهر انفجار قذيفة الهاون الذي وقع على بعد كيلومتر واحد عن المنطقة الخضراء حيث كان يجتمع المشاركون في قمة جامعة الدول العربية أنَّ العاصمة العراقية ما تزال غير آمنة حتى الآن مثلما تدَّعي الحكومة.

فعلى الرغم من الحظر الصارم الذي تم فرضه على سفر المركبات وانتشار وحدات الجيش والشرطة في كلِّ مكان، إلاَّ أنَّ هذه القذيفة وجدت طريقها واجتازت نهر دجلة إلى المنطقة الخضراء. ولكن مع ذلك لم تتحقَّق ولحسن الحظّ تهديدات تنظيم القاعدة وبعض المنظَّمات الإرهابية الأخرى بعرقلة اجتماع القادة العرب.

الأمن أولاً وأخيرًا

ا ب
على الرغم من أعلى درجات الأمن قبل وأثناء القمة التي عقدت في بغداد والحظر الصارم الذي فرض على المركبات وانتشار وحدات الجيش والشرطة في كلِّ مكان، لكن لقد وجدت قذيفة هاون طريقها واجتازت نهر دجلة إلى المنطقة الخضراء

​​بيد أنَّ ثمن هذا التوازن الأمني المقبول بالنسبة للظروف العراقية خلال هذا المؤتمر الذي استمر ثلاثة أيَّام كان مرتفعًا للغاية، إذ ذكرت وسائل الإعلام العراقية أنَّ هذا الحدث كلَّف نحو خمسمائة مليون دولار أمريكي. وبغضّ النظر عن تجديد الفنادق ذات الخمس نجوم التي كانت مغلقة لأكثر من عام وكذلك تجميل طريق المطار، فإنَّ الحكومة العراقية منحت ومن دون أي تردّد ملايين من موظَّفيها في القطاع العام إجازة لمدة أسبوع؛ ولذلك يقال إنَّ مائة ألف موظَّف من هؤلاء الموظَّفين قضوا هذه الإجازة في المناطق الكردية في شمال العراق، حيث كان آلاف المعلِّمين والعاملين في الجامعات وموظَّفي الوزارات وحتى النوَّاب أيضًا يستمتعون بهواء الربيع في كلّ من أربيل وشقلاوة أو في شلالات المحافظات الكردية، في حين أنَّ مثل هذا العدد من قوَّات الأمن القادمين من جميع أنحاء البلاد كانوا يعملون في بغداد على مدار الساعة تقريبًا.

وحتى إنَّ مترجمي رئاسة الوزراء المعيَّنين في وظائف ثابتة كانوا مجازين، وفي المقابل تم تكليف مترجمين من خارج الوزارة. وكذلك تم جلب عاملين من تركيا إلى الفنادق الفخمة التي نزل فيها المشاركون في القمة، ولم يصادف المرء هناك على أية حال عاملين عراقيين، علمًا أنَّ نسبة البطالة في العراق تقدَّر بنحو خمسة وعشرين في المائة. إذ إنَّ المسؤولين العراقيين "لا يثقون بأبناء جلدتهم" - هكذا أو على نحو مشابه كان رأي الموظَّفين العراقيين الذين حصلوا على إجازة إجبارية.

تعطيل الحياة في بغداد

وكذلك تم وبالتدريج أيضًا تقييد حرية التنقل. وفي أهم يوم من أيَّام القمة تم فرض حظر تام وصارم على سفر المركبات كما تم أغلاق شبكات الهاتف المحمول. وعمليًا لقد تم تعطيل الحياة في بغداد. وأثار هذا أيضًا نقاشًا ساخنًا بين العراقيين حول جدوى تعطيل الحياة بشكل تام في مدينة يقطنها ثمانية ملايين نسمة بسبب وجود عشرة رؤساء دول. وكثيرًا ما سمعت تعليقات مثل "نوري المالكي يا كلب" من سائقي السيَّارات المتعبين الذين كانوا يطلقون هذه التعليقات عبر نوافذ سيَّاراتهم المفتوحة عندما يضطرون إلى الوقوف من جديد ولساعات طويلة عند نقاط التفتيش التي لا تعد، حيث يتم تفتيش سيَّاراتهم والتدقيق في هويَّاتهم.

د ب ا
سياسة مصالحة جديدة يتَّبعها قادة الكويت: - حضر من بين القادة العرب المشاركين في مؤتمر القمة أمير دولة الكويت الشيخ صباح الأحمد الصباح الذي لم يزور العراق منذ غزو بلاده عام 1990.

​​وكانت تشاهد في كلِّ مكان كلاب بوليسية تبحث على طول الشوارع عن متفجِّرات مخبَّأة. ومن جديد بدت بغداد طيلة أسبوع مثلما كانت في أسوأ فترة عانت فيها الإرهاب بين عامي 2006 و2007. وفي حين أنَّ الإنسان العادي في الشارع أذعن لهذه الإجراءات باستنكار أو حتى بغضب ولم يفهم في الواقع ما الفائدة من كلِّ ذلك، فإنَّ مؤتمر القمة كان بالنسبة للحكومة العراقية وفي مقدمتها رئيس الوزراء نوري المالكي مسألة هيبة ومكانة. فهذه القمة تعني العودة إلى محيطه العربي، مثلما يعتقد الرئيس جلال طالباني؛ فقد "استعاد العراق الآن دوره القيادي". ساهمت في ذلك بشكل خاص زيارة أمير دولة الكويت لبغداد. إذ كان من غير الواضح حتى وقت قريب إن كان الشيخ صباح الأحمد الجابر الصباح سيقوم حقًا بزيارة العراق. فبعد أن اجتاح صدام حسين بجيشه في عام 1990 هذه الإمارة الخليجية الصغيرة الغنية بالنفط، حدثت بعد ذلك بفترة قصيرة ضجة في قمة الجامعة العربية في بغداد. ومنذ ذلك الحين لم يعد يعقد أي اجتماع من هذا النوع في العراق. كما تم استبعاد العراق من الجامعة العربية، وكذلك تم تشكيل تحالف بقيادة الولايات المتَّحدة الأمريكية حرَّر الكويت وهزم الجيش العراقي. وبعد ذلك فرضت الأمم المتَّحدة حصارًا على بغداد. وبعد سقوط نظام صدام حسين في شهر نيسان/أبريل عام 2003 كانت الدول العربية الأخرى تنظر إلى العراق بعين الشكِّ والريبة وتسخر من حكومته الانتقالية باعتبارها "حكومة الاحتلال الأمريكي".

عودة إلى الحضن العربي

د ب ا
انقسام حول المسألة السورية - تتبنَّى دول الخليج وخاصة السعودية وقطر موقفًا متشدّدًا واحتمال تسليح المعارضة، ولكن مع ذلك يرفض العراق الذي استضاف القمة أي تدخّل خارجي.

​​

ولكن العراق الآن أصبح دولة ذات سيادة منذ رحيل القوَّات الأمريكية في نهاية العام الماضي. وفي هذا السياق أعلنت المملكة العربية السعودية مؤخرًا أنَّها تريد قريبًا فتح سفارتها في بغداد. وفي إطار التحضير لهذه القمة العربية التي تعتبر الأولى في العراق بعد اثنين وعشرين عامًا، سافر رئيس الوزراء العراقي نوري المالكي إلى الكويت وسدَّد بسرعة إلى جارته الكويت مبلغ ثلاثمائة وثمانين مليار دولار أمريكي من الديون المترتِّبة على العراق نتيجة غزوه الكويت. والآن يبدو أنَّ المصالحة مع دولة الكويت قد نجحت، وهكذا عاد العراق إلى حضن جامعة الدول العربية؛ ولكنه فشل في تحقيق المجد الذي كان من المفترض أن تأتي به هذه القمة في ظلِّ أوَّل أزمة سياسية تشهدها البلاد. وبالإضافة إلى ذلك غاب عن المشاركة في هذه القمة قادة دول الخليج الأخرى، إذ أدَّى الخلاف حول المسألة السورية إلى امتناع العاهل السعودي عن حضور القمة. وكذلك غاب أيضًا عن حضور القمة أمير دولة قطر لأنَّه كان يعلم علم اليقين أنَّ العراقيين لن يسمحوا بتمرير أي قرار يقضي باتِّخاذ إجراءات محدَّدة ضدَّ نظام بشار الأسد. وهكذا وجَّهت القمة في بيانها الختامي دعوة تطالب بدعم مبادرة كوفي عنان مبعوث الأمم المتَّحدة وجامعة الدول العربية.

انقسام بشأن المسألة السورية

لاحظ الأمين العام لهيئة الأمم المتَّحدة بان كي مون الخلاف بشأن سوريا، ولذلك أيضًا لم يتقدَّم بأي مطالبات أخرى. ولم تتطرَّق هذه القمة إلى مطالبة نظام دمشق بالاستقالة، وقد رفضت أيضًا التدخّل الأجنبي، كما أنَّ المقعد الشاغر الذي كان مخصصًا بشكل معبِّر للرئيس السوري كشف عن الكثير؛ فقد أراد العراقيون دعوة بشار الأسد إلى المؤتمر، بيد أنَّ السعوديين رفضوا ذلك. ومن ثم ليَّنت بغداد موقفها للتمكّن أخيرًا من عقد القمة في العراق بعد أن تأجل ذلك مرتين.

ومع ذلك يشهد العراق في موقفه تجاه سوريا انقسامًا كبيرًا مثل جامعة الدول العربية ومثل المجتمع الدولي. فدولة العراق متعدِّدة الأعراق لها مصالح مختلفة في سوريا التي تعتبر هي الأخرى دولة متعدِّد الأعراق. وبناءً على ذلك يوجد في العراق لدى الأكراد والسنَّة والشيعة ارتباطات وأهداف مختلفة؛ وعلى سبيل المثال يعتبر رئيس الوزراء نوري المالكي شيعي المذهب ولذلك فهو يشعر بارتباط ديني مع زميله بشار الأسد. كذلك يعدّ الرئيس جلال طالباني ووزير الخارجية هوشيار زيباري من الأكراد الذين يعاني "أخوتهم" بصورة خاصة في سوريا من النظام. وثم هناك أيضًا السنَّة الذين يتوقون إلى سقوط نظام بشار الأسد ويأملون من ذلك أيضًا تعزيز موقفهم إزاء الحكومة التي يسيطر عليها الشيعة في بغداد، إذ ليس من السهل الإلمام بهذه الشبكة من المصالح المتضاربة، ومن الصعب أيضًا فهمها بالنسبة للدول العربية المتجانسة ذات الطابع العربي السنَّي التي تمثِّل غالبية أعضاء الجامعة العربية البالغ عددهم اثنين وعشرين دولة.


برغيت سفينسون
ترجمة: رائد الباش
مراجعة: هشام العدم
حقوق النشر: قنطرة 2012