معجم إسلامي مسيحي من أجل فهم أفضل للذات وللآخر

أصدرت مؤسسة أويجن بيزر بميونخ بالاشتراك مع كلية العلوم الدينية الإسلامية بجامعة أنقرة معجما يحتوى على مصطلحات تتعلق بمفاهيم أساسية من المسيحية والإسلام. ويمنح هذا المرجع باللغتين الألمانية والتركية عرضا موازيا لمفاهيم ديانتين توحيديتين في كتاب واحد. كلاوديا منده في عرض لهذا القاموس الفريد من نوعه لموقع قنطرة.

الكاتبة ، الكاتب: Claudia Mende

لقاءات الحوار بين الديانات كثيرة، لكنها غالبا ما تترك بعد نهاية المحادثات إحساسا غير مريح بنوع من حوار الصم. هناك استعمال لنفس المصطلحات، لكنها تحيل في أذهان الطرفين المتحاورين على محتويات مختلفة. أو أن لديهما عبارات مختلفة للتعبير عن نفس المحتويات. وهكذا يكون التفاهم صعبا ومحفوفا بحالات سوء التفاهم التي تعود إلى الظهور بصفة متكررة ومستمرة.

ولا ينحصر هذا الأمر على مجال المصطلحات الدينية، بل ينسحب أيضا على مجال المصطلحات السياسية والاجتماعية. فعبارة الاندماج مثلا تحيل لدى العديد من المسلمين على الذوبان في الآخر وعلى الاحتواء الثقافي، ولذلك يرفضونها. هذا هو ما يبدو أنه سيتغير الآن.  فبظهور كتاب للمفاهيم الأساسية يضع اتفاقا حول مفاهيم أساسية من المسيحية والإسلام ستكون قد تأسست قاعدة متينة لمواصلة الحوار بين الديانتين التوحيديتين.

Buchcover Lexikon des Dialogs. Grundbegriffe aus Christentum und Islam, erschienen im Herder-Verlag
كتاب للمفاهيم الأساسية يضع اتفاقا حول مفاهيم أساسية من المسيحية والإسلام ستكون قد تأسست قاعدة متينة لمواصلة الحوار بين الديانتين التوحيديتين.

مشروع مكلف

لقد تطلب هذا التفاهم ما تطلبه من الوقت. على مدى سبع سنوات عكف حوالي 100 من الخبراء المسلمين والمسيحيين على العمل على هذا المشروع. وقد تم تمويل هذا التعاون المكلِّف باعتمادات مالية من صندوق الاندماج الأوروبي، وقد انعقدت 40 ندوة تحريرية لمناقشة الـ330 مادة من هذا المعجم. وتطلبت بعض الفقرات عودات متكررة إلى تعديلها وإعادة صياغتها إلى أن تم التوصل إلى توافق حولها.

وفي نهاية المطاف أعرب كل الخبراء عن موافقتهم. وكانت مادة معاداة الإسلام من وجهة النظر المسيحية قد استقطبت الخلافات والجدالات على نحو خاص، وقد تطلب الأمر 20 جلسة تحريرية حتى تم التوصل إلى اتفاق على صياغة موحدة.

شمل عمل العلماء مفاهيم مركزية من كلا الديانتين، من العشاء السري إلى الاثنى عشرية الشيعية، ومن معاداة السامية إلى الزواج الإجباري. وقد تمت معالجة مفاهيم من نوع الردة، وإثبات وجود الله، والروح القدس، والمساواة بين المرأة والرجل، وحقوق الإنسان، وحرية المعتقد، والشريعة والجهاد،  جرى عرضها عموما من منظور مسيحي ومن منظور إسلامي. وقد ترجحت الكفة من جهة المنظور الإسلامي لصالح وجهة النظر السنية أساسا، ولئن كان هناك ظهور لوجهة النظر الشيعية فقد ظل مع ذلك ثانويا.

جاءت مساهمات الجانب الإسلامي في جلها من أساتذة من كلية العلوم الدينية الإسلامية بجامعة أنقرة. الأمر الذي جعل المعجم عرضة إلى انتقادات مفادها أنه لا يعكس غير القراءة الحداثية لما يسمى بـ"مدرسة أنقرة"، وأنه لا علاقة له بالواقع في جزء هام من البلدان الأساسية من العالم الإسلامي.

هذه الانتقادات يرفضها ريشارد هاينسمان المشرف على إصدار المعجم. بطبيعة الحال، قد تم اختيار ممثلي الديانتين على أساس تفتح رؤاهم على المستقبل، حسب رأيه، وكل ما عدا ذلك لا يعني شيئا بالنسبة إليه. لقد تم اختيار مؤلفين "يتمتعون بتفتح على المستقبل وبموقف نقدي ضروري من الموروث التقليدي"، كما يوضح ريشارد هاينسمان، الأستاذ من رتبة ممتازة في الفلسفة المسيحية بجامعة لودفيج ماكسيميليان بميونخ، والذي يشرف على الإدارة العلمية لمجمل المشروع.

تأثيرات خارجية

ما كان لهذا المشروع أن يعرف النجاح لولا استعداد الطرفين للقبول بالعديد من التنازلات، ولا دون مسافة الحياد التي تم اتخاذها تجاه السياسية والمؤسسات الدينية. إذ لم يكن هناك أي تدخل من الخارج، لا من وزارة الشؤون الدينية التركية، ولا من الكنائس المسيحية.

بهذه الطريقة فقط أمكن التوصل إلى خوض صراع جدي حول مواضيع حولها اختلافات من نوع خاص، صراع قدّم فيه كل طرف ما قدمه من تنازلات، وهو ما نلمسه مثلا من خلال الورقة التي تناولت موضوع "حرية المعتقد".

جاء في ورقة الكاتب ريشارد هاينسمان أن الديانات تخضع لصيرورة تاريخية محددة، وأن المسيحية قد ظلت لقرون عديدة  وحتى تاريخ المجمع الفاتيكاني الثاني تعتدي باستمرار على حرية المعتقد. وقد كان لهذا التنازل، بحسب رأي هاينسمان، أن أحدث "انطباعا جيدا" لدى علماء الدين المسلمين. وبذلك أصبح من اليسير على العلماء الأتراك أن يقبلوا بإدراج هذه الجملة في نصهم حول حرية المعتقد: "الديانات التي لا تعترف بحرية المعتقد لا مكان لها داخل مجتمع ديمقراطي".

مسلم يصلي في مسجد في مينة بوردو. Foto: picture-alliance
لا إكراه في الدين: "كل من الكتاب المقدس والقرآن ينطلقان من مبدأ الحرية الأساسية للإنسان، لا في أن يغير انتماءه الديني فحسب، بل في أن يقرر لنفسه أيضا موقفا ضد كل شكل من الإيمان بديانة ما. إلا أن وضع ذلك موضع التطبيق غالبا ما يتحطم على صخرة غياب الإرادة السياسية."

إسماعيل حقي أوينال، أستاذ القانون التشريعي الإسلامي في كلية العلوم الإسلامية بجامعة أنقرة هو الذي قدم وجهة النظر الإسلامية عن حرية المعتقد، وقد أقر بنقص في مجال هذا الحق الأساسي داخل العالم الإسلامي.  ولكي يتم تجاوز هذا النقص، ينبغي على الدولة أن "تتوخى التعامل باحترام مع الديانات وأن تلزم موقف الحياد في ما يتعلق  بالمسائل الدينية"، كما يكتب إسماعيل حقي أوينال.

هكذا استطاع الطرفان في مواقع محددة أن يذللا نقاط الاختلاف وأن يخففا من حدة النزاعات، وأن يتقدموا خطوة إضافية باتجاه التفاهم. ينطبق هذا أيضا على مسائل عقائدية ظل يدور حولها من سجال ذو تاريخ طويل بين الديانتين، مثل المفهوم المسيحي للتثليث.  هذه الوحدة الثلاثية الأضلاع -الله، والابن، والروح القدس- قادت غالبا عبر التاريخ إلى مواجهات مسيحية إسلامية حادة، لأن مسألة وحدة الإله تمثل مسألة محورية في العقيدة الإسلامية.

ولئن ذكّرت مساهمة الطرف الإسلامي في مسألة التثليث -المحررة من طرف المختص في تاريخ الأديان محمد قطر- بالموقف النقدي الذي يرد في القرآن بشأن التصور المسيحي، إلا أنها تؤكد بوضوح أن تهمة الشرك في هذه المسألة تظل خارجة عن الموضوع.  "ولكي يعبر المرء عن كون هؤلاء الثلاثة هم الله الواحد، فقد تم اجتراح صياغة تعبر عن الإله الواحد الموجود في ثلاثة أشخاص"، هكذا يكتب قطر. ومثل هذه الإيماءات التوافقية المتبادلة تظل مدعوة إلى أن تتكرر في المستقبل.

لم ينته هذا التوافق مع ذلك إلى تحاشي بعض المسائل الشائكة التي مازالت قائمة، لكن أحيانا ينبغي أن لا نبحث كثيرا. ففي المادة الخاصة بـ "الارتداد"  Apostasie لا نجد سوى وجهة النظر المسيحية، أما عن حكم الإسلام في مسألة تغيير المعتقد فنجده تحت مادة "الاهتداء" Konversion. وقد ركزت كلتا المساهمتين على أنه ما من ديانة عبر كامل التاريخ قد نظرت في يوم ما بعين الرضا إلى انتقال معتنقيها إلى ديانة أخرى. 

لا إكراه في الدين

كل من الكتاب المقدس والقرآن ينطلقان من مبدأ الحرية الأساسية للإنسان، لا في أن يغير انتماءه الديني فحسب، بل في أن يقرر لنفسه أيضا موقفا ضد كل شكل من الإيمان بديانة ما. إلا أن وضع ذلك موضع التطبيق غالبا ما يتحطم على صخرة غياب الإرادة السياسية.

"لقد تعلمنا الكثير من بعضنا"، تلخص عايشة باجول من معهد الثقافة والدين في الإسلام بجامعة غوته في فرنكفورت، والتي أدارت تنسيق الترجمات. وحتى داخل المجتمعات اللائكية لا يستطيع المرء أن يهمل أخذ التأثيرات الدينية بجدية. ذلك أن العديد من التوترات داخل الحياة  المشتركة لا تنشأ  إلا عندما يكف الناس عن معرفة تقاليدهم، أو ربما لم تكن لهم قَطّ أية معرفة بها.

من يقتطع من وقته ما ينبغي ويقبل بتحمل الجهد للقيام بحوار ند للند مع الآخر فسيكون بوسعه حتما أن يتوصل إلى تفاهم. إن تسوية حتى النزاعات الشائكة أمر ممكن بكل تأكيد، طالما تظل السياسة خارج اللعبة.

غير أن الامتحان الأكبر لهذا المشروع لا يزال أمامه؛ إذ هناك رغبة في إنجاز نفس المعجم الذي يحتوي على مفاهيم أساسية بالاشتراك مع علماء دين مسلمين من العالم العربي، وقد انطلق البحث عن متعاونين مناسبين لإنجازه. إن الحلقة القادمة ستكون مشوّقة بكل تأكيد.

 

كلاوديا منده

ترجمة: علي مصباح

حقوق النشر: قنطرة 2014

 

 

"معجم الحوار. مفاهيم أساسية من المسيحية والإسلام"، بمبادرة من مؤسسة أويجن بيزر، وإصدار ريشارد هايسمان بالتعاون مع بيتر أنتيس، مارتن تورنر ومعلّا سلجوق وخالص البيرق.

 في مجلدين عن دار نشر هيردر

 

Verlag Herder, ISBN 978-3-451-30684-6