قناة ''إيكونو''...... شاشة فنية بالعربية

تعرض قناة "إيكونو" التلفزيونية المبتكرة الأعمال الفنية على شاشتها. ولا يمكن الاستمتاع ببرامجها حتى الآن واستقبال بثها إلا في البلدان الناطقة بالعربية. سِباستيان بلوتنر يستعرض لنا هذا المشروع.



أضحت الموسيقى جزءًا لا يتجزأ من حياتنا اليومية، ففي الصباح ندير مفتاح المذياع من أجل استماعها، ونحمل معنا أثناء النهار أجهزة الآي بود المملوءة عن بكرة أبيها بالقطع الموسيقية وفي المساء يسعدنا من وقت لآخر حضور حفلة موسيقية. ولا أحد يتوقـَّع من مُعجب بالموسيقى أنْ يكون قد درس العلوم الموسيقية أو تعلم العزف على آلة موسيقية ما لكي يستطيع أن يدلي بدلوه بالموسيقى. لا ينبغي على المرء أن يكون خبيرًا لكي يُحِبّ الموسيقى، ولا يتوجب عليه معرفة من كتب أغنية ما لكي يشارك في غنائها بأعلى صوته.

بيد أنَّ الأمور في عالم الفن التشكيلي لا تجري للأسف بهذه الأريحية. والأفضل لمن لا يعلم من هو بابلو بيكاسو أنْ لا ينخرط في أحاديثٍ تجري في معرضٍ للوحات من مدرسة الحداثة الكلاسيكية مهما كان مقدار إعجابه بالأعمال، فعلى النقيض من الموسيقى ظلَّ الفن التشكيلي حتى اليوم أقلَّ شيوعًا ولا يزال هواية نخبويِّة إلى حدٍّ ما. قد نجمع في هواتفنا النقّالة الذكية أفلام فيديو للمغنية ليدي غاغا، لكن هل هناك من يخزّن عددًا من أعمال فناني الفيديو الجيدين؟ هنا نتساءل: لماذا هو الأمر كذلك في الواقع؟

قناة مخصصة للفنون التشكيلية

الصورة أيكونو
تعرض قناة «إيكونو» التلفزيونية الفن التشكيلي العالمي بدون تعليق. يكتب بلوتنر "سبب التركيز على البلدان الناطقة بالعربية أولاً، هو بكل بساطة، أنَّ مديري القمر الصناعي عربسات، كانوا أوَّل المهتمين بالمشروع".

​​

تعتقد إليزابيث ماركيفيتش Elizabeth Markevitch أنها قد عثرت على إجابة عن هذا السؤال، حيث تقول إنَّ "الموسيقى كان لديها الإذاعة". قبل وجود البث الإذاعي، كانت الحفلات الموسيقية هي مكان استهلاك الموسيقى، وكانت الموسيقى متعة استثنائية تقتصر على دوائر اجتماعية محدودة، تمامًا كما هي الحال اليوم بخصوص معارض الفنون التشكيلية. تعرف ماركيفيتش عمّا تتكلم عندما تنظر بعين النقد إلى السلوك النخبوي لعالم الفن. وهي تنحدر من عائلة موسيقية معروفة وتنشط منذ عقود في عالم الفن. وقد عاشت فترة طويلة في جنيف، وعملت لدى دار مزادات سوثبي Sotheby، حيث تعاملت مع جامعين مهمّين للأعمال الفنية. لكن الناس في هذه الأوساط يبقون بين نُظرائهم، أو "entre nous" كما يُقال في الأوساط المُتحضّرة.
بيد أن هذا لم يعُد يكفي إليزابيث ماركيفيتش، كونها تريد مشاركة عددٍ أكبرَ بكثيرٍ من الناس بولعها بالفن التشكيلي وتسعى لنشر وإشاعة متعة الفن. هذا الحلم يراودها منذ فترةٍ طويلةٍ، وتحقيقه بدأ بالسؤال الحاسم: كيف يمكن لقناةٍ مخصصةٍ للفنون التشكيلية أن تكون؟

الإجابة هي: قناة "إيكونو" التلفزيونية. مشروع فريد. قناة تلفزيونية تنقل الفن إلى حُجرة الجُلوس مباشرة. على الأقل إلى كلِّ حُجرةٍ في شمال أفريقيا أو في الشرق الأوسط، وهو مجال بث قناة "إيكونو" التلفزيونية حاليًا، الذي يجري العمل على توسيعه على المدى المتوسط. أما سبب التركيز على البلدان الناطقة بالعربية أولاً، فهو بكل بساطة، أنَّ مديري القمر الصناعي عربسات كانوا أول المهتمين بالمشروع.

الحرص على عرض فنٍ خالصٍ

ايكونو
ابتدأ نشر الفن التشكيلي على قناة «إيكونو» التلفزيونية بالسؤال الحاسم: كيف يمكن لقناةٍ مخصصةٍ للفنون التشكيلية أن تكون؟

​​

بدأت قناة "إيكونو" التلفزيونية بالبث في تشرين الثاني/نوفمبر 2010. فكرة القناة جذرية وبسيطة للغاية وتتبني الآمال كلها على شيءٍ واحدٍ ألا وهو تأثير الفن بحدِّ ذاته. يجري الحرص على أن لا ينفر أحدٌ من التعامل معه من موقع المُدرِّس، لذلك يتم التخلـّي تمامًا عن التعليقات الكلامية وعن الموسيقى التصويرية. ولا يوجد إعلاناتٌ أيضًا. ومن تنشأ لديه الرغبة لمعرفة المزيد عن الأعمال والفنانين وعن بيئتهم بعد مشاهدة الأعمال على شاشة التلفاز، يجد على موقع القناة "ikono.tv" في الانترنت ما يحتاجه من معلومات عن الفنانين وروابط إلى المتاحف أو توصيات ونصائح بكتب ذات صلة بالموضوع.

لعبت الصدفة كما هي الحال في الكثير من الأحيان دورًا مهمًا أثناء ولادة المشروع. فقد كانت إليزابيث ماركيفيتش في دولة الإمارات العربية المتحدة ضمن عملها في مشروعٍ مستقلٍّ عندما تكلمت مع شركائها في المنطقة حول فكرة قناة "إيكونو" التلفزيونية. واتضح لها فجأة أنَّه لا يوجد مكانٌ أفضل للبدء بالمشروع. وتقول بهذا الصدد: "لا يوجد شيءٌ من هذا القبيل في المنطقة العربية، ناهيك عن أنَّه قلما يتم البث بنوعية البث المرئي فائق الدقة (HD TV)، وبذلك توفرت الكثير من الترددات الحرّة، ولذلك استطعتُ أنْ أقنع المدراء التنفيذيين لدى عربسات بأن يجربوا معنا إطلاق بالون الاختبار هذا".

تستطيع قناة "إيكونو" التلفزيونية أن تملأ ثغرةً في المنطقة، تحتلها في أوروبا متاحفٌ موجودةٌ بكثافةٍ ولها تقاليد عريقة. حوالي ثلثي الأعمال الفنية المعروضة هي أفلام لفناني فيديو يعيشون في منطقة التغطية أو أفلام تستعرض الفن الإسلامي ومرحلة ما قبل الإسلام في المنطقة. وعلاَوة على ذلك هناك روائع مثل رحلة مدتها خمسة عشر دقيقة عبر اللوحة الثلاثية للرسام الهولندي هيرونيموس بوش Hieronymus Bosch. حيث تتجلـَّى كلُّ تفاصيل الكَوْن الغامض في لوحة بوش.

مشروع مغامر

وإذا لم يكن العمل الفني بحدِّ ذاته فيلم فيديو، فلا بد من إنتاج هذه الإسهامات بالطبع، ومن أجل هذا الغرض يشمل فريق ماركيفيتش الدولي عددًا من المختصين بتاريخ الفنون وبعض الفنيين التقنيين الضليعين باختصاصاتهم. إلا أن مكاتب القناة ليست موجودة في بيروت أو القاهرة أو الدار البيضاء، بل في برلين. يجري إنتاج البرامج التلفزيونية لقناة "إيكونو" في فناء خلفي في شارع غرايفسفلدر في منطقة برينسلاوربيرغ.

الإيجار هناك ليس رخيصًا، ناهيك عن ثمن التقنيات اللازمة المرتفع، ولا بد من دفع رواتب طاقمٍ يبلغ عدده 22 عضوًا، إضافة إلى رسوم البث التلفزيوني الفضائي. ولا يمكن لماركيفيتش الحصول على إيراداتٍ من خلال الإعلانات، لأنها لا تتبع إستراتيجية تجارية. ويستند عملها بدلاً من ذلك على نموذج أعمال المتاحف – ما يعني ضرورة البحث عن متبرعين داعمين وضمَّ شركاء للتنسيق. يأتي جلُّ التمويل حتى الآن من داعمَين اثنين من الشرق الأوسط وربما من ماركيفيتش نفسها أو من "الأصدقاء والأهل" كما تقول. و لا يزال الإطار المالي ضيقًا للغاية كما هي الحال في أغلب المشاريع المماثلة.

تعلم إليزابيث ماركيفيتش بلا شك أنها أقامت مشروعًا مغامرًا إلى حدٍّ ما. لا يمكن إلى الآن معرفة أعداد المشاهدين. بيد أن هذا لا يُقلـِّل مبدئيًا من تفاؤل ماركيفيتش. فالانتصارات المتواصلة للبث الإذاعي ولأجهزة الآي باد لم يكن إيقافها ممكنًا في نهاية المطاف، وذلك لسبب بسيط جدًا، كما ترى ماركيفيتش – هو أنها تسلينا. "وهذا ما تفعله قناتنا بالضبط".

 

سِباستيان بلوتنر
ترجمة: يوسف حجازي
مراجعة: هشام العدم
حقوق النشر: قنطرة 2011