هل تكون سوريا حجر الدومينو التالي؟

ذات يوم قال الناس إن سور برلين لن يسقط وقالوا إن مبارك لن يتنازل ولن ينسحب. ورغم تكذيب الأحداث لمثل هذه التكهنات، فما زال البعض يقولون إن سوريا ليس من الممكن أن تتغير ولكنها ستتغير، كما يرى ريبال الأسد مدير منظمة من أجل الديمقراطية والحرية في سوريا.

، الصورة ا.ب
"يبذل حكام سوريا المغريات لضمان بقاء جماعات المؤيدين الرئيسية على ولائها لهم ـ أجهزة الكمبيوتر المحمولة للمعلمين، وإعانات الدعم للعاملين في القطاع العام، وخطاب إصلاحي فارغ بلا مغزى"

​​ لا شك أن "نظرية أحجار الدومينو" القديمة في العلاقات الدولية كانت مجرد وسيلة فجة للتأكيد على أن الأجزاء المختلفة من أي منطقة في العالم ترتبط ببعضها البعض. والواقع أن الاستعارة الأفضل لما يجري في العالم العربي اليوم قد تكون في تشبيهه برقعة الشطرنج، حيث تفضي إزاحة ولو بيدق واحد من عليها إلى تغيير العلاقات بين كافة القطع الأخرى حتما.

واليوم، وبينما تتصاعد الاحتجاجات وتتضاعف، فلعل الحكومات في كل الدول العربية في الشرق الأوسط وشمال أفريقيا تتصور أن هذه الاحتجاجات إذا تُرِكَت لآلياتها الخاصة فربما تحتوي على بذور الشقاق التي قد تهدمها من الداخل. وفي سوريا، يبدو من المحتم أن تؤدي الاحتجاجات قريباً إلى تصدع حالة الجمود السياسي الهشة. ذلك أن أغلب المواطنين السوريين العاديين يعيشون ظروفاً اقتصادية واجتماعية بالغة الصعوبة، بما في ذلك ارتفاع معدلات البطالة، وارتفاع أسعار المواد الغذائية، والقيود المفروضة على الحريات الشخصية، والفساد المستشري. ولا تختلف هذه العوامل عن تلك التي دفعت الناس إلى النزول إلى الشوارع في شمال أفريقيا والشرق الأوسط. فما بدأ هناك كاحتجاجات على الظروف المعيشية تحول إلى مطالبات كاملة النطاق بالحرية والديمقراطية.

خشية النظام من الاحتجاجات

محتجون  في القاهرة، الصورة ا.ب
خشية النظام السوري من انتقال عدوى الاحتجاجات إلى شوارع دمشق

​​

إن النظام في دمشق يخشى من حدوث اضطرابات مماثلة في سوريا، كما ينبغي له. ولا شك أن الوسيلة الأفضل لتجنب المواجهة بين الشعب وقوات الأمن تتلخص في تبني عملية إصلاح حقيقية تفضي إلى إجراء انتخابات وتشكيل حكومة وحدة وطنية. ولكن يبدو أن الجمود المتأصل في النظام الحالي يحول دون أي تحرك مبكر في ذلك الاتجاه. فبدلاً من ذلك، يبذل حكام سوريا المغريات لضمان بقاء جماعات المؤيدين الرئيسية على ولائها لهم ـ أجهزة الكمبيوتر المحمولة للمعلمين، وإعانات الدعم للعاملين في القطاع العام، وخطاب إصلاحي فارغ بلا مغزى. ولكن الوضع الحالي يدعو إلى تدابير أكثر جدية. وقد يكون رفع حالة الطوارئ المفروضة على البلاد منذ عام 1963 ـ والتي منحت النظام وأجهزته الأمنية سلطات وصلاحيات شاملة ـ بمثابة خطوة رمزية وملموسة في الاتجاه الصحيح.

ما لم يبدأ حكام سوريا ـ وزعماء آخرون في العالم العربي ـ في استيعاب حقيقة مفادها أن الحرية حق أساسي من حقوق الإنسان، فإن صبر حتى أكثر الناس هدوءاً وحلماً قد ينفد إلى حد خطير. ولعل أسعار المواد الغذائية المرتفعة كانت الشرارة التي أشعلت لهيب الاحتجاجات في شمال أفريقيا، ولكن السرعة التي حول بها المحتجون انتباههم نحو الإصلاح السياسي فاجأت الجميع. إن إعادة المارد إلى القمقم الآن أمر شبه مستحيل من دون إراقة الدماء على النحو الذي نشهده الآن في بعض من أجزاء العالم العربي. لذا فإن القيادة السورية تعي تماماً أنها لابد وأن تستجيب ـ ومن ثَم أجندة الإصلاح الفاترة التي استعرضتها مؤخرا. ولكن محاولة معالجة المظالم الاجتماعية العميقة الجذور بالاستعانة بلغة منمقة وباقة من إعانات الدعم أشبه بمحاولة إطفاء حريق في غابة بمسدس ماء. إن حلول المشاكل في سوريا لابد وأن تكون موضوعية وجوهرية بقدر خطورة تلك المشاكل.

لغة الشعارات

الصورة ا.ب

​​

حتى الآن، كان حكام سوريا يعتمدون على الخطاب المناهض لإسرائيل والغرب لحماية أنفسهم. ولكن أحداً لم يسمع
صرخات حول الصراع الإسرائيلي الفلسطيني في احتجاجات تونس والقاهرة إلا نادرا. فضلاً عن ذلك فإن النظام لم يرد في الأعوام القليلة الأخيرة، عندما ضربت الطائرات الإسرائيلية أهدافاً في سوريا ـ ولم يستجب عندما حلقت طائرات إسرائيلية فوق القصر الرئاسي.

إن النظام السوري يزعم أنه جزء من "المقاومة" مع شريكته الأكبر إيران. ولكن برقيات ويكيليكس تظهر أن القيادة السورية أبلغت النظام الإيراني بأنه لا ينبغي له أن يعتمد عليها في أي حرب مع إسرائيل لأنها ضعيفة للغاية. وعلى هذا فإن النظام السوري يرتكب خطأً فادحاً إذا تصور أن تكتيكات الإلهاء القديمة قد تستمر في تزويده بالحصانة. بل إن الأمر على النقيض من ذلك تماما. فبإيجاد فئة كبيرة من السكان الشباب المتعلمين العاجزين عن العثور على عمل مناسب، خلق النظام كادراً خاصاً من المحتجين المحتملين، الذين يدركون تمام الإدراك أن النظام يستخدم شعارات فارغة للإبقاء على حالة الطوارئ والاستمرار في السلطة.

ضرورة الإصلاح

إن الشعب السوري يتسم بالقوة والصبر والمرونة وسعة الحيلة. وتظل الروابط الأسرية والاجتماعية قوية في مواجهة الشداد. فحينما يندر الطعام يتقاسمه الناس. وعندما يتخذ النظام تدابير صارمة في مواجهة الإنترنت، يستخدم الناس خوادم البروكسي. ولكن ما كان ينبغي لهم أن يضطروا إلى هذا، وما كان ينبغي لهم أن يخاطروا بسلامتهم عندما يسعون إلى التواصل مع العالم على شبكة الإنترنت. لا أحد يريد أن يرى شوارع دمشق وقد أنهكتها الاحتجاجات، ولا أحد يريد أن تقع مواجهات عنيفة بين محتجين وقوات الأمن. إن كل ما يريده الشعب السوري هو الحوار الهادف مع النظام.

يتعين على النظام السوري أن يستوعب أن السوريين، على الرغم من الجهود الحثيثة التي بذلها لمنعهم من ذلك، كانوا يراقبون الأحداث الجارية في المنطقة بقدر من الاهتمام لا يقل عن بقية العالم. صحيح أن الشعب السوري قد لا يميل إلى العنف، ولكن من الصعب على من رأي الحرية وهي تولد أن ينسى ذلك المشهد ـ أو يستجيب للهبات والصدقات التي توزعها الدولة أو البيانات الفارغة المتبطلة التي تلقيها قيادات قصية منعزلة. ذات يوم، قال الناس إن سور برلين لن يسقط. وقالوا إن مبارك لن يتنازل ولن ينسحب. ورغم تكذيب الأحداث لمثل هذه التكهنات، فما زال البعض يقولون إن سوريا ليس من الممكن أن تتغير. ولكن سوريا سوف تتغير. وإنني لأصلي، شأني في ذلك شأن أبناء بلدي، أن يكون التغيير سلمياً ومتناغماً حين يأتي.

ريبال الأسد
ترجمة: إبراهيم محمد علي
حقوق النشر: بروجيكت سنديكيت، 2011.

قنطرة

التغيير الديموقراطي في العالم العربي
الحكام العرب ولعنة "أحجار الدومينو" "
أظهرت الأحداث المتسارعة التي انطلقت شرارتها من تونس وسرعان ما انتقلت إلى مصر أن الأنظمة العربية المترهلة ليست أكثر من "أحجار دومينو" تنتظر من يحركها لتسقط الواحدة تلو الأخرى لافتقارها إلى شرعية شعبية ضاربة في تربة شعوبها، كما يرى الإعلامي عماد غانم.

حوار مع عالم الاجتماع المصري سعد الدين ابراهيم:
"على الغرب أن يدعم الديمقراطية في المنطقة"
يعد عالم الاجتماع سعد الدين ابراهيم أحد أبرز المدافعين عن الديمقراطية وحقوق الإنسان في مصر، وكأحد أبرز منتقدي مبارك ونظامه قبل السقوط، ألقي القبض عليه مرارا وصدرت بحقه أحكام قضائية. جيانكارلو بوزيتي تحدث معه حول فرص التحول إلى الديمقراطية في العالم الإسلامي.

من ثورة الياسمين إلى ثورة النيل:
"العرب الجدد" وملامح المرحلة المقبلة
يرى الباحث في جامعة كامبردج والإعلامي المعروف خالد الحروب في هذه المقالة أن جوهر التغيير الذي جلبته ثورتا تونس ومصر يكمن في إعادة الشعوب ورأيها العام إلى قلب المعادلة السياسية، مؤكدا أن هذه التغيير غير مؤدلج قادته أجيال الشباب الذين تجاوزت علومهم وخبراتهم أجيال آبائهم وحكوماتهم الشائخة التي لا تدرك أساساً كيف يفكر هؤلاء الشباب وما هي طموحاتهم.