قرع أجراس الخطر

تعاني البلدان العربية من نقص فادح في مجال التعليم. تلك خلاصة تقرير التنمية الإنسانية العربية 2003. لا يشكل ذلك تشخيصا مخيفا لحالة العالم العربي فحسب، بل يتطلب كذلك من الغرب الإحساس بالقلق، تعليق راينهارد باومغارتن.

قرع أجراس الخطر

تعاني البلدان العربية من نقص فادح في مجالات التعليم والتبادل الثقافي وحرية الرأي. تلك خلاصة تقرير التنمية الإنسانية العربية 2003. لا يشكل ذلك تشخيصا مخيفا لحالة العالم العربي فحسب، بل يتطلب كذلك من الغرب الإحساس بالقلق الشديد، حسب رأي المعلّق راينهارد باومغارتن.

​​علينا أن ننظر إلى الأمور نظرة واقعية. ومن هنا نرى بأن العالم العربي يتجه ولو على الأجل البعيد نحو حالة تأزم لا يمكن حسبان أبعادها. فهناك ركود اقتصادي دائم وانخفاض خطير في معدلات دخل الفرد وتراجع كبير في الإنتاجية. كل هذه المعلومات واردة في التقرير الصادر مؤخرا عن الأمم المتحدة حول التنمية الإنسانية في شمال أفريقيا والشرق الأوسط. هذه المعلومات والحقائق التي جمعها حوالي 50 عالما عربيا بتكليف من الأمم المتحدة وجامعة الدول العربية كفيلة بقرع أجراس الخطر والإنذار في كلا الشرق والغرب، إذ أن المؤشرات السلبية القائمة منذ سنوات عديدة ليست بالأمر العارض الطارئ بل إنها تعكس الحالة الاعتيادية الناجمة عن سوء كل من العمل الحكومي والتخطيط والسياسة وعن تفاقم الميزانيات العسكرية وانتشار المحسوبية والفساد المالي الفاضح.

قد يقول البعض في الغرب إن هذا أمر لا يعنينا، فما الذي يهمنا إذا تصدعت الحالة عند العرب؟ لكن هذا الأمر يعنينا في حقيقة الأمر. فالعالم العربي جار مباشر لأوروبا سواء جغرافيا أو سياسيا. وإذا اشتدت حدة الأزمة في هذه المنطقة التي سيبلغ تعدادها السكاني قريبا 300 مليون نسمة، فإن ذلك سيجلب لأوروبا أيضا عواقب وخيمة كالقلاقل وتفاقم الهجرة وتصعيد تيارات التطرف.

أكثر ما يستدعي القلق هي حالة التعليم في العالم العربي والتي يمكن نعتها تعميما بالمصيبة الكبرى. فعدد تلاميذ الصف الواحد يفوق حدود المعقول ومناهج التعليم غير عصرية كما أن نقل المعرفة العلمية حافل بالثغرات. إن المشاكل التعليمية متشعبة للغاية وتختلف من بلد إلى آخر. وقد توصل مؤلفو التقرير الدولي المذكور إلى استنتاج فحواه أن الفروق القائمة في المعدلات العلمية بين البلدان العربية ودول أخرى من هذا الكوكب في ازدياد مطرد. فتراجع المجتمعات العربية في حقول التكنولوجيا والاقتصاد والعلوم يجري يوما بعد يوم. ويرافق ذلك تكريس اعتماد هذه المجتمعات على علماء الغرب والشرق الأقصى.

لا شك أنه بالإمكان توقع انعكاسات التخلف الدرامي في حقل التعليم. إن ثلثي سكان البلدان العربية أصغر من سن الثلاثين عاما. فما هي الفرص المهنية المتوفرة لشباب لم ينالوا سوى مستوى متخلف من التعليم وذلك في بلدان تفتقد إلى المعاهد التدريبية وفرص العمل والآفاق المستقبلية؟
بناء على تقرير الأمم المتحدة فإن نصف الشباب العرب يرغبون في الهجرة. لكن الكثيرين منهم لن يفلحوا في ذلك حيث لا يوجد أحد يحبذ قدومهم. أما الأكاديميون من ذوي المستوى الدراسي المتقدم فإنهم يغادرون أوطانهم بأعداد كبيرة ضخمة لأنها لا توفر لهم الفرص التنموية المنشودة. ويبلغ عدد الأطباء المهاجرين في غضون عامين فقط 15000 شخص. وهذه الهجرة تزيد من حدة التخلف العلمي القائم.

لا ينبغي على الغرب أن يكتفي بدور المتفرج، فالتطور التعليمي قابل ولو على نحو جزئي للتصدير، ومن أمثلة ذلك الجامعة الألمانية التي تم تأسيسها مؤخرا في القاهرة. لكن الأهم من ذلك هو ضرورة إرغام الفئات الحاكمة في الدول العربية من خلال استخدام الضغوط السياسية والاقتصادية، على العناية بمستقبل بلادها بدلا من صرف جهودها على مظاهر الوجاهة والبذخ والحفاظ على السلطة.

بقلم راينهارد باومغارتن، صحفي ألماني مقيم في القاهرة
ترجمة عارف حجاج

بإمكانكم الاطلاع على النسخة العربية لتقرير التمية العربية 2003 هنا