ختان الذكور في مقص القضاء الألماني

ختان الذكور عند المسلمين واليهود ليس تقليداً دينياً فقط، جزءا من الهوية الثقافية. لكن محكمة ألمانية في مدينة كولونيا قررت تجريم أي تدخل جراحي مبني على دوافع دينية. هذا القرار من علامات مجتمعنا العلماني، إلا أن من السيء أن يضع القضاة أنفسهم فوق قيم وطقوس الأديان، وفق ما يوضحه ماتياس دروبنسكي.

الكاتبة ، الكاتب: Matthias Drobinski



عندما كان عمر إبراهيم 99 عاماً، كما يذكر سفر التكوين، عقد الرب عهداً معه ومع ذريته. هذا العهد نص على أن يكون إبراهيم وذريته مخلصين للرب مقابل أن يكون الرب مخلصاً لهم. علامة هذا العهد "أن تختتن ذريتكم من الذكور فور بلوغها ثمانية أيام من العمر". أما النصوص الإسلامية فتذكر أن النبي إبراهيم قام بختان نفسه مستخدماً فأساً.

ختان الذكور كان ولا يزال من العلامات القديمة والراسخة لدى اليهود والمسلمين. وكثيراً ما خاطر الآباء اليهود بحياتهم من أجل القيام بذلك. لذلك لا يشكل ختان الذكور عند اليهود والمسلمين تقليداً دينياً وحسب.

لهذا قام الوالدان المسلمان، اللذان أرادا ختان ابنهم البالغ من العمر أربعة أعوام، بكتابة فصل في التاريخ الديني والقانوني لألمانيا رغماً عنهم. فبعد ذهابهما إلى الطبيب وقيامه بهذه العملية بالشكل الصحيح، عانى الولد من نزيف ثانوي، ما دفع الأم لأخذه إلى المستشفى. الطبيب المتواجد هناك استنتج من كلامها أنها لم تكن راضية تماماً عما حصل لابنها، وقام بإبلاغ الشرطة.

حق الطفل في السلامة الجسدية

د ب ا
ممارسات عريقة وحجج طبية: في الإسلام واليهودية يعتبر ختان الذكور فرضاً دينياً. لكن دوافعه في الولايات المتحدة طبية وصحية، الأمر الذي رفع نسبة الرجال المختونين هناك إلى 75 بالمائة.

​​ورغم أن المحكمة الابتدائية في مدينة كولونيا برأت الطبيب من تهمة الإيذاء الجسدي، إلا أن محكمة الولاية بالمدينة أصدرت قراراً أثار موجة من الردود، فهي لم تعط الأولوية لحرية الوالدين الدينية أو حريتهم في تربية أطفالهم، ولم تأخذ بمصلحة الطفل التي يفترض أن تنجم عن تربيته ضمن مجموعة دينية معينة، بل أعطت الأولوية لحق الطفل في السلامة الجسدية. ورغم ذلك لم يعاقب الطبيب الذي أجرى الختان، لأنه تصرف بناء على "خطأ في القانون"، وهذا يعني أنه لم يكن يعرف أن ما يقوم به يعاقب عليه القانون.

وبهذا يكون هذا القرار الأول من نوعه لمحكمة ألمانية. ولو ارتأت المحاكم الألمانية الأخرى إصدار قرارات مماثلة، فإن عواقب ذلك على اليهود والمسلمين في ألمانيا ستكون وخيمة، فمن يقوم بختان الذكور بعد ذلك سيرتكب إيذاء جسدياً خطيراً. كما لن يسمح بإجراء الختان إلا لمن يعتقد بأنهم سيخضعون لذلك عن علم ورضا. هذا يعني أن على المحققين السريين أن يخترقوا المساجد والكنس، أن تمنع كل الجمعيات التي تدعم ختان الذكور، وعندئذ سيعمّ السلم الديني أرجاء البلاد!

الرجل الذي تقف أفكاره وراء قرار المحكمة هذا يدعى هولم بوتزكه، أستاذ قانون العقوبات في جامعة باساو. ويعتبر بوتزكه، المولود سنة 1973، أحد ألمع أساتذة القانون في البلاد، فهو حاصل على منحة مؤسسة كونراد أديناور ونشط في المجموعات الليبرالية بالجامعة. لذلك لا يمكن اتهامه بأنه معاد للسامية أو للإسلام. لكن منذ أن أجرى بوتزكه بحثاً، في مقال نشر سنة 2008، حول "الأهمية القانونية لختان الذكور"، أصبح هذا الموضوع شغله الشاغل. كما أن القرار الذي أصدرته المحكمة الألمانية يتفق وحججه في المقال. لقد تعامل بوتزكه مع الأمر من الناحية القانونية البحتة، إذ من يمارس القانون يعرف أن استخدام الطبيب لأداة حادة على المريض يعتبر في العرف القانوني إيذاءاً جسدياً.

لكن الطبيب بحاجة إلى سبب مقنع لاستخدام الأداة الحادة، مثل إنقاذ حياة المريض أو المحافظة على صحته، أو، في حالة جراحات التجميل، ضمان رفاهية المريض أو رفع مكانته الاجتماعية. لكن بأي حق ينفذ الطبيب رغبة الوالدين ويزيل قلفة طفلهم؟

تراجع التقاليد والتاريخ

ا ب
عهد مع الرب: طبقاً للتقاليد اليهودية يتم ختان الأولاد بعد ثمانية أيام من ولادتهم. وفي المهجر والشتات تحول ختان الذكور، إضافة إلى أحكام الطعام وعطلة السبت، إلى أهم علامات الهوية اليهودية.

​​بعد ذلك بدأ هولم بوتزكه بالرد على الحجج التي تجادل بعدم معاقبة ختان الذكور. بالنسبة لحرية المعتقد الديني وحرية التربية الممنوحة للوالدين، يرى بوتزكه أن حق السلامة الجسدية يضع لهاتين الحريتين قيوداً. أما عن مصلحة الطفل ورفاهيته، نظراً إلى أن ربع الرجال في العالم يعيشون دون قلفة، وأن نسبة الرجال المختونين في الولايات المتحدة تصل إلى 75 بالمائة، يتساءل بوتزكه عما إذا الرجال غير المختونين أفضل أو أقل من الرجال المختونين؟

الفائدة الطبية للختان متنازع عليها أيضاً، حسب ما يرى أستاذ القانون الألماني. أما الألم والصدمة التي يتحملهما الطفل جراء عملية ليست ضرورية طبياً، فقط من أجل الانتماء إلى مجموعة معينة، فيبقى أمراً مفتوحاً. ويكتب بوتزكه: "لماذا لا يؤجل اليهود والمسلمون ختان الذكور إلى وقت لاحق؟ لماذا لا يحولونه إلى طقس رمزي، كوخزة بالإبرة مثلاً؟"

د ب ا
تعدّ على حرية الدين: ينتقد رئيس مجلس الإسلام في ألمانيا، علي كازيلكايا، ونظيره في مجلس اليهود المركزي، قرار محكمة الولاية بمدينة كولونيا.

​​كل هذه حجج واقعية لا تتأثر بالتقاليد أو التاريخ الغربي والشرقي، والمثير للانطباع أن محكمة الولاية في كولونيا اعتمدت عليها. لهذا فإن قرار المحكمة يعكس التغير الذي تمر به العلاقة بين القانون والدين في مجتمع يزداد علمانية وتتعدد فيه الأديان. سيتوجب على المحكمة الدستورية في كارلزروه أن تنظر في مسألة ختان الذكور، فالأمور لم تعد كما كانت عليه قبل 30 عاماً، عندما كان الأغلبية المسيحية في المجتمع هي صاحبة القرار الأول، وتعيش إلى جانبها جالية يهودية لا يزيد عدد أفرادها عن 30 ألفاً، إضافة إلى جالية مسلمة ينتظر منها أن تعود إلى موطنها عن قريب. اليوم يعيش أكثر من أربعة ملايين شخص في البلاد يأمرهم دينهم بختان الذكور.

لقد غاب مغزى الطقوس المسيحية عن الأذهان، فيما تبقى طقوس الأديان الأخرى غير مفهومة، بل ويتم إنكارها ومحاربتها، حتى تتدخل المحاكم ويتحول القضاة إلى حكام، وهذا قد يكون في بعض الأحيان مبرراً، مثل انتهاكات حقوق الإنسان المتمثلة في ختان الإناث، وهو عنف يمارس على النساء بهدف التدليل على أنهن لا يملكن القرار فيما يخص رغبتهن الجنسية. لكن في بعض الأحيان ربما يكون من السيء أن يتحول القضاة إلى حكام على الدين، وأن ينصبوا أنفسهم فوقه، وأن يحولوا واقعية القانون إلى دين بديل.

أما الحد الفاصل بين الاعتراض المبرر باسم الدستور وتعدّ الحدود، فستحدده قرارات عدد من المحاكم، والتي ستصدر في السنوات المقبلة، وصولاً إلى المحكمة الدستورية. هناك عدد من المؤشرات على حتمية تعامل قضاة المحكمة الدستورية مع مسألة ختان الذكور يوماً ما، وعلى أنهم سيتبنون وجهة نظر مجلس اليهود المركزي، التي ترى قرار المحكمة في كولونيا على أنه تعدّ على حق تقرير المصير للجماعات الدينية.

 

 

ماتياس دروبنسكي
ترجمة: ياسر أبو معيلق
مراجعة: هشام العدم
حقوق النشر: زود دويتشه تسايتونغ/ قنطرة 2012