الصوفية تبني جسور الحوار بين الأديان

كرس الشيخ بشير أحمد دولتس فترة من حياته لدعم الحوار بين الإسلام والمسيحية. الشيخ الذي ولد في عائلة ألمانية مسيحية وجد طريقه إلى الإسلام الصوفي في ليبيا بين بدوها وجامعة بنغازي، حيث عاش فيها 30 عاما.

في أحد أيام الأحد في ضاحية غوديسبيرغ، التابعة لمدينة بون الألمانية، يجتمع رجال ونساء في غرفة الجلوس في بيت الشيخ بشير. وفي ركن من غرفة الجلوس فرش على الأرض بساط رصفت عليه أصناف مختلفة من الزبدة والمربي وقطع من الخبز، فيما يجلس الشيخ بشير، الذي يرتدي جلبابا أبيض وأسود على وسائد، وهو يتحدث مع ضيوفه الذين يتلاقون مرة في الشهر لتناول فطور الصباح مع بعض وللتواصل ومناقشة عدد من الأمور الدينية. وليس من الغريب أن يشكل بيت الشيخ بشير أحمد دولتس ملتقى هؤلاء، الذين ينتمون إلى طريقة السفينة، ذلك أنه يشكل القائد الروحي لهذه الطريقة الصوفية.


وكان الشيخ بشير قد أسس طريقة السفينة الصوفية عام 1983 بعد عودته من ليبيا، التي عاش فيها مع البدو لمدة 30 عاما. ويقول الشيخ بشير إن مهمته تكمن في دفع الحوار بين المتدينين وغير المتدينين. "إن طريقتنا تهدف إلى مد جسور الحوار والتفاهم مع الجميع، بمختلف انتماءاتهم الدينية. كما أن دعم المساواة بين المرأة والرجل يشكل إحدى أهم المهمات التي نضطلع بها."


تيار صوفي يربط بين مختلف الأديان


الصورة دويتشه فيله

​​وتعتبر الصوفية تيارا روحيا للإسلام، فيما تطور في أوروبا وأمريكا في مطلع القرن العشرين تيار صوفي عالمي يجمع بين مختلف الأديان والمذاهب، حيث يتبع مسلمون ومسيحيون ويهود كصوفيين فلسفة مستمدة من الدين وذات رسالة تربط بين مختلف الأديان. ويعتبر التفسير الروحي للقرآن أو الإنجيل أو التوراة من الأمور التي يتميز بها أتباع هذا التيار الصوفي، على غرار أتباع طريقة السفينة. ومن بين هؤلاء فيلهلم صبري هوفمان، وهو رئيس المؤسسة المسيحية-الإسلامية، الذي يحرص على المشاركة في الجلسات التي ينظمها الشيخ بشير. ويؤكد هوفمان أن ما يعجبه في طريقة السفينة هو حرصها على "مد جسور الحوار والتفاهم بين المسيحية والإسلام". ويقول الألماني، الذي ولد مسيحيا ثم اعتنق الإسلام، "الحوار يعني بالنسبة لي ضرورة ملحة، ليس لأننا نشكل أقلية في هذا المجتمع، وإنما أيضا لدعم التعايش السلمي مع أخواتنا وإخواننا المسحيين وتحقيق مشاريع مشتركة."


وهذا ما يحرك الشيخ بشير في جميع تحركاته، فعلى الرغم من تقدمه في السن، إذ أنه يبلغ 76 عاما، إلا أنه ما فتئ يتنقل ويسافر من مكان إلى آخر، من أجل ربط أواصر التواصل مع مسلمين آخرين ويهود ومسيحيين في شتى أنحاء العالم. كما يتم في إطار طريقة السفينة الصوفية تنظيم محاضرات واجتماعات مختلفة لأغراض تعليمية أو للصلاة والغناء. ويعمل الشيخ بشير أيضا في إطار جمعية رابطة المسلمين في بون كواعظ ومرشد ديني، ويتولى مهام أخرى مثل عقد القران أو الطلاق أو الدفن. وساهم الشيخ بشير في تأسيس عدد من الجمعيات والمنظمات الإسلامية على غرار المجلس الأعلى للمسلمين في ألمانيا.


30 عاما بين بدو ليبيا وجامعة بنغازي

الصورة دويتشه فيله
الشيخ بشير يصلي من أجل أهله في ليبيا

​​وعن قراره الانضمام إلى طريقة السفينة الصوفية يروي الشيخ بشير قصة حياته، التي قادته من مدينة هامبورغ، شمالي ألمانيا، إلى مدينة بنغازي الليبية ثم إلى مدينة بون الألمانية. ويقول إنه ولد في عائلة ألمانية مسيحية قبل أن يعتنق الإسلام في سن 15.
وبعد المدرسة الثانوية في ألمانيا سافر إلى ليبيا، حيث بدأ في جامعة بنغازي بدراسة العلوم الإسلامية. وفي عام 1983 عاد الشيخ بشير إلى ألمانيا في إطار اتفاقية تبادل سجناء بين برلين وطرابلس. أما عن طريقة السفينة، فيقول إن مركزها في شمال إفريقيا، لكنه لا يذكر في أي بلد تحديدا، سوى أن جماعة الصوفية محظورة فيه منذ عشرات السنين وأعضاؤها ملاحقون. أما عن عمله في إطار مد جسور الحوار والتفاهم بين مختلف الأديان، فقد عاد عليه بوسام الاستحقاق الألماني عام 2008. كما تم تعيينه أستاذا شرفيا في معهد ليو باييك اليهودي في لندن.


ويحجم الشيخ بشير عن سرد تفاصيل أخرى عن حياته، سوى أنه كان متزوجا من عربية أنجب معها 8 أطفال، لا يزالون يعيشون في ليبيا. كما يعرب عن قلقه من تفاقم الأوضاع الإنسانية في ليبيا، آملا في أن يكون ذووه على قيد الحياة، وأن يجد الليبيون طرقا لحل الأزمة في بلادهم لوقف سفك الدماء.


أولريكه هومل
ترجمة: شمس العياري
مراجعة: منى صالح
حقوق النشر: دويتشه فيله 2011