السجن أم الموت؟

تعاني النساء في عدد من المجتمعات العربية من عقوبات السجن والتهميش بل والاضطهاد نتيجة لارتكابهن الخيانة الزوجية لدرجة أن معظمهن يفضلن البقاء في السجن. المجتمع العراقي يعاني بشدة من هذه الظاهرة كما تروي لنا كارين ملودوخ.

نساء عراقيات، الصورة: أ ب

​​

تعتبر الخيانة الزوجية في العراق، مثله مثل عدد كبير من البلدان ذات الأغلبية الإسلامية، جنحة خطيرة يعاقب عليها القانون. ولكن المأساة لا تقتصر على العقاب القانوني، إذ أن مجرد الاشتباه في ارتكاب امرأة للخيانة الزوجية يكفي للزج بها في دوامة من الشك والاحتقار تؤدي إلى عزلها التام من المجتمع ووضعها في إطار سلبي ثابت ينتج عنه تهميشها بل واضطهادها. الصحفية الالمانية كارين ملودوخ زارت سيدة تعاني من تلك المأساة في احد سجون مدينة السليمانية في كردستان بشمال العراق.

ليديا، التي تجلس حاملة بيدها صورة لأطفالها الثلاثة وتأبى التحدث في الميكروفون، لم تكتف عائلتها بتزويجها من رجل أصم وأبكم يكبرها بالكثير عندما كان عمرها 14 عاما، ولكنها تهدد الآن بقتلها انتقاما لارتكابها الخيانة الزوجية مع زميل لزوجها.

بعد أن كان زوجها قد ضبطها مع عشيقها وقيام الآخر بالهرب أبلغ الزوج عن امرأته وعشيقها وتم القبض عليها. وفي السجن الذي أمضت فيه ستة أسابيع حتى الآن تعرفت على نساء يعملن في مجال الإرشاد الاجتماعي في "دار "خانزاد"، واللاتي اتصلن بدورهن بالسيد كارزان المحامي ليقوم بالدفاع عنها.

انتقاد للإجراءات القانونية

حسب المادة 307 من القانون العراقي تعتبر الخيانة الزوجية جريمة يعاقب عليها قانونيا، وذلك بالسجن من عام إلى ثلاثة أعوام. ولا يشكك السيد كارزان في اعتبار الخيانة الزوجية جنحة بصفتها نقضا للعقد الذي اتفق عليه الطرفان، ولكنه ينتقد نهج التعامل مع تلك الجنحة قائلا:

"رغم نص القانون على حق الزوج وحده في الإبلاغ عن امرأته، يحدث كثيرا أن يأت البلاغ من قبل الجيران أو الأقارب أو أشخاص آخرين. إذا ما تم القبض على سيدة معينة، فإن الإفراج عنها يصبح أمرا عسيرا، إذ أن زوجها يصبح بشكل مباشر المدعي وتصبح هي المتهمة والجيران هم الشهود." وفي حالة ليديا فإن الخيانة مثبتة. الطريقة الوحيدة التي كان يمكن إنقاذها بها من السجن هو دعم أسرتها لها، ولكن الواقع عكس ذلك تماما.

رد فعل العائلة

تستطرد موظفة اجتماعية سردها لمأساة ليديا التي تخلت عنها عائلتها بأكملها بدلا من محاولة إنقاذها من السجن، بل وهددت بقتلها بنفسها كانتقام لارتكابها تلك الجريمة. وتتساءل الموظفة بحيرة شديدة: "كيف يمكنكم قتلها وأنتم السبب في شقائها بسبب ما ألحقتموه بها وهي بعد طفلة؟ لن نسمح بذلك!"

لكن رغم جميع المحاولات والتوسلات لم تقدر الموظفات العاملات "بدار خانزاد" إلا على إقناع شقيق ليديا بضمانها. ولكن حتى هو لا يستطيع ضمان سلامتها، فالعائلة كلها تهدد بقتلها. ولا يمكن بأي حال اعتبار تلك التهديدات مزحة أو الشك في جديتها، ففي الآونة الأخيرة انتشرت جرائم قتل الشرف بشكل كبير، وهي لا تتكرر فقط في القرى ولكنها تتزايد أيضا في المدن الكبيرة.

وفي هذا السياق تشرح رزان، وهي موظفة بـ"دار خانزاد" منهج الدار في التعامل مع مثل هذه القضايا: "يتم إخفاء النساء بعد الإفراج عنهن في دار للنساء حتى تستتب الأمور ويتم التوصل لاتفاق مع العائلة. ولا تعود السيدة إلى منزلها إلا بعد أن يوقع والدها وأخوتها على تعهد بعدم قتلها". أما عن ليديا، فقد اختارت البقاء الإرادي في السجن، إذ لا يوجد مكان آخر يحميها من تهديدات عائلتها بقتلها.

تقرير كارين ملودوخ/ إعداد ماريان وجدي
حقوق الطبع دويتشه فيلله 2006