قيس الجاموس / صحفي سوري مقيم في دبي27 فبراير 2005

مـدن مفخخـة

عندما يتحول كل شارع في العالم إلى قنبلة وكل مدرسة إلى ساحة حرب وكل مركبة إلى أداة قتل وإرهاب وكل مطعم إلى وجبة دسمة من المواد المتفجرة، فلابد أن نعلن الحرب لأن الحرب الأخرى قائمة أصلا في كل مدن العالم، لكنها غير معلنة. الحرب الإعلامية لابد أن تنشر وتبث وتذيع كل ما يحصل في الواقع، أما مسألة إخفاء المشاهد واللقطات بحجة احترام المتلقي لأن عرضها يتسبب في جرح مشاعر المشاهدين فهذه مسألة لا أعرف من اخترعها ولا أعرف لماذا تحولت إلى قوانين تدافع عنها أكبر الدول وأكثرها تحررا.

أليس الأجدر أن نعلن الحرب الإعلامية ضد تلك الحرب القذرة باستخدام الأسلحة الإعلامية؟

الإنسان العادي يشاهد كل يوم ما هو أفظع من كل ما يعرض على شاشات التلفاز أو على صفحات الصحف، فلماذا نخفي عليه الحقائق؟ أهكذا نحترم المتلقين؟.أعتقد أن إخفاء الكثير من اللقطات والمشاهد المصورة التي تتضمن عمليات التفجير وحجم الدمار والقتل الذي تحدثه هو احترام للإرهابين وتخفيف من حجم الجرائم التي يقومون بها.

عند مقتل رئيس الوزراء اللبناني السابق رفيق الحريري عرضت بعض المحطات التلفزيونية مشاهدا تبين بالفعل حجم الدمار الذي أحدثته عملية الاغتيال ولكن لم تمض ساعات حتى بدأت المشاهد تتقلص.. ومع إعادة عرض ما تم تصويره أصبحت الصورة عبارة عن نيران ومركبات محترقة وحفرة في الشارع مع بعض المواطنين الذين تملكهم الخوف.

قتل أي إنسان هو أمر فظيع جدا سواء أكان من خلال تفخيخ شارع او سيارة أو تفجير الإنسان لنفسه. واغتيال رفيق الحريري مؤخرا هو بكل تأكيد عمل إجرامي وإرهابي بغض النظر على الطرف الذي دبر ذلك العمل. ولكن أليس الأجدر بث ونشر ما لم يراه إلا من كانوا في موقع الحدث؟

الترهيب والإرهاب في كل مكان قد تسير في مكان ما وإذ بحاوية القمامة التي على طرف الطريق تنفجر وتقتل كل من يمر في تلك المنطقة أو قد تكون في أحد المطاعم لتأخذ وجبتك أو تسهر في أحد الملاهي وإذ بك محروق أو مقتول أو مجروح أو قد تقود سيارتك إلى حتفك لأنك الآن دوما في حقل ألغام لا أحد يعرف من زرعه لكن الجميع يعرف أن كل من يقوم بهكذا عمل هو شخص ليس لديه أي إنسانية، وبالتالي بكل تأكيد بعيد عن الأخلاقيات والمفاهيم الإنسانية العامة أو الدينية.

وهنا أقصد كل الأديان، لأنه إذا تعمقنا فعليا بجوهر الدين الحقيقي، فإننا سنجد أنه لايوجد دين يدعو إلى القتل.. أما الممارسات الإرهابية القائمة اليوم فهي إما إرهاب مصالح أو فكر مختل أو رفض للمجتمع أو أعمال إجرامية ضد الإنسانية.

منذ سنوات طويلة عندما كانت الحرب الأهلية في لبنان تقتل المحبة والرحمة والأخلاق وتبيع وتشتري الضمائر والقلوب والأجساد والأفيون ومخدر الحشيش وحتى الآثار التاريخية، كان حلم اللبنانيين يتمزق في أفق يرسمه دخان المدافع. ورغم كل تلك الحرب القذرة لا أحد يزور لبنان ولو لمرة إلا ويوقن كم هذا البلد الصغير كبير بثقافته وحيويته وقدرته على التطور. وبكل الأحوال لم يصل بلد عربي بعد إلى الحرية التي يتمتع بها لبنان ولا إلى الإعلام الذي وصل إليه اللبنانيون ولا إلى الثقافة والطباعة ودور النشر والموسيقى والجمال والمحبة التي يمثلها اللبنانيون والتي شوهها بعض اللبنانيين وبعض الدول التي لها مصالح فيها سواء عربية أو فارسية أو أمريكية أو فرنسية أو إسرائيلية.

كان لبنان لفترة طويلة مسرحا لحسابات الغير تصفى على ترابه المصالح والاختلافات ويراق الدم اللبناني في النهاية. ومازال لبنان يمثل الكرة التي يريد الجميع أن يسجل هدفا عن طريق ركلها بقدمه. وما يجري اليوم في لبنان وبغض النظر عن كل ما يقال ويحاك سيوصل لبنان في النهاية إلى بداية الطريق الصحيح.