"درجة عالية من الاحترام والتسامح مع المسلمين" في البرازيل

في شهر رمضان يلتقي أفراد الجالية الإسلامية الصغيرة، بخليطهم العرقي المتنوع، للإفطار كل يوم في المركز الإسلامي بمدينة رسيف (ريسيفي) البرازيلية. وخلال شهر الصيام يزداد إقبالهم، وخاصة الأفارقة منهم، على المركز الذي تم تأسيسه سنة 1989. الصحفي أكرم غوزيلديري التقى في هذه المدينة بعض المسلمين وينقل آراءهم لموقع قنطرة.

الكاتبة ، الكاتب: Ekrem Güzeldere

منذ 26 من شهر يونيو/ حزيران 2014 على الأقل غدا اسم رسيف معروفا لدى جزء كبير من الرأي العام الألماني. ففي ذلك التاريخ انتصر الفريق الوطني الألماني لكرة القدم بصعوبة على نظيره من الولايات المتحدة الأميركية بنتيجة 1 مقابل 0، وكان ذلك في ملعب "أرينا بيرنامبوكو" الواقع في ضواحي هذه المدينة. رسيف، التي اشتُقّ اسمها من كلمة تعني الشعاب المرجانية، هي خامس مدينة في البرازيل ويسكن فيها 3,7 مليون نسمة، وتضاف إليها أوليندا الواقعة شماليها والتي صنفتها منظمة اليونسكو معلما من التراث العالمي منذ سنة 1982.

وتعد رسيف بالنظر إلى الخصوصية التاريخية للبرازيل مدينة عتيقة. فقد تم اكتشاف المنطقة وإعمارها من طرف البرتغاليين سنة 1537، ومنذ سنة 1630 حتى سنة 1654 أصبحت  تحت سيطرة الهولنديين. في تلك الفترة، وفي سنة 1636 بالتحديد تم بناء أول كنيس يهودي في أمريكا داخل المدينة العتيقة التي تمتد فوق جزيرتين متقابلتين، وهو ماجعل رسيف تسمى بفينيسيا البرازيل.

غير بعيد من الكنيس الذي تحول منذ 1991 إلى متحف يوجد المركز الإسلامي للمدينة. وRua da Gloria، أو ما معناه شارع المجد هو جزء من المدينة العتيقة، لكنه لايوجد في الحقيقة فوق أرض الجزيرة، بل فوق الطرف البرّي من المدينة. أما فيما يتعلق بالمجد فيبدو أن المسألة لم تعد سوى ذكرى من الماضي: بيوت واطئة بطابق واحد قد تفتت كلس جدرانها التي تقشرت، وفي إحدى تلك البنايات التي تحمل رقم 353 توجد لافتة تحمل عبارة "المركز الإسلامي في رسيف".

جالية صغيرة

يتراءى المركز المتواضع في هيأة أنبوب طويل يعبره ممر؛ في المدخل توجد غرفة صغيرة يجلس داخلها الإمام مبروك الصواي سعيد، المرشد الديني للجالية الإسلامية، ومعه زوجته ومسلمان برازيليان في انتظار ساعة الغروب الذي يحل هناك على الساعة السادسة وخمسة عشر دقيقة. فالفصل شتاء في البرازيل وهو ما يجعل البرودة والعتمة تحل مبكرا.

أما الفضاء الذي يحتل وسط البيت فقد جُعل منه قاعة للصلاة، بينما الجزء الخلفي مخصص للمطبخ وبيوت الاستحمام. الإمام مبروك الذي يبلغ 75 سنة من العمر، من أصل مصري كان قد درس بجامع الأزهر بالقاهرة. جاء سنة 1988 إلى ساو باولو ليؤسس مركزا للمسلمين هناك، وفي سنة 1992 انتقل إلى رسيف حيث غدا منذ ذلك الوقت المرشد الديني المحلي. "تتكون جاليتنا من 40 عائلة من البرازيليين والأجانب"، يقول الإمام.

Das "Islamische Zentrum Recife" von außen; Foto: Ekrem Güzeldere
Die gemischte muslimische Gemeinde trifft sich jeden Abend zum gemeinsamen Fastenbrechen im Islamischen Zentrum.

عائلات! غير أن الكلمة لا تنطبق على الكثيرين من الشبان الأفارقة الذين جاؤوا أفرادا إلى البرازيل وهم من غير المتزوجين. هؤلاء المسلمون الأفارقة قادمون من السنغال والمغرب والجزائر وتونس ومصر، وقد انضاف إليهم مؤخرا قادمون من الكامرون. إلى جانبهم يوجد أيضا مسلمون من فلسطين ولبنان والعراق. ولئن كان البرازيليون بحسب ما يفيد به الإمام قد أصبحوا في الأثناء يمثلون أغلبية بين المسلمين، إلا أن عدد الحاضرين منهم في ساعة الإفطار يمثل أقلية ضئيلة تتكون من رجلين وامرأة مقابل عشرين شخصا من غير البرازيليين.

واحدة من البرازيليين الحقيقيين أبا عن جد هي ماريا إيزابيل، امرأة منحدرة من مدينة صغيرة قريبة من رسيف. "أنتمي في الأصل إلى عائلة كاثوليكية محافظة جدا"، تقول ماريا. "لكنني في أواخر الثلاثينات من عمري قد أصبح لدي إحساس بأن شيئا ما ينقصني في المسيحية، وهي تلك العلاقة الحميمية بالله. و لم يكن انتقالي إلى العقيدة الإسلامية بالأمر السهل عليّ كما على عائلتي، إلا أنهم وبعد مرور ثلاث سنوات قد قبلوا بالأمر".

ماريا إيزابيل محجّبة بطريقة صارمة وترتدي قميصا مقفلا وبأكمام طويلة فوق فستانها الطويل، وتقول عن ذلك: "هذا نمط لباسيّ لا علاقة له بالطريقة المتداولة لدى البرازيليات، خاصة في هذه المنطقة الشمالية الغربية المغمورة بالحر والرطوبة. والناس يجدون هنا صعوبة في التعود على هذا الأمر. أحيانا يسألونني إِنْ كنت مريضة أو أعاني من آلام في الأذنين، لكن في ما عدا هذا ليس هناك من مشكل في ذلك".

واحد آخر من المنضمّين الجدد للإسلام هو ألبرتو الذي اعتنق الديانة الإسلامية قبل ثماني سنوات، ويؤدي فريضة الصوم منذ ذلك الحين: "أكبر صعوبة كانت في الصيام لأول مرة"، يقول ألبرتو وهو يتناول تمرا وقهوة. ويضيف: "ففي البداية لا يدري المرء ما الذي سيحصل له، وكيف ينبغي عليه أن يتصرّف، لكن بدءا من المرة الثانية لم تعد هناك من مشكلة في الصيام". ويفسر لنا ألبرتو لماذا يمثل السنغاليون أغلبية داخل الجالية المسلمة الصغيرة، قائلا: "كان إخواننا السنغاليون يعملون في التجارة في الأرجنتين، لكن، وبسبب الأزمة الاقتصادية التي شهدتها البلاد في السنوات الأخيرة جاء في البداية واحد منهم إلى رسيف، وبما أنه توجد هنا خيارات أفضل للعمل فقد تبعه آخرون".

تآزر متبادل

أحد هؤلاء السنغاليين هو أبو بكر، الذي أتى قبل خمس سنوات إلى رسيف وأصبح يعمل في متجر للتصدير والتوريد، ويقول في سياق رمضان: "إن الصيام في البرازيل حاليا أسهل بكثير مما في السنغال، فالطقس هنا أقل حرارة والغروب يحل في ساعة مبكرة جدا، فالإفطار في السنغال يكون في الساعة الثامنة مساء حاليا. لكن عندما يكون الصيام صيفا في البرازيل فإن الأمر لن يكون سهلا هنا أيضا".

أحد الأعضاء القدامى في الجالية هو الجزائري بن عاشور الذي يقيم منذ 23 سنة في البرازيل. وبن عاشور أستاذ في جامعة بارنامبوكو متخصص في الكيمياء وعلوم الهندسة. "في الأثناء أصبح زملائي يعرفون ماذا يعني رمضان ولم يعد هناك من أحد يسألني إن كنت أريد أن آكل أو أشرب. الأمر لا يمثل أية مشكلة في الجامعة، فالبرازيليون أناس على درجة عالية من الاحترام والتسامح".

خلال شهر رمضان يقبل عدد أكبر من المعتاد من الناس على المركز الذي تم تأسيسه سنة 1989. "العمال الأفارقة ليسوا من الذين يتقاضون أجورا مرتفعة. وغالبا ما تسمح عائدات الزكاة بأن يجدوا هنا أكلا وشرابا مجانا. وأصحاب الكسب الأفضل هم الذين يتحملون النفقات"،  كما يوضح الإمام بعد تناول لقمة أولى وبعض الحبوب.

يفتح المركز أبوابه كل أيام الأسبوع عدا يوم الأحد، وإلى جانب الصلوات، يقدم دروسا في اللغة العربية والديانة الإسلامية. وبتعاون مع الجالية الإسلامية في مدينة ساو باولو التي توجد فيها أكبر جاليات المسلمين في البلاد، يريد مسلمو رسيف بناء جامع بمساحة أكبر اتساعا وأكثر راحة. وهو مشروع لن يكون سهل الإنجاز على أية حال في وسط المدينة الذي تسوده الفوضى والاكتظاظ العمراني.

 

أكرم غوزيلديري

ترجمة: علي مصباح

تحرير: علي المخلافي

حقوق النشر: قنطرة 2014