أول رمضان بعد مبارك: توتر سياسي وشكوى من الأسعار

يستعد المصريون لاستقبال أول رمضان بعد ثورة 25 يناير التي أطاحت بنظام بمبارك. ويرى معظم الناس أن الأحداث السياسية الملتهبة وارتفاع أسعار السلع الرمضانية، وسط غياب الرقابة، يؤثران بشدة على سعادتهم بقدوم الشهر الفضيل. نيللي عزت من القاهرة والمزيد من التفاصيل



"كريمة" ربة منزل تعيش حالة من القلق على مستقبل بلدها مصر في هذه الأيام حسبما تقول لدويتشه فيله. وتضيف كريمة، فور خروجها من أحد متاجر السلع الغذائية الكبرى، أنها لم تشتر سوى القليل جدا لأن الأسعار ارتفعت بصورة غير طبيعية عن رمضان الماضي. وتؤكد أن المتاجر سواء الكبيرة أو الصغيرة لا تشهد إقبالا كبيرا كالعادة قبل كل رمضان وذلك لأن هناك ارتفاعا كبيرا في أسعار السلع الرمضانية نظرا لغياب الرقابة وغياب وزارة التضامن الاجتماعي التي لم تعمل بكامل طاقاتها بعد.

جشع التجار وارتفاع الأسعار وسط غياب الرقابة

الصورة دويتشه فيله
ارتفاع الأسعار تدفع بالناس بعدم المجازفة ببشراء الكثير من المواد قبل رمضان

​​

"نسمع في التلفزيونات أن الحكومة ستسيطر على الأسعار وتعاقب التجار الذين يستغلون الفرصة لرفعها ولكن على أرض الواقع لا يحدث ذلك. فالتجار جشعون ويضعون المستهلك أمام الأمر الواقع: إما أن يشتري لتلبية حاجات بيته بالسعر العالي أو ينصرف دون شراء ويشعر بالحزن لأنه لا يستطيع أن يوسع على عائلته في الشهر الكريم"، هذا ما تقوله كريمة بحسرة.

وتشير إلى أن الأسر كلها تشتري فقط كميات قليلة جدا منها ربع كيلو فقط من كل سلعة، وتؤكد أن سلعة مهمة في رمضان كـ" قمر الدين" ارتفع سعرها من 4 جنيهات العام الماضي إلى 11 جنيه وذلك لأن معظمها يستورد من سوريا التي تعيش اضطرابات سياسية. كذلك المشمشية ارتفعت هذا العام إلى 40 جنيها بدلا من 15 العام الماضي، بالإضافة لارتفاع أسعار اللحم والدجاج وحتى الأسماك. "وحتى شراب العرقسوس، الذي يعد شرابا رمضانيا رخيص الثمن، وصل سعر الكيلو منه إلى 20 جنيها بدلا من 8 جنيهات، بالإضافة لارتفاع كافة أسعار المكسرات وحتى البلح".

وتروي لدويتشه فيله أنها لا تشعر بنفس السعادة التي كانت تستقبل بها رمضان كل عام نظرا للتظاهرات التي تشهدها مصر والاضطرابات اليومية والمشكلات، مؤكدة أن قلقها على بلدها ومستقبل أولادها والأحوال الاقتصادية، التي تزداد صعوبة يوما بعد يوم، يجعلها لا تشعر بنفس البهجة الروحانية التي كانت تنتظرها كل عام.

أجواء مضطربة تصعب الشعور بالبهجة

ويتفق "عبد الله"، وهو موظف حكومي مع كريمة في أن الأجواء التي تسبق شهر رمضان هذا العام تجعل من الصعب الشعور بالبهجة الروحانية، ويضيف: "هناك حالة اكتئاب لا أعرف مصدرها رغم أننا قمنا بثورة عظيمة وتخلصنا من الطاغية مبارك ولكن ما يحدث يجعلنا لا نشعر بفرق بين مبارك وما نعيشه حاليا، بل إن أيامه ربما كانت الفوضى بها شيء من النظام ولكن الآن الفوضى غير مسبوقة والكثيرون فقدوا وظائفهم ومنهم ابني الذي كان يعمل في مجال السياحة".

ويروي عبد الله لدويتشه فيله أن هناك ارتباكا و سرعة ولم نجهز أرواحنا مثل كل عام لرمضان نظرا لتسارع الأحداث السياسية في مصر، مشيرا إلى أن ارتفاع الأسعار أمر حقيقي؛ فحتى البلح الذي كان رخيصا أصبح غاليا وأطلق عليه بلح الثورة، ولكن أرخص الأنواع جودته سيئة للغاية ويطلق عليه مساجين طرة ويصل سعر الكيلو منه 5 جنيهات.

ويرى أنه حتى فانوس رمضان لا يشهد إقبالا هذا العام لارتفاع سعره وأن الكثير من العائلات لن تشتري لأطفالها وربما سيكتفون بفانوس العام الماضي. ويؤكد أن الكثيرين "يتكدسون هذا العام في طوابير على "شنط" رمضان الخيرية الذين يحصلون عليها من الإخوان المسلمين أو من أحزاب أخرى تستغل حاجة الناس لدعمها في الانتخابات البرلمانية المقبلة، مؤكدا أن رمضان هذا العام يأتي بطعم سياسي وانتخابي، والناس مرتبكة ولا تفهم الكثير والكثير من الأشياء"، حسب قوله.

مليونيات إفطار جماعي

مجموعة من الشباب قابلتهم دويتشه فيله قدموا آراء مختلفة تماما، إذ رأى هؤلاء أن رمضان هذا العام هو "رمضان الحرية بعد أن كانت الناس نايمة لمدة 30 سنة وفاقت وحققت انجاز عظيم"،. ويشدد هؤلاء الشباب على أن رمضان 2011 لن يكون "رمضان مبارك" ولا "رمضان المجلس العسكري"، بل سيكون "رمضانا سعيدا مفمعا بالحرية والأمل"، بعد أن حقق المصريون ما يشبه المعجزة في إزاحة مبارك عن الحكم.

وتؤكد هذه المجموعة أن المظاهرات المليونية ستتواصل للضغط على المجلس العسكري لتحقيق مطالب الثورة. وفي رمضان هذا العام ثمة من يخطط لإقامة صلوات تراويح مليونية كما أن هناك ترتيبات من شباب وأحزاب سياسية على فيسبوك لتنظيم أول إفطار مليوني في أول جمعة من شهر رمضان في مصر كلها من الإسكندرية لأسوان وأن تتمركز بميدان التحرير بالقاهرة وتجمع المسلمين والأقباط معا. ومن هذه الدعوات إفطار جماعي في الخامس من الشهر المقبل تحت شعار "مسلم ومسيحي هنفطر سوا" بهدف استعادة أخلاق وروح الميدان.

رمضان بحضور محاكمة مبارك

من جانبه يرى الباحث الاجتماعي محمود عطية، في حوار مع دويتشه فيله، أن رمضان هذا العام مختلف ويأتي وسط إنجاز عظيم ولكن الكثيرين من عامة الشعب لا يشعرون بذلك نظرا لبطء المجلس العسكري في اتخاذ العديد من الخطوات الضرورية. ويشير عطية إلى أن "تحديد رمضان لمحاكمة مبارك هو أيضا نوع من التخاذل لأن الناس منشغلة بهذا الشهر وإقحامه أيضا شيء غريب"". ويؤكد عطية أن توتر الغالبية من الناس وقلقها وتأثير الأمور السياسية والأعباء الاقتصادية على روحانيات الشهر الكريم يعد أمرا طبيعيا لأن مصر تعيش مرحلة انتقالية ولذلك فمن الطبيعي أن تؤثر هذه القضايا في مشاعر الناس في الشهر الفضيل.

ولكنه يرى أن طبيعة المصريين المرحة لم تفارقهم حيث بدأت النكات تنتشر بين الناس؛ فمثلا التهنئة برمضان هذا العام لن تكون "رمضان مبارك" بل ستكون "رمضان مجلس عسكري"، في إشارة إلى التخلص من مبارك ولكن مجيء المجلس العسكري الذي يراه الكثيرون لا يختلف كثيرا عن الرئيس المخلوع. ويؤكد عطية أن الثورة غيرت الكثير من أفكار المصريين وعاداتهم وهذه سنلحظها في شهر رمضان أيضا. إذ من المتوقع أن يقاطع الكثير من المصريين المسلسلات التليفزيونية التي يقوم ببطولتها الفنانون الذين دافعوا عن مبارك والآن يحاولون مصالحة الجمهور من خلال أعمال ضد الفساد والظلم وتهاجم النظام السابق. ويشير الباحث المصري إلى أن المقاطعة تهدف لإيقاظ الناس وإثارة وعيهم بعدما كان النظام السابق يستخدم هذه المسلسلات وينفق عليها الملايين من التليفزيون الحكومي لإلهاء الناس عن فساده.

 

نيللي عزت ـ القاهرة

مراجعة: أحمد حسو

حقوق النشر: دويتشه فيله 2011