مقارنة بين ديمقراطيات عربية ناشئة وغربية راسخة

في حوار عالمي فريد عبر شاشات الفيديو بعنوان "رسم خريطة الديمقراطية"، ناقش خبراء من أوروبا والعالم العربي واقع الحركات  الاحتجاجية الغربية والعربية في ظل فقدان الثقة بالسلوك الديمقراطي في الغرب وتبلوُر الديمقراطية في العالم العربي، كلاوديا منده حضرت هذا الحوار ووافتنا ببعض جوانبه.

في تجربة حوارية عالمية فريدة في شكلها، تناولت واقع الديمقراطية في الشرق والغرب وضمَّت عدداً من الخبراء من مختلف الجنسيات تواجدوا بشل متزامن في مُدن مختلفة في أنحاء العالم وتواصلوا عبر شاشات الفيديو، خلُصَ المشاركون إلى أنَّ الديمقراطية هي مبدأ مثالي مُعَرَّض للخَطَر لم يتم بلوغه بشكل كامل على المستوى العالمي. فعدم رضا الشعوب عن السياسيين موجود حتى في الغرب، أما في الشرق كما في حالة مصر ما بعد الثورة فإن الديمقراطية تمُر في مرحلتها الثانية من التطور.

وفي إطار هذه الفعالية، ناقش فنانون وخبراء من القاهرة ومدريد وميونخ مستقبل مشاركة الشعوب في الديمقراطية وفي السياسة وأشكال الحركات الاحتجاجية العالمية. وحضر للمشاركة هذه الفعالية عدد من الزوّار الألمان في مسرح "كامَرشبيلِن" الشهير في مدينة ميونخ، حيث طرحوا أسئلتهم على مديرة الحوار "جيارلدين دو باستيون" وأيضاً غَرّدوا باستفساراتهم عبر تويتَر. وتأتي هذه الفعالية ضمن مبادرة "رسم خريطة الديمقراطية" العالمية، التي يرعاها معهد غوته الألماني، ويُدلي فيها المشاركون بدلوهم حول الديمقراطية، بشكل متزامِن عبر وسائل الاتصال المرئية.

احتجاجات ميدان التحرير 2010. د ب أ
احتجاجات ميدان التحرير 2010 : "الديمقراطية ليست هدفاً في حد ذاتها، بل إنها وقبل كل شيء أداة يشارك من خلالها جميع المصريين في تشكيل حاضرهم ومستقبل بلدهم"، كما ترى مصممة الرقصات كريمة منصور.

​​

الفجوة بين الحاكِم والمحكوم

وتناول الحوار مصر مثلاً، حيث أظهرت الاحتجاجات الجديدة في ميدان التحرير مدى هشاشة عملية الانتقال الديمقراطي في أرض الفراعنة. إذْ لم يتم التوافُق، لأشهر عديدة، على دستور للبلاد. كما تم حَلّ البرلمان المصري المنتخب، وذلك بقرار من المجلس العسكري في يونيو 2012. وعلى منصة الحوار في القاهرة، اتفقت الفنانة المصرية هالة جلال ومصممة الرقصات كريمة منصور على أنَّ الديمقراطية ليست هدفاً في حد ذاتها، بل إنها وقبل كل شيء أداة يشارك من خلالها جميع المصريين في تشكيل حاضر ومستقبل بلدهم.

ومن الأمثلة التي ذكَرَتها كريمة منصور، المديرة الفنية لمركز الرقص المعاصر في القاهرة، أنه حدث لها وأنْ انضمَّت إلى مجموعة من الفنانين المستقلين، وسعوا معاً إلى العمل على إعادة هيكلة وزارة الثقافة المصرية، لكنهم اصطدموا بحائط الرفض. فقد تم رفض مطالبهم من قِبَل مسؤولي الوزارة بشأن الشفافية وحرية معرفة المعلومات حول الميزانية المخصصة للفعاليات الثقافية التي تقيمها الوزارة.

لكن كريمة منصور ترى أن هذه الفجوة بين الشعب والسلطة الحاكمة موجودة في جميع أنحاء العالم، وليست محصورة على مصر فقط، وتقول مخاطبةً محاوريها عبر كاميرات الفيديو في في هذا المنتدى العالمي: "أعتقد أننا جميعاً نتحدث عن الشيء نفسه، حتى لو كنا نستخدم في بعض الأحيان مصطلحات مختلفة. المسألة تتعلق في التغلب على هذه الفجوة العميقة بين مؤسسات الحكومة والشعب".

تظاهرات في العاصمة الإسبانية مدريد ضد السياسة التقشفية. أ ب
تظاهرات في العاصمة الإسبانية مدريد ضد سياسات التقشف المالية. هل فقدت الديمقراطية بريقها في الغرب؟

​​

الديمقراطية تفقد بريقها في الغرب

كما تناول الحوار الاحتجاجات في أوروبا والغرب إجمالاً، وبالتحديد أثناء الأزمة المالية، حيث فَقَدَ الناس إيمانهم بالطاقة الإبداعية للديمقراطية. ففي العقود الماضية كان الناس في الغرب متعودين على وجود أحزاب سياسية ذات برامج انتخابية مختلفة، ومنها أحزاب مُحَافِظة وأخرى يسارية. لكنّ المواطنين في الغرب باتوا حالياً يرون برامج كل الأحزاب على سوية واحدة وكأنها متناسخة، دون أي اختلاف بينها. وأضحى " السياسيون يتهافتون على الأسواق المالية ومنطقها المثير على المستوى العالمي"، كما يقول الباحث السياسي الإسباني خوردي فاكير فانيس.

وفي مواجهة ذلك، قامت إحدى مجموعات الاحتجاج في إسبانيا مثلاً، واسمها M15، بتحقيق نجاح كبير في استحداث أشكال جديدة من الاحتجاج، في مجابهة الأحزاب السياسية والبنوك والشركات. في حين يرى المخرج المسرحي الألماني شتيفان كايغي أن المسرح هو أيضاً شكل من أشكال الاحتجاج، ويقول: "حينما كنتُ في الأرجنتين عام 2001 في ظل الأزمة هناك، كان الناس يُقبِلون على المسارح بشكل كبير. فالمسارح كانت تعرض قضاياهم وتهيِّئ لهم الأجواء لمناقشتها، لينطلقوا بذلك من المسرح إلى الواقع المُعاش".

أما في ألمانيا فإن عالِم الاجتماع الألماني هارتموت روزا لا يجد أن وسائل التواصُل الاجتماعي، مثل فيسبوك وتويتر، قد ساهمت كثيراً في تغيير المسار السياسي. لكنه أشار إلى الاستياء الشعبي الواسع النطاق الذي تسببت به السياسة المالية المحلية بشكل خاص، وهو ما أدى إلى اندلاع احتجاجات للمواطنين الألمان ضد تكاليف بناء محطات سكك حديدية ومطارات جديدة، وكان أكثر ما يدفع باتجاه هذه الاحتجاجات هو الخشية من التفريط بالثروة الموجودة في البلاد، بسبب السياسات المالية الخاطئة من وجهة نظر المحتجين.

 

كلاوديا منده
ترجمة: علي المخلافي
تحرير: طارق أنكاي
حقوق النشر: دويتشه فيله 2012