إيران... جمهورية الخوف

يرى مهدي خلاجي، عالم من علماء أصول الدين الشيعة وتلقى تعليمه وتدريبه في جامعتي قُـم والسوربون، في هذه المقالة التحليلية أنه لابد من اعتبار الشعب الإيراني حليفاً استراتيجياً للغرب كونه يصبو إلى الديمقراطية والسلام في المنطقة، وكذلك أن احتجاجاته المستمرة تقدم للغرب الحجة الأكثر فعالية للتصدي لبرنامج إيران النووي.

خامنئي، الصورة: ا.ب
"إن ما يزعزع أركان الحكم في إيران، بل ويهدد وجود الإيديولوجية الإسلامية الحاكمة ذاتها، يتلخص في الضغوط التي يفرضها الشعب الإيراني من أجل الحصول على الحقوق الإنسانية والسياسية"

​​ يحكم نظام رجال الدين (الملالي) في إيران بالاستعانة بصيغة بسيطة: الفوز للأقدر على إثارة أعظم قدر من الخوف. إن "تحقيق النصر ببث الخوف " عبارة مجازية كثيراً ما نسمعها في العديد من خطب المرشد الأعلى آية الله علي خامنئي . والواقع أن هذه العبارة تشكل دليلاً موثوقاً به إلى التعرف على فلسفته السياسية.

لم يخترع خامنئي هذا الرأي، بل إنه رأي مستمد من القرآن وتقاليد المذهب الشيعي. فجنود الحرس الثوري الإيراني يرتدون زياً يحمل آية قرآنية تقول: "وأعدوا لهم ما استطعتم من قوة ومن رباط الخيل ترهبون به عدو الله وعدوكم وآخرين من دونهم لا تعلمونهم؛ الله يعلمهم". فضلاً عن ذلك فإن استراتيجية المهدي المنتظر في عقيدة الشيعة تتلخص في بث الرعب في نفوس كل أعدائه لدى عودته إلى الأرض.

بيد أن زرع الخوف في نفوس الآخرين يجعل المرء ذاته أكثر عُرضة للخوف، وليس هناك ما هو أكثر إثارة للخوف في نظر خامنئي وقادة الجمهورية الإسلامية من الديناميكية الاجتماعية التي أطلقتها الحركة الديمقراطية التي تختمر في البلاد.
ويبدو أن النظام مقتنع بأن احتمالات وقوع هجوم عسكري على برنامجه النووي ضئيلة. ولا يعتقد النظام أن العقوبات قادرة على التسبب في انهياره وعلى هذا فإن القوى الخارجية لا تبدو وكأنها تشكل تهديداً كبيراً.

الضغوط الداخلية

إن ما يزعزع أركان الحكم، بل ويهدد وجود الإيديولوجية الإسلامية الحاكمة ذاتها، يتلخص في الضغوط التي يفرضها الشعب الإيراني من أجل الحصول على الحقوق الإنسانية والسياسية. ولقد أعرب حسين صفر هرندي وزير الثقافة والإرشاد الإسلامي الأسبق عن هذه المخاوف حين قال "إن المواطنين الذين يريدون أن تكون الحكومة مسؤولة أمام الشعب يشكلون جزءاً من الحرب الناعمة ضد الجمهورية الإسلامية".

كانت الجمهورية الإسلامية طيلة ثلاثين عاماً تعتمد على قوة جهاز الأمن الداخلي في إخراس أصوات المعارضين والمنتقدين. والخوف يشكل حجر الزاوية في بناء الجمهورية الإسلامية. ولكن منذ الأزمة التي أعقبت الانتخابات الإيرانية في شهر يونيو/حزيران نَفَض الناس الخوف عن أنفسهم وأصبحوا هم من يخيفون الحكومة.

الحرس الثوري الإيراني، الصورة: د.ب.ا
"يعتمد خامنئي على الحرس الثوري باعتباره الحصن الذي يحمي نظامه"

​​ ويخشى خامنئي هذه الطفرة الاجتماعية إلى درجة مذهلة. فهو يخشى العلوم الإنسانية، والكتب، والفنون، والجامعات، وأقمار البث الفضائي، والإنترنت، بل وحتى الهواتف النقالة. وهو يرى أن الدولة لابد وأن تفرض سيطرتها على قدرة العامة على الوصول إلى الثقافة العالمية والتكنولوجيا. وإن لم يحدث ذلك فإن هذه القوى من شأنها أن تعمل على تقويض أركان الدولة.

شرعية خامنئي محل تساؤل

إن خامنئي خلافاً لمؤسس الجمهورية الإسلامية آية الله روح الله الخميني يفتقر إلى الجاذبية الشعبية والعِلم الغزير. والواقع أن شرعيته السياسية وسلطته الدينية محل تساؤل عميق، كما أدى العنف في الشوارع والوحشية في السجون أثناء الأشهر الأخيرة إلى تقويض سلطته وزعزعة قاعدته الاجتماعية. وباعتماده المتزايد على الحرس الثوري باعتباره الحصن الذي يحمي نظامه، فقد بنى خامنئي حاجزاً بينه وبين أي احتمال للتسوية.

والسياسة الخارجية التي ينتهجها خامنئي الآن أصبحت خاضعة تماماً للكيفية التي قد يتطور عليها الموقف الداخلي في إيران. وكما أظهرت الأشهر الأخيرة، فمن غير المرجح أن يفكر خامنئي في التسوية مع الغرب، إلا إذا خسر يقينه بأن كل شيء تحت السيطرة داخلياً. والأمر أشبه بالأرجوحة: حيث يعمل ضعف خامنئي داخلياً على تغيير موازين السياسة الخارجية الإيرانية.

مير حسين موسوي، الصورة: أ.ب
"حملات القمع المستمرة التي شنها النظام ضد المعارضة من شأنها أن تسفر عن نشوء دكتاتورية عسكرية"

​​ وعلى هذا ففي مستهل الأمر، وبسبب خوفه من العواقب التي قد تترتب على أزمة ما بعد الانتخابات، تَقَبَل النظام اقتراح الأول من أكتوبر/تشرين الأول في جنيف، والذي كان من شأنه أن يسمح بتخصيب اليورانيوم الإيراني تحت سيطرة الهيئات الإشرافية الدولية خارج البلاد. وفي شهر نوفمبر/تشرين الثاني، وحين تصورت الحكومة أن الوحشية في الشوارع كانت كافية لترهيب حركة الاحتجاج، فقد تراجع المسؤولون الإيرانيون عن هذه التسوية.

وبهذا المعنى فقد يكون بوسعنا أن ننظر إلى الشعب الإيراني باعتباره حليفاً استراتيجياً للغرب، ليس فقط لأنه يريد الديمقراطية في الداخل والسلام في المنطقة، بل وأيضاً لأن احتجاجاته المستمرة تقدم للغرب الحجة الأكثر فعالية للتصدي لبرنامج الجمهورية الإسلامية النووي .

دكتاتورية عسكرية إيرانية

إن هذا النظام غير قادر على البقاء على الأمد البعيد في وجود مثل هذه الأزمة السياسية التي يواجهها الآن. والواقع أن حملات القمع المستمرة من شأنها أن تسفر عن نشوء دكتاتورية عسكرية، في حين قد تؤدي التسوية مع حركة الاحتجاج إلى إنتاج حكومة توافقية شبه ديمقراطية. ولكن الحركة الديمقراطية لن تموت في كل الأحوال، بل إن هذه الحركة سوف تعاود الظهور بشكل مستمر، وذلك على الرغم من القمع الشديد على فترات قصيرة من الزمن، والذي قد يفرز ذلك النوع من التحديات التي تفرض تهديداً لوجود أي حكومة غير ديمقراطية.

إن دعم حقوق الإنسان والديمقراطية في إيران ليس مجرد مسألة أخلاقية، بل لابد وأن يشكل هذا الأمر أولوية استراتيجية بالنسبة للغرب. ولا شك أن تمكين الشعب الإيراني يعني إضعاف خامنئي وحلفائه العسكريين. ومن المؤكد أن خامنئي الأكثر ضعفاً سوف يكون أكثر ميلاً إلى التنازل على جبهة الملف النووي.

مهدي خلاجي
ترجمة: هند علي
حقوق النشر: بروجيكت سنديكيت/ قنطرة 2010.

مهدي خلاجي من علماء أصول الدين الشيعة، ولقد تلقى تعليمه وتدريبه في جامعتي قُـم والسوربون، وهو مؤلف كتاب "المرجع الأخير: السيستاني ونهاية السلطة الدينية التقليدية في المذهب الشيعي". وهو الآن باحث زائر بمعهد واشنطن لدراسات الشرق الأدنى.

قنطرة

إجراءات صارمة ضد المثقفين في ايران:
ايران تتجه الى المزيد من الدكتاتورية
تسعى الحكومة الإيرانية إلى القضاء على الحركة الثقافية المستقلة نسبيا، في نفس الوقت الذي تظاهر فيه ألوف الطلبة احتجاجا على القمع. تقرير من باهمان نيروماند.

تطور المؤسسة الدينية الشيعية:
أزمة إيران السياسية
فقدت المؤسسة الدينية الإيرانية خلال العقود الماضية استقلاليتها السياسية، كما أصبحت غير قادرة على ممارسة وظائفها التقليدية على الصعيد الديني بهدف توفير الدعم للمجتمع المدني في البلاد. مقال بقلم الباحث والعالم الشيعي مهدي خلاجي.

جدال حول الدين والديمقراطية في إيران:
الأصوليون يكتسحون المصلحين الإسلاميين
يلقي الجدال الديني-النظري الدائر ما بين المفكّر الإيراني عبد الكريم سروش والدكتور سيد حسين نصر الضوء على انقسام جناحي المحافظين والمصلحين الإسلاميين الذين يواجهون بعضهم الآخر في هذه الأيّام بشدة غير مسبوقة. تقرير فرج سركوهي.