تنوير يدعو للشك

منذ زمن لم يعد تناول موضوع نقص المناعة المكتسبة/الإيدز في إيران من المحرمات. تبذل الدولة جهدا من أجل أن تتمكن من زمام المشكلة. إلا أن الهوة تبقى كبيرة بين الأرقام الرسمية وحقيقة الواقع الإجتماعي. بقلم شهرام أهادي.

​​

"تعتبر منظمة الصحة العالمية WHO إيران من أقل الدول التي ينتشر فيها مرض نقص المناعة المكتسبة/الإيدز على مستوى العالم"، كما صرح بذلك قبل عامين الدكتور محمد مهدي غويا وكيل وزارة الصحة الإيرانية المختص بشؤون المرض.

بلغ عدد حالات الإصابة بعدوى فيروس نقص المناعة المكتسبة/الإيدز حتى أذار 2003 في إيران 4.237 حالة بحسب الأرقام الرسمية. و هي أعداد تبدو ضئيلة جداً بالمقارنة مع إحصائيات دول أسيوية أخرى.

إلا أن صحة هذه الأرقام تدعو لكثير من الشك. فكما يقول أحمد غفيدِل مدير "جمعية الاستعداد النزفي الإيرانية"، فإن "هذه الإحصائيات ليست مبنية على أسس صحيحة، لأنها تعتمد على حالات تسجيل المصابين بعدوى فيروس نقص المناعة المكتسبة/الإيدز بالمصادفة"، إذ "يتم إكتشاف معظم الحالات عند التبرع بالدم أو أثناء إجراء الفحوصات الطبية".

تبعات غياب الرؤية

الجهات الرسمية ألإيرانية تعتبر أن الإدمان على الهيروين هو المسبب الأول لتفشي مرض نقص المناعة المكتسبة/الإيدز في إيران اليوم. إستهلاك المخدرات له تاريخ في إيران، إلا أن ما يدعو للخوف حقيقة هو أن عدد الشباب الذين يقعون في شباك إدمان المخدرات في تزايد مستمر بسبب البطالة وغياب الرؤية و قلة الإمكانيات المتوفرة لملئ أوقات الفراغ.

الأخصائيون في إيران يتحدثون نسبياً بلا إشكاليات عن إدمان الهيروين وعن خطر تفشي وباء نقص المناعة المكتسبة/الإيدز عن طريق المدمنيين، بينما المناقشة الواضحة لمسألة تفشي الوباء عن طريق ممارسة الجنس معدومة، وإن وردت فبمقدار محدود جداً.

الجنس في إيران

إن ممارسة الجنس بدون الزواج أو قبله، هي مسألة غير مشروعة يعاقب عليها القانون في إيران. إلا أن واقع الحال غير ذلك تماماً. "إذا إنطلقنا من أن الذكور يشعرون عند بلوغ سن الخامسة عشر تقريباً بالحاجة الجنسية، و ان المعدل الوسطي لسن الزواج للرجال في بلادنا يتراوح بين 26 و 27 سنة" بحسابات أحمد غفيدِل، "يطرح السؤال نفسه، أين يلبي هؤلاء الشباب إحتياجاتهم الجنسية خلال هذه السنوات الإحدى عشر أو الإثنى عشر".

بالفعل أصبحت الدعارة في السنوات الأخيرة مشكلة حقيقية بالنسبة للمجتمع الإيراني وتدعو للريبة. وبسبب التردي الاقتصادي والإجتماعي تلجأ الكثير من الفتيات و النساء الى ممارسة الدعارة.

زواج مؤقت، لمدة تتراوح ما بين الساعة و السنة

الجدير بالإهتمام في هذا السياق هي ظاهرة الزواج المؤقت، و هي ظاهرة شائعة في إيران الشيعية. إلا أنها معدومة في الدول الإسلامية السُنية أو موجودة لكن بشروط. فترة الزواج المؤقت التي يُتفق عليها قبل عقد القران، قد تكون لمدة ساعة او لعدة أيام أو لعدة سنوات.

النساء اللواتي يرزحن تحت وطئة الحاجة المالية والإجتماعية هن من يقبلن بالزواج المؤقت في معظم الحالات. و من الممكن ان نسمي ذلك دعارة قانونية. على ضوء هذا الواقع تصبح الشكوك بالأرقام الرسمية المعطاة عن المصابين بفيروس نقص المناعة المكتسبة/الإيدز و بالمرض نفسه مفهومة.

أنصاف الحقائق في المدارس والتلفزة

التعريف بالخطر هو عامل أساسي لمكافحة وباء نقص المناعة المكتسبة/الإيدز. منذ سنوات تسعى إيران عبر "حملات مواجهة نقص المناعة المكتسبة/الإيدز" للحد من تفشي الوباء. إلا أن أنصاف الحقائق التي ترافق هذه الحملات المرة تلو الأخرى تؤدي لمفعول عكسي.

منذ فترة هناك مشاريع للتوعية بمرض نقص المناعة المكتسبة/الإيدز في المدارس ومشاريع لمراعاة الموضوع في المقررات المدرسية، إلا أنه من المجدي ملاحظة الدور التنويري الذي يلعبه الإعلام و بالأخص التلفزة.

"التلفزة الإيرانية حققت تحولاً نوعياً في السنوات الثلاث الأخيرة"، كما يقول غفيدِل. "إلا أن المعلومات ليست دائماً صحيحة. ولا يجري الحديث في التلفزة بوضوح وشفافية عن انتقال فيروس نقص المناعة المكتسبة/الإيدز عبر ممارسة الجنس. فيما هو منبع الخطر الأكبر في مجتمعنا."

شهرام أهادي

ترجمة يوسف حجازي

© DEUTSCHE WELLE/DW-WORLD.DE 2004