شباب ضائع

يتناول الكاتب الجزائري الشاب سالم باشي الجو السائد بين الشباب في بلد يحكمه العنف والكراهية والثأر."كلب أوديسوس" صدر قبل سنتين عن دار نشر غاليمار بالفرنسية وصدرت أخيرا الترجمة الألمانية.

شباب ضائع

"كلب اوديسوس" لسالم باشي

مدينة كيرتا هي أحد أبطال الرواية. هذه المدينة لا وجود لها كما يصفها سالم باشي، لكنها تحمل ملامح ثلاث مدن جزائرية: الجزائر، القسطنطينة وعنابة. كيرتا هو الإسم القديم للعاصمة النوميدية. وهي تمثل تاريخ الجزائر المتغير الذي يمتد آلاف السنين. جاء ت قبائل البربر وجاء الروم والعرب والإسبان والأتراك وأخيرا الفرنسيون وذهبوا. ما بقي هو الحصون والأزقة القديمة وقبل كل شيء تاريخ دموي لا يريد أن ينتهي في الحاضر أيضا. لا تسمح كيرتا لسكانها بالإفلات. إنها تورطهم في إعصار من العنف.

حسين، طالب علوم الأدب، يطوف في مسقط رأسه وينجرّ بصورة متزايدة إلى العنف. نرافقه في يوم واحد وحسب هو التاسع والعشرون من حزيران عام 1996. نتعقب نزهاته، أحلامه والأحداث التي يشهدها في هذا اليوم.

الكراهية والثأر

خلفية أحداث الرواية هي الحرب الأهلية الوحشية التي تعيشها البلاد منذ إلغاء الانتخابات البرلمانية عام 1991. قتل أكثر من مائة ألف إنسان منذ بداية التسعينات من قبل الإسلاميين الراديكاليين والجيش. كل واحد يخاف على حياته. قُتل صحفيون بالرصاص. اعتقل مارة بسطاء وعذبوا، وذبح سكان القرى. تغرق الجزائر في فوضى لا مثيل لها وتحكم فيها الكراهية والثأر.

يعمل حسين حارسا ليليا في فندق متداع، مخالفا تعليمات المالك المؤكدة، يؤجر أيضا غرفا لعاهرات. ويحصل لقاء هذا على خدماتهن مجانا. الجنس والمخدرات هما الإمكانيتان الوحيدتان لكسر الرتابة في حياته.

جيل بلا أمل

حسين وصديقه مراد والرفاق في مثل سنه جيل بلا أمل. لا تقدم لهم بلادهم هم الذين نشأوا في السبعينات والثمانينات أي مستقبل. لقد قاد جيل آبائهم الذين حاربوا ضد سلطة فرنسا الإستعمارية وأقاموا فيما بعد نظام الحزب الواحد، البلاد إلى الانهيار. لا يهم النخبة الحاكمة مثل الرائد سمارد إلا الدفاع عن امتيازاتها. يعترف مطارد الارهابيين في حديث له مع حسين أن ما يهمه ليس إنقاذ الدولة الجزائرية وإنما بالدرجة الأولى ألا يحدث تغيير. إنه لا يكافح الشر وإنما يخدم مصالحه الشخصية.
حين يحاول الرئيس محمد بوضياف أن يحارب الفساد بين مراتب الجيش العليا وفي أوساط السياسيين يطلق عليه أحد حراسه الرصاص. يحدث هذا في الرواية في كيرتا.

يعكس سالم باشي الجو السائد بين الشباب في التسعينات. فحسين يرى أن جيله يعيش برسم الخسارة. الآمال تختفي وشبابهم يتبدد. يذهب البعض إلى الجيش متطوعا. الطالب السابق سيف مثلا. لقد دفعه مسلك العنف الذي مارسه الإسلاميون ضد الطلبة إلى اتخاذ هذه الخطوة. يكون بعد تدريب ستة شهور أحد أفراد القوة المسلحة الخاصة للجيش الجزائري. الآن يقوم بعمله في أقبية التعذيب في كيرتا أو يواجه الإسلاميين المسلحين في الأحياء الفقيرة في المدينة. لقد تحول سيف إلى ماكنة قتل مضبوطة، لم تعد قادرة على التوقف من تلقاء ذاتها.

الصداقة

الشيء الوحيد الدائم والموثوق فيه في هذه الأوقات الصعبة هو الصداقة بين الرجال. إنهم يشتهون النساء ويحبونهن حب العبادة، لكن النساء غير مستعدات للمخاطرة. تدع سميرة حبيبها حميد يعتقد أنها ماتت في السجن. لكنه يلتقيها بعد سنوات في الشارع صدفة. لقد قبلت الزواج من أحد المنتسبين في القوات الخاصة. إنه يؤّمن لها حياة مادية مضمونة، أما حبيبها فعلى العكس لا يملك إلا الأحلام.

رواية سالم باشي الأولى "كلب أوديسوس" ليست كتابا سهلا. يوميات حسين تقطعها مداخلات كثيرة تختلف في لغتها واسلوبها أيضا. ولكن المؤلف الشاب ينجح في تقديم صورة للمزاج السائد في بلاده. إنه يصف عواطف الناس الذين يعيشون في جو العنف. ويظهر ما يدفعهم لممارسته.
يعيش المؤلف منذ 1997 في باريس. وكتابه ممنوع في بلاده. صدرت الترجمة الألمانية عن دار نشر لينوس السويسرية.

منى نجار، قنطرة
الترجمة: سالمة صالح