بلاد الرافدين- أيام رمضانية على وقع الهجمات الإرهابية

شهدت في اليوم الرابع من شهر رمضان المبارك أربع عشرة مدينة عراقية سلسلة انفجارات متزامنة حقَّق من خلالها تنظيم القاعدة الإرهابي رقمًا قياسيًا جديدًا منذ انسحاب القوَّات الأمريكية، حيث يستغل هذا التنظيم الإرهابي تجمعات الناس في هذا الشهر الفضيل من دون مراعاة حرمته. برغيت سفينسون تسلط الضوء على آخر المستجدات في العراق.

الكاتبة ، الكاتب: Birgit Svensson



أعلنت وزارة الداخلية العراقية قبل يومين من هذا الجحيم عن إلقاء القبض على زعيم تنظيم القاعدة في بغداد، وقبل أسبوع من ذلك عن قتل عدد من زعماء تنظيم القاعدة في محافظة الأنبار السنِّية. وكذلك اكتشف المحقِّقون في شهر نيسان/أبريل الماضي أحد قياديي تنظيم القاعدة في محافظة تكريت.

وذكر أنَّ الشرطة قضت تمامًا على الخلية الإرهابية التي كانت موجودة في محافظة ديالى. وفي نهاية العام الماضي انسحبت القوَّات الأمريكية من العراق وأعلنت أنَّها قضت على تنظيم القاعدة وأنَّ هذا التنظيم لم يعد يشكِّل خطرًا حقيقيًا، وأوضحت أنَّ عدد المسؤولين عن الإرهاب في العراق لا يتجاوز على أقصى حد خمسة آلاف إلى عشر آلاف مقاتل.

ومن ثم كانت المفاجأة، إذ انفجرت في الوقت نفسه تقريبًا اثنان وعشرون عبوة ناسفة في أربعة عشر مدينة عراقية يوم الرابع والعشرين من الشهر الجاري تموز/يوليو 2012. وهذا اليوم هو الأكثر دموية في العراق منذ شهر أيَّار/مايو 2010. فقد أسفر عن قتل نحو مائة شخص وجرح ضعف هذا العدد.

وكذلك انفجرت في الأيَّام التالية والأسابيع السابقة عبوات ناسفة بشكل منتظم في جميع أنحاء البلاد. وعدد الضحايا الذين سقطوا في شهر حزيران/يونيو الماضي يساوي عدد من قتلوا قبل عامين، عندما تراجع الإرهاب وكان العراقيون يأملون في حياة طبيعية وسليمة. والأرقام تبيِّن ذلك، فقد كان شهر تشرين الثاني/نوفمبر 2011 وفقًا للموقع المستقل الذي يحصي عدد القتلى المدنيين "إحصاء عدد القتلى في العراق" الشهر الأكثر سلامًا منذ الغزو الأمريكي والبريطاني على العراق قبل تسعة أعوام. ومنذ ذلك الحين ارتفع عدد القتلى من جديد. فهل ستدور عجلة الإرهاب الآن إلى الخلف؟

ثقافة الإرهاب الدموية

د ب ا
سلسلة من الهجمات في شهر رمضان - ازدادت في الأعوام الماضية وتيرة التفجيرات المنظَّمة التي شهدها العراق في شهر رمضان، حيث يستغل الإرهابيون نقاط الضعف التي تنشاء في هذا الوقت من كلِّ عام.

​​وبعد بضعة أيَّام من هذه الهجمات أعلن تنظيم القاعدة مسؤوليته عنها مثلما توقَّعت الجهات الأمنية في بغداد. وتحمل سلسلة الهجمات هذه بصمات تنظيم القاعدة الذي سبق له في الماضي القيام بتفجيرات منسَّقة في شهر رمضان.

وفي هذه الفترة بالذات ازدادت الهجمات الانتحارية في العراق. فقد تمكَّنت في شهر رمضان في عام 2005 شاحنتان محملتان بالمتفجرات من الوصول إلى موقف للسيَّارات يقع بين أكبر فندقين على ضفاف نهر دجلة في بغداد وانفجرتا هناك. وكان هذا الانفجار قويًا للغاية بحيث أدَّى إلى تحطيم زجاج جميع النوافذ الموجودة ضمن دائرة قطرها مائتي متر. وقتل في داخل الفندقين نحو مائة شخص كما أصيب الكثيرون ولحقت بالفندقين أضرار كبيرة ما تزال واضحة للعيان حتى الآن. إذ تم تدمير الطوابق السفلى تدميرًا تامًا. وكانت نقطة التفتيش الواقعة عند المدخل المؤدِّي إلى الفندقين خالية ولذلك لم يصب في هذا الهجوم رجال الأمن الذين كانوا يتناولون طعام الإفطار.

وبعد ذلك بعام تمكَّن انتحاري من الوصول إلى بهو فندق آخر بعد أن نام حارس الأمن بسبب الإرهاق. وفجَّر هذا الانتحاري حزامه الناسف ما أسفر عن قتله وقتل ثلاثين شخصًا. وكذلك كانت التفجيرات التي وقعت في فترة ما بعد الظهر في بعض الأسواق داخل مدينة الصدر شمال شرق بغداد في شهر رمضان في عام 2007 دموية للغاية، وذلك لأنَّ معظم الأهالي هناك يذهبون للتسوّق في هذه الفترة من أجل الإفطار، حيث تستغل الجماعات الإرهابية تجمعات الصائمين من دون مراعاة حرمة رمضان.

وفي معظم هذه الحالات أعلن تنظيم "دولة العراق الإسلامية" الذي يتبعه أيضًا تنظيم القاعدة وجماعات إرهابية أخرى مسؤوليته عن هذه التفجيرات. لذلك كان من الواضح منذ البداية بالنسبة للجهات الأمنية العراقية أنَّ تنظيم القاعدة هو المسؤول أيضًا عن سلسلة الهجمات التي وقعت في بداية شهر رمضان وأسفرت عن قتل الكثيرين.

جمود سياسي واقتصادي

الماكي روتر
أزمة سياسية مفتوحة - تتَّهم مختلف التيَّارات السياسية في العراق رئيس الوزراء نوري المالكي الذي يعدّ من الغالبية الشيعية بالاستبداد واحتكار السلطة ويطالبونه أيضًا بالاستقالته منذ عدة أشهر.

​​ولكن من الذي يقف في الحقيقة خلف هذه التفجيرات وقبل كل شيء من الذي يموِّل مثل هذه الهجمات الدامية؟ تتحدَّث بعض المصادر الاستخباراتية عن أنَّ تنظيم "دولة العراق الإسلامية" بالذات يعاني من صعوبات مالية كبيرة وأنَّ أكثر الهجمات التي يتم تنفيذها في العراق هي اغتيالات مؤجورة وأنَّ "الإرهاب في العراق له دوافع سياسية"، مثلما يقول يونادم كنَّا الذي يعدّ واحدًا من النوَّاب المسيحيين القلائل في البرلمان العراقي.

وتشهد بلاد الرافدين منذ انسحاب القوَّات الأمريكية في نهاية العام الماضي أزمة حكومية متواصلة. وقد حاولت المعارضة طيلة أشهر التصويت على حجب الثقة عن رئيس الوزراء نوري المالكي من أجل عزله من منصبه ولكن من دون جدوى. ومن جانبه يُتهم نور المالكي بأنَّه يستحوذ على الكثير من السلطة ويريد قبل كلِّ شيء إبعاد المواطنين السنَّة عن سدة الحكم.

ويعد ائتلاف دولة القانون بزعامة نوري المالكي ثاني أكبر ائتلاف في البرلمان العراقي ورغم أنَّ منافسه إياد علاوي فاز بمقعد أكثر ولكنه مع ذلك لم يتمكَّن من جمع أغلبية تمكَّنه من تشكيل حكومة. وفي اتفاق الائتلاف الذي وقعه نوري المالكي قبل عامين مع الأحزاب السياسية الشيعية والأكراد من أجل تشكيل "حكومة وحدة وطنية" تم تخصيص وزارات رئيسية مثل وزارة الداخلية وكذلك وزارة الدفاع لإياد علاوي. وكان يتعيَّن في الوقت نفسه أن يرأس الفائز الحقيقي في الانتخابات دائرة للأمن والرقابة كان من المفترض تأسيسها.

ولكن لم يحدث شيء من هذا منذ ذلك الحين. كما أنَّ المالكي يتولى قيادة الوزارات الرئيسية بالوكالة ولم يعد هناك من يتحدَّث اليوم حول دائرة الأمن تلك. وصحيح أنَّ إياد علاوي شيعي مثل نوري المالكي ولكن معظم الأحزاب السنِّية تقف خلفه. ومنذ عدة أشهر صار النزاع الدائر بين هذين الرجلين يمتد الآن إلى المشهد السياسي في العراق ويؤدِّي إلى إصابة البلاد بالشلل. وحاليًا لا يتم تطوير أي شيء في العراق ما عدا قطاع النفط. كما تشهد البلاد جمودًا سياسيًا واقتصاديًا مدمرًا بالنسبة للمواطنين.

تاريخ مليء بالعنف

وفي حين أنَّ المصريين ينفِّسون عن غضبهم واستيائهم من السياسيين وذلك من خلال خروجهم إلى الشوارع في مظاهرات سلمية حاشدة، تنفجر سلسلة انفجارات في العراق الذي ترسَّخت فيه المقاومة العنيفة. وفي هذا الصدد يقول الأستاذ فريد جاسم حمود: "تسود لدينا في العراق ثقافة العنف". ونشر مؤخرًا عميد كلية القانون في جامعة كركوك، الدكتور فريد جاسم حمود كتابًا حول هذا الموضوع تناول فيه مختلف أشكال العنف في العراق. وفي هذا الكتاب يحتل فصلا العنف في السياسة والتعصب الديني مكانة مهمة. وتعتمد أطروحات حمود على دراسة تم إجراؤها بتكليف من الإدارة الأمريكية قبل انسحاب القوَّات الأمريكية من العراق. وطبقًا لهذه الدراسة يرى خمسة وسبعون في المائة من العراقيين الذين استطلعت آراؤهم أنَّ المتدينين المتعصبين يشعلون نار الإرهاب في بلدهم وأنَّ السياسيين يسيؤون استخدامه.

وإذا بحثنا في تاريخ العراق فسنجد العديد من الدلائل التي تثبت استخدام العنف في حالات النزاع. إذ ترك استبداد وطغيان صدام حسين الذي ذبح شعبه بوحشية عندما ثار عليه الأكراد والشيعة بصماته على الناس في العراق مثلما فعلت أيضًا الحرب الأهلية في المناطق الكردية في شمال العراق منتصف التسعينيات عندما كانت في تلك الحقبة عشائر البارزاني والطالباني ما تزال متعادية وتخوض نزاعات دموية ضد بعضها. وكذلك كانت أيضًا مقاومة العراقيين للاحتلالين البريطاني والعثماني مليئة بالعنف عندما كان يخوض العراقيون معارك شرسة مع هذين الاحتلالين.

ويقول دبلوماسي غربي في تحليله الاختلاف بين عقلية الشعبين المصري والعراقي إنَّ "المصريين قد احتضنوا محتلي بلادهم". ويذكر ضمن هذا السياق نابليون الذي يعدّ مؤسس علم الدراسات المصرية وكذلك الوالي العثماني محمد علي الذي ما يزال المصريون يحترمونه حتى يومنا هذا. ويضيف "بينما كان العراقيون يحاربون دائمًا محتلي بلادهم".

 

 

برغيت سفينسون
ترجمة: رائد الباش
مراجعة: هشام العدم
حقوق النشر: قنطرة 2012