صناعة الخيزران في غزة ضحية المنتجات الصينية

تعتبر حرفة صناعة الخيزران من التراث الفلسطيني واشتهر بها أبناء قطاع غزة عبر عقود، إذ كانت من وقت قريب تنتشر محال الحرفين القائمين عليها. غير أنها باتت تتهاوى اليوم وسط تحذير بانقراضها. شوقي الفرا من غزة والمزيد من التفاصيل.



منذ قرابة عقد مضى إذا ما تجولت في شوارع قطاع غزة خاصةً سوق فراس وسوق غزة القديم تجد الانتشار اللافت لمحال الحرفيين الذين يعملون في صناعة الأثاث المنزلي المصنوع من عيدان الخيزران، الذين كانوا يتسابقون ويتنافسون على تزين واجهات محالهم بأبدع منتجاتهم اليدوية التي كانت تبدو للمتسوق وكأنها لوحة فنان جميلة. إلا أن هذا المشهد المرتبط بالإرث الفلسطيني اختفي تماما بشكل مفاجئ. إلى ذلك اتجهنا جنوبا إلى مدينة خان يونس لم نجد سوى حرفي واحد قَدِمَ من غزة عام 2008 ليفتتح متجره الوحيد في المدينة. وهكذا وجدنا حال كافة مُدن القطاع.

أيام الازدهار..هل ستعود؟

الصورة شوقي الفرا
المنتجات الصينية تهدد سوق الخزف في قطاع غزة

​​انتشرت صناعة الخيزران في قطاع غزة مطلع القرن التاسع عشر، وازدهرت مطلع ستينيات وسبعينيات القرن العشرين. ولا يكاد يخلو اى بيت غزى في هذه الفترة الزمنية من منتج الخيزران. في مدينة خان يونس أبو جمال الأيوبي، الحِرفي الوحيد الذين مازال يمتهن هذه الحرفة التراثية. فى حواره مع دويتشه فيله يقول:" جئت من غزة إلى خان يونس من أربع سنوات بعد توقف كافة الحرفيين فى خان يونس عن مزاولتها". مضيفا:" كلهم أغلقوا محالهم ومصانعهم إلا أنا هنا". وعند سؤالنا عن سبب ذلك؟ أجاب بأنه ورث هذه الحرفة من والده ويعمل بها منذ 28 عاما في المنطقة الصناعية شمال قطاع غزة. وأشار" إسرائيل أغلقت المنطقة الصناعية عام 2005وصرنا عاطلين عن العمل". فسألناه باندهاش؟ ما علاقة ذلك بباقي الحرفين خارج المنطقة الصناعية؟ فأجاب مع ارتسام ملامح الضيق على وجهه:" إحنا بنشتغل حسب الطلب يعني كيف نصدر؟ ولمين نبيع؟..كنا بنبيع للضفة ولإسرائيل والخارج هلقيت (الآن) كل هذا واقف". موجها سؤاله:" أيام الازدهار هذه هل ستعود؟".

أسباب متعددة لتهاوي الحرفة


وأثناء حديثنا مع ابوجمال انهمك في عمله بسرعة كبيرة وكان يساعده احد العاملين معه، عازيا ذلك إلى اقتراب موعد قطع الكهرباء، مبينا "انقطاع الكهرباء في قطاع غزة عشر ساعات يوميا من اكبر المشاكل اللي بنواجها". مشيرا أن ذلك سيتطلب أياما مضاعفه للإنتاج ما يسبب له خسائر واحراجات مع زبائنه. وأثناء الحديث اقتربت الساعة الثانية والنصف ظهرا فانقطع التيار الكهربائي، وقال:" الآن بنتكلم براحتنا خَلَص وقف الشغل لبكرة". فسألته عن معوقات أخرى؟ وبيَنَ أن منع إسرائيل منذ خمس سنوات إدخال المواد الخام لحرفته هي المعوق الأكبر. منوها:" كل الخيزران والدبابيس بنجيبها عن طريق الأنفاق وهذا بكلفنا كثير". مشيرا إلى ستة أنواع من الخيزران المُهرب يتم استخدامه كالمَطوي الذي يوضع في الماء، والمَلكان العُود والمُقشر الذي يُثني بالنار والقش والأَمُويل والفرعوني. أما محمد الدالي الذي ترك وآباؤه هذه المهنة يشير لدويتشه فيله أن المنتج الصيني من الخيزران رغم رداءته إلا انه انتشر في الأسواق لتدني أسعاره عن المحلي مبينا :"انه من بين أسباب تهاوي تلك الحرفة".

حرفة الآباء يتمسك بها الأبناء لتبقى


الصورة شوقي الفرا
أحد المشترين:"كانت وما زالت صناعة الخيزران ارق واحلي من الخشب.."

​​ومازال صامدا فى هذه المهنه أبو ناهض خلف وأبو رائد المظلوم اللذان امتهنا هذه الحرفة منذ أربعة عقود. زياد خلف الذي بدأ والده هذه الصناعة منذ عام 1929 في مدينة غزة يقول:"صناعة الخيزران تجري فى دمي ..أبى أول من ادخلها وطورها فى غزة..ولن اتركها وسأورثها لأبنائي". لافتا إلى:"أن المصانع والعاملين فيها ممن اتخذوا هذه المهنة من أجل تحقيق الربح المادي توقفوا عنها..أما بعض اللذين اتخذوا هذه الحرفة كمهنة آبائهم واجدادهم فهم المستمرون والباقون". إلا أن الباقين" لم يخفوا مخاوفهم من انقراض حرفتهم". فيما بين بعضهم عدم وجود اهتمام ودعم حكومي أو خاص إلى جانب غياب الدورات التدريبية لإتقان وتعلم هذه الحرفة والحفاظ عليها من الضياع كما كان فى السابق. واعتبر الخبير الاقتصادي عمر شعبان" أن هذه الحرفة كباقي الحرف الوطنية فى غزة أصابها الركود بفعل الحصار الإسرائيلي".


البعض مازال متمسكا بشراء منتج الخيزران


يُلاحظ أن الحرفيين المُتبقيين فى القطاع ينتجون حسب طلب المُستهلك المحلي الذي بات يقبل على الأثاث المصنوع من الأخشاب. وبينما نحن فى احد محال الخيزران جاء أبو محمد الرقب ليشترى طقم كراسي خيزران من تسعة قطع، القطعة بنحو (60دولار) مشيرا :" كراسي الخيزران شكلها احلي وخفيفة النقل و بتعيش سنيين وبتقاوم الماء وصعبة الكسر وعندي طقم كراسي خيزران من خمسين سنة". معتبرا إياها من الصناعات التراثية الفلسطينية التي تتوارثها العائلات والتي يجب التمسك بها والمحافظة عليها. مختتما حديثه :" كانت وما زالت صناعة الخيزران ارق واحلي من الخشب..زمان كان فيها بركة والعِرسَان بيقعدوا على كراسيها.. الآن تغير الوضع للأسف".



شوقي الفرا- غزة
مراجعة: هبة الله إسماعيل
حقوق النشر: دويتشه فيله 2012