فرصة لمراجعة الشراكة الأورو-متوسطية

طرح الرئيس الفرنسي نيكولا ساركوزي خلال زيارته الأخيرة إلى الجزائر وتونس فكرة إنشاء اتحاد متوسطي، يشكل بديلا لاتفاق برشلونة. سليم بوخذير عن التحديات التي تواجه هذا المشروع.

نيكولا ساركوزي في موكب الاحتفالات الوطنية بمناسبة ذكرى الثورة الفرنسية في الرابع عشر من يوليو/تموز 2007، الصورة: أ ب
نيكولا ساركوزي في موكب الاحتفالات الوطنية بمناسبة ذكرى الثورة الفرنسية في الرابع عشر من يوليو/تموز 2007

​​

لقد تحدّث الرئيس الفرنسي عند الزيارتيْن عن قيام فكرة الإتحاد المتوسّطي أساسا على عنصر توحيد جهود دول المتوسّط في مجال البيئة وحماية المحيط ولاسيما إنقاذ البحر المتوسّط من التلوث وعلى عنصر رئيس آخر هو توحيد الشّراكة الإقتصادية والتنموية بين بلدان الضفتيْن، وكذلك قيام المشروع على عنصر توحيد الجهود في المجال الأمني لمكافحة الجريمة وضمان الإستقرار، فضلا عن العنصر الرابع وهو تعميق حوار الحضارات في بلدان المتوسّط.

وأخرج سفير ساركوزي للعلاقات المتوسطية عناصر أخرى ضمن هذا المشروع الجديد إلى النور من جهته، حين تحدّث عن تضمّن المشروع لعنصرتقاسم التكنولوجيا بين دول الضفتيْن، من ذلك إنشاء جامعات مشتركة و تقاسم المعلومات بين منظمات المجتمع المدني بين دول الجنوب والشمال ، كما تحدّث عن تضمّن المشروع أيضا لخيار الهجرة المنتقاة كأحد الحلول لمشكلتيْ الهجرة السرية ومشاكل الإندماج للمهاجرين إلى بلدان الشمال.

ولا يختلف إثنان في كوْن هذا المشروع الذي أقام عليه الرئيس الفرنسي جزءا من حملته الإنتخابية في الإستحقاق الرئاسي الفرنسي في مايو الماضي، يأتي بديلا لإتفاق آخر كانت أبرمته دول ضفّتيْ المتوسّط وعرف الفشل ولو أنّ الجانب الفرنسي تجنّب التصريح بذلك ولم يطرح مشروعه هذا في صورة البديل لذلك الإتفاق الشهير.

بديل لاتفاق برشلونة

فقد جاءت ولادة مشروع السيد ساركوزي بعد أن إعتبرت الكثير من الأطراف أنّ إتفاق برشلونة عرف الفشل في عديد جوانبه منذ تاريخ إبرامه في عام 1995 في أكثر من مجال، و لو أنّه كان له الفضل في إنتعاش بعض الشّراكات البينيّة فقط بين دول بعينها من المُبرمة عليه.

إلاّ أنّ ما بدأ السيد ساركوزي يكتشفه في أوّل زيارة له لبلدان الجنوب بعد إنتخابه رئيسا لفرنسا هو حجم التحدّيات الكبيرة التي لابدّ لمشروعه الطموح أن ينجح في تجاوزها، حتّى يُمكن له بعد ذلك أن يتحوّل إلى حقيقة تعود بالخير على كلّ دول المتوسّط مثلما يتمنّى.

ومن الواضح أنّ بعض الحواجز التي سبق أن وقفت في طريق نجاح إتفاق برشلونة، ستكون في طليعة العناوين الكبرى التي ستستأثر بقائمة التحدّيات التي على مشروع الإتحاد المتوسّطي أن ينجح في تجاوزها، ونعني الخلافات الجانبية بين بعض الدول التي وقفت نفسها في طريق نجاح إتفاق برشلونة.

وفي زيارته الأخيرة إلى الضفة الجنوبية، كان المغرب أبلغ إعتذاره إلى ساركوزي عن موعد الزيارة طالبا التأجيل على شهر أكتوبر/تشرين الثاني مع تبرير الأمر ب"ضغط في جدول مواعيد الملك محمد السادس" ، لكنّ تسريبات من محيط الملك إلى وسائل الإعلام كشفت أنّ المغرب "لم يكن راضيا أن يزور الرئيس الفرنسي الجزائر قبل المغرب، كما أنّه يريد سماع موقف فرنسا العضو في مجلس الأمن من قضيّة الصحراء الغربية"، الأمر الذي يُعطي إنطباعا واضحا بأنّ الخلافات الجانبية بين بلدان المتوسّط ( وخلاف الصحراء الغربية في مُقدّمتها) ، بدأت من أول جولة للسيد ساركوزي تُعلن أنّها قد تكون مُعطّلا من الدرجة الأولى لمسيرة الحوار المتوسّطي-المتوسّطي من أجل ولادة مشروع "المتوسّط المُوحّد" الذي يطرحه الرئيس الفرنسي.

الماضي الاستعماري

كذلك وفيما كان السيد ساركوزي يطرح مشروعه على العاهليْن الجزائري والتونسي، كان الجانب التركي يُسرّب إلى وسائل الإعلام عدم تشجيعه لمشروع الإتحاد المتوسّطي، في ردّ خفيّ على الصعوبات التي تواجهها مفاوضات إنضمام تركيا –الدولة المتوسّطية طبعا- إلى الإتحاد الأوروبي.

كما أنّ السيد ساركوزي وقف في زيارته إلى الجزائر نفسها على الحاجز الذي قد تُشكّله أمام مشروع الإتحاد المتوسّطي الذي يطرحه، قضية عدم إعتذاره عن سنّ فرنسا لقانون 23 فبراير 2005 وقع إعتباره جزائريّا "قانونا مُمجّدا للإستعمار الفرنسي للجزائر"، و معلوم أن رفض فرنسا الإعتذار سابقا كان سببا للإجهاز في المهد على مشروع إتفاقيّة صداقة بين البلديْن كانت مُعدّة في عام 2005.

وغير الخلافات الجزائرية – المغربية والتركية – الأوروبية، يوجد الكثير في المشهد المتوسّطي، وهو ما يجعل التحدّي يبدأ كبيرا أمام مشروع الإتحاد المتوسّط، مثلما كشفت عن ذلك أوّل خطوة تشاورية يقطعها السيد ساركوزي في طريق التشاور مع حكومات المنطقة.

ومن التحدّيات أيضا التي بدأت تظهر خلال أول جولة للسيد ساركوزي في المنطقة، ما هو مُتّصل بمجال الفوراق الكُلّية بين دول الشمال وجاراتها بالجنوب على صعيد طبيعة أنظمة الحُكم وموضوع حقوق الإنسان. فمن الإشكالات التي لا يجب أن "يرث" مشروع الإتحاد المتوسّطي العجز أمامها من سلٍفه "المأسوف على شبه نهايته" إتفاق برشلونة، نجد إشكاليّة تمسّك حكومات الجنوب بنكث تعهّداتها المتوسّطية بإحترام حقوق الإنسان والحريات العامة.

حقوق الإنسان والديموقراطية

وقد لاحظ المراقبون فيما لاحظوا، كيف أنّ وسائل الإعلام الحكومية التونسية ردّت على الرئيس الفرنسي -حين تحدّث في مؤتمره الصحفي عن تعرّضه إلى موضوع حقوق الإنسان في تونس في لقائه ببن علي- ، بأن ألقت هذه الوسائل الحكومية ظلالا كبيرة من التعتيم على تصريحاته تلك.

فمن غير المُرجّح إذنْ أن تقبل الحكومات في بلدان الجنوب بصياغة تعهّدات ضمن مشروع الإتحاد المتوسّطي تقضي بإنتقال منظومة حقوق الإنسان ومفاهيم الحكم الديمقراطي من جاراتها بلدان الشمال إليها حتّى ينعم بلدان الشمال والجنوب معا بقيم الحرية و قيم الجمهورية الفرنسية نفسها.

وإن قبلت هذه الأنظمة ذلك، فهل ستُنفّذ تعهّدها ذلك أمْ ستتراجع عنه تماما كما فعلت مع تعهدات سابقة سواء ضمن إتفاقيات بين الإتحاد الأوروبي و بعض هذه الدول بشكل بيْني، أو حتّى ضمن إتفاق برشلونة نفسه حينما ظلّ إلتزامها بإحترام حقوق الإنسان حبرا على ورق، الأمر الذي وقف عقبة أخرى في طريق نجاح إتفاق برشلونة؟

لقد بدأ السيد ساركوزي طريقه إلى حُلم المتوسط المُوحّد بخطوة زيارته إلى الجزائر وتونس، ومع الطموح بان أنّ هناك تحديات وصعوبات كبيرة في طريق المشروع الكبير الذي حمله، و لو أنّ الأمل يظلّ قائما في أن يعرف المشروع ولادة يوما مّا لوْ توافرت شروط عديدة من الواضح أنّها ليست يسيرة على أن تُنال.

ولكن قديما قيل : طريق الألف ميل يبدأ بخطوة.

بقلم سليم بوخذير
حقوق الطبع قنطرة 2007

سليم بوخذير كاتب و صحفي تونسي

قنطرة

أين تقع حدود القارة الأوروبية؟
من ضمن المشاريع الواقعة على أجندة الرئيس الفرنسي الجديد ساركوزي تغيير السياسة الأوروبية حيال تركيا رأسا عن عقب. الكاتب ظافر شينوجاك ينتقد في مقاله العقلية الكامنة وراء تحفظات فرنسا

الاتحاد الأوروبي ودول حوض البحر الأبيض المتوسط
وضعت "الشراكة الأورو-المتوسطية" بالإضافة إلى تكريس السلام والاستقرار في المنطقة تأسيس منطقة إقليمية للتجارة الحرة حتى العام 2010 هدفا لها. لكن الأطراف المعنية ما زالت بعيدة عن تحقيق هذه الأهداف. برنار شميد يتطرق في هذه المقالة إلى الخلفيات