يائير لابيد...غطاء برّاق لسياسة نتنياهو الاستيطانية

يرى الإعلامي الإسرائيلي جدعون ليفي أن سياسيي أحزاب الوسط في إسرائيل يعشقون المفاوضات من أجل المفاوضات لتلميع صورة إسرائيل عالمياً، ومنهم يائير لابيد العديم الخبرة، الذي سيمنح وجودُه، كوزير إلى جانب رئيس الوزراء اليميني نتنياهو، إسرائيلَ وقتاً كافياً لتوسيع المستوطنات بعيداً عن السلام.

الكاتبة ، الكاتب: Gideon Levy

شارك أقل من 70 في المئة من الناخبين في إسرائيل، يهوداً وعرباً، في الانتخابات البرلمانية التي أجريت في الثاني والعشرين من يناير 2013، لاختيار أحد الأحزاب الاثنين والثلاثين المتنافسة.

ولهذا لم تكن نتيجة هذه الانتخابات مفاجئة، فكما كان متوقعاًَ، فاز بنيامين نتنياهو للمرة الثالثة بمنصب رئيس الوزراء، وأصبح أول من يفوز بهذا المنصب للمرة الثالثة منذ عهد مؤسس دولة إسرائيل ديفيد بن غوريون. ومن الواضح أيضاً أنه سيشكل ائتلافاً حاكماً من اليمين والوسط مرة أخرى.

لكن المفاجأة الوحيدة كانت النتيجة المبهرة نسبياً للنجم الجديد في سماء السياسة الإسرائيلية، ألا وهو يائير لابيد، زعيم حزب "هناك مستقبل" الجديد، والذي سيكون على الأرجح شريكاً مهماً في الائتلاف الحكومي المقبل.

ويرى الكثير من الخبراء في تحول حزب لابيد، الذي يمكن تصنيفه ضمن الطيف الحزبي الإسرائيلي على أنه في الوسط، إلى ثاني أكبر قوة سياسية في البلاد على أنه إشارة إلى نهاية حقبة التحول نحو اليمين في المجتمع الإسرائيلي.

لكن نجاح لابيد يشير إلى أمر آخر، وهو سعي الرأي العام الإسرائيلي لتجاهل المشاكل الحقيقية، والتركيز بدلاً من ذلك على مواضيع غير ذات معنى، مثل الخدمة العسكرية لليهود المتشددين.

يائير لابيد. د ب أ
هاوٍ وعديم الخبرة السياسية: يعتبر المقدم التلفزيوني والملاكم السابق يائير لابيد الرجل القوي المقبل في معسكر الوسط السياسي بإسرائيل.

​​لابيد – صانع الملوك الجديد

هذه الصورة لا يمثلها أي شخص أفضل من لابيد، المذيع التلفزيوني الشهير الوسيم، الذي يعمل في إحدى المحطات التلفزيونية الخاصة الكبيرة، ويكتب عموداً في إحدى أكبر صحف البلاد.

ولم يَنْسَق لابيد لإبداء أي تصريحات واضحة طوال حملته الانتخابية، ولا عجب في ذلك، فمسيرته الصحافية تميزت بمحاولته خدمة الرأي العام والابتعاد عن مناقشة المواضيع المثيرة للجدل. هذا الرجل بات الآن صانع الملوك الجديد في السياسة الإسرائيلية، إذ بدونه لن يستطيع نتنياهو تكوين حكومة مستقرة.

ولهذا، فمن المتوقع أن ينحصر دور لابيد في أن يكون اللافتة الودودة لإسرائيل، وأن يقدم صورة جميلة ومعتدلة وعلمانية وحديثة لإسرائيل، ربما كوزير الخارجية المقبل، وكرجل مغرم بالتقنيات الحديثة وكملاكم هاو يعيش في أرقى أحياء تل أبيب ويرتدي النظارات الشمسية الأنيقة.

شعار حملة لابيد الانتخابية كان "جئنا كي نغيّر". لكن التغيير الذي كان يطوف بمخيلته لم يكن تغييراً ثورياً، فالموضوع الرئيسي في حملته الانتخابية كان تجنيد اليهود المتشددين للخدمة العسكرية، وهي مهمة مستحيلة وغير ضرورية في نفس الوقت.

وتعهد يائير لابيد أيضاً بالاهتمام بالطبقة المتوسطة، وهو تعهد مبهم، إضافة إلى السعي لتقليص عدد الوزراء في الحكومة. وفي نهاية القائمة، تعهد بالجلوس على طاولة المفاوضات مع الفلسطينيين.

ومن خلال ذلك، يبدو أن لابيد، مثل ساسة آخرين من الوسط، قد وقع في غرام فكرة المفاوضات، التي تحولت من أداة سياسية إلى هدف رئيسي في حد ذاته. ولا يؤمن لابيد بالسلام مع الفلسطينيين، إذ كان قد أعلن مؤخراً أن مدينة القدس ستبقى موحدة إلى الأبد، مما يعني أن النصف الشرقي منها سيبقى محتلاً للأبد.

ويعي لابيد أن هذا المطلب لا يصلح من أجل التوصل إلى اتفاق، وأنه يراهن على العودة إلى طاولة المفاوضات كوسيلة لحفظ ماء الوجه فقط، وتلميع صورة إسرائيل في المجتمع الدولي وإظهار وجه مختلف للعالم عن الوجه الرافض والعنيد الذي أظهرته الحكومة السابقة – لا أكثر ولا أقل. وهنا يكمن الخطر.

مواجهات بين جنود الحدود الإسرائيليين وفلسطينين ونشطاء سلام دوليين في منطقة شقبة في الضفة الغربية. رويترز
احتجاجات على استمرار بناء المستوطنات: شدد رئيس وزراء إسرائيل بنيامين نتنياهو مؤخراً على تمسكه ببناء المستوطنات في الضفة الغربية والقدس الشرقية، التي يقع فيها حائط المبكى.

​​

لا سلام في الأفق

فوجود يائير لابيد – السياسي العديم الخبرة كوزير بأسلوب هاوٍ، إلى جانب نتنياهو كرئيس وزراء سابق وحالي، لا ينذر بأي تحول سياسي على الإطلاق. بل على العكس، فالعالم سيفتح ذراعيه لإسرائيل مجدداً، لأنها ترغب في العودة إلى طاولة المفاوضات مرة أخرى، وهذا من شأنه أن يمنح إسرائيل وقتاً كافياً لبناء المزيد من المستوطنات، الأمر الذي يعني عملياً توسيع دائرة الاحتلال والابتعاد عن أية فرصة لتحقيق السلام.

وفي هذا السياق، ينبغي التساؤل حول ما إذا كانت حكومة إسرائيلية يمينية متطرفة – بعيداً عن قناع التجميل الذي تمنحه إياها أحزاب الوسط مثل حزب لابيد وغيره – أفضل لإسرائيل في نهاية الأمر، إذ ربما تشكل مثل هذه الحكومة نداء تنبيه للولايات المتحدة وأوروبا، كي ينشطا من أجل تحقيق سلام في إحدى أكثر المناطق سخونة حول العالم.

لكن بدلاً من ذلك، فإنهما يخاطران بالوقوع مجدداً في شرك حكومة إسرائيلية تضم بعض الوجوه المتحررة التي تزعم على الأقل أنها تريد استئناف المفاوضات بجدية.

لكن يجب أن يكون واضحاً أنه لا توجد أية ضرورة للمفاوضات، لأن العشرات من خطط السلام ما تزال مكدسة في الأدراج، ولا يحتاج الأمر سوى لإخراج واحدة منها وتطبيقها. لكن ما ينقص فعلاً هي الرغبة الصادقة لدى الحكومة الإسرائيلية في إنهاء الاحتلال.

جدعون ليفي. ويكيبيديا
مما كتبه جدعون ليفي: "منذ وقت طويل تتكدس عشرات خطط السلام في الأدراج، ولا يلزم سوى إخراج واحدة منها وتطبيقها. لكن ما ينقص فعلاً هو الرغبة الصادقة لدى الحكومة الإسرائيلية في إنهاء الاحتلال".

​​الوجه الآخر للعملة

وحتى الآن، لم تكن هذه الرغبة متوفرة بما فيه الكفاية لدى أية حكومة حتى اليوم، ولا يوجد أي سبب للتصديق بأن حكومة نتنياهو الجديدة، والثالثة برئاسته، ستختلف عن سابقاتها.

وقد يقوم شريكه الجديد لابيد ببعض التغييرات، إلا أنه سيحاول في البداية تنفيذ أجندته الشخصية، التي تركز على القضايا الداخلية والاجتماعية وتتميز بطبيعتها الثانوية.

عادة ما توصف إسرائيل بأنها "الديمقراطية الوحيدة" في الشرق الأوسط. وانتخابات البرلمان (الكنيست) التي جرت في الثاني والعشرين من يناير 2013 كانت حرة ولم تسجل فيها أي حوادث سلبية، وهو ما يعتبر فريداً من نوعه في الخارطة السياسية للمنطقة.

لكن هذا وجه واحد فقط للعملة، وعلى الوجه الآخر يوجد عملياً نظام دكتاتوري وعسكري، وملايين الأشخاص دون حقوق مدنية يعانون من احتلال مستمر منذ 45 عاماً. كل هذا يجب عدم تناسيه عند الحديث عن "الديمقراطية الوحيدة في الشرق الأوسط".

لقد ذهب المستوطنون اليهود في الأراضي المحتلة كمواطنين أحرار إلى مراكز الاقتراع، بينما لم تُتَح الفرصة لجيرانهم، الذين يملك بعضهم الأرض التي يعيش فوقها هؤلاء المستوطنون، للمشاركة في انتخابات ديمقراطية ستقرر مصيرهم. وبعد انتخابات الكنيست الأخيرة وتكوين الحكومة الجديدة، لن يتغير أي شيء في واقع الاحتلال هذا.


جدعون ليفي
ترجمة: ياسر أبو معيلق
تحرير: علي المخلافي
حقوق النشر: قنطرة 2013

يعمل جدعون ليفي كاتب عمود ومحرراً في الصحيفة الإسرائيلية الليبرالية "هآرتس". وأحدث كتبه هو بعنوان "عقاب غزة" من دار فيرسو للنشر، ونُشِر سنة 2010.