وطن جديد ....وطن ضائع

ولدت أفيتال بن كورين في مدينة آيسناخ الألمانية، لتجد لها في إسرائيل بعد ذلك وطنًا جديدًا، في حين فقدت عائلة أبو ستة البدوية وطنها مع تأسيس دولة إسرائيل. واقعان متناقضان وحلمان متغايران؛ واحد تحقق وآخر تحطم على أرض الواقع.بتينا ماركس في عرض لتجربتين مختلفتين.

ولدت أفيتال بن كورين في مدينة آيسناخ الألمانية، لتجد لها في إسرائيل بعد ذلك وطنًا جديدًا لها، في حين فقدت عائلة أبو ستة البدوية وطنها مع تأسيس دولة إسرائيل. واقعان متناقضان وحلمان متغايران؛ واحد تحقق وآخر تحطم على أرض الواقع. بتينا ماركس في عرض لتجربتين مختلفتين.

أفيتال بن كورين، الصورة: بتينا ماركس
"كنّا نعلم في تلك الفترة أنَّ دولتنا ستكون صغيرة جدًا، لكن على الرغم من ذلك فقد فرحنا؛ لأنَّنا حصلنا أخيرًا على دولة خاصة بنا"

​​يبلغ عمر أفيتال بن كورين خمسة وثمانين عامًا. أفيتال امرأة أنيقة ولبقة، شعرها أسود داكن اللون، تلبس خواتم فضة في أصابعها النحيلة. ولدت عام 1923 في مدينة آيسناخ وكان اسمها إريكا فاكنهايم. وفي سن العاشرة بدأت تهتم بالدين اليهودي وبالحركة الصهيونية. وفي عام 1936 أي بعد ثلاثة أعوام من تولي النازيين الحكم في ألمانيا قرَّرت مغادرة ألمانيا.

الوطن الجديد

هاجرت في سن الثالثة عشرة مع مجموعة من الشبان الناشئين ومن دون عائلتها إلى فلسطين. وجدت مأوى لها في ملجأ للأطفال وللشباب الناشئين خاص بالشبيبة اليهودية في منطقة كريات بياليك التي أنشأها مهاجرون يهود ألمان بالقرب من حيفا. تقول اليوم وبعد أكثر من سبعين عامًا من هجرتها: "لقد كنّا متحمِّسين لفكرة السماح لنا بالمشاركة في بناء هذا البلد".

تحتَّم عليها في سن السابعة عشرة أن تكسب قوتها بنفسها. في البدء رحلت إلى منطقة رمات غان، ثم إلى القدس. وتعرَّفت هناك - أثناء محاضرة ألقاها العالم اللاهوتي اليهودي الألماني الشهير مارتين بوبر - على زوجها، الفيلسوف اللاهوتي شالوم بن كورين الذي تعود أصوله إلى مدينة ميونخ. شهدت معه في شهر تشرين الثاني/نوفمبر عام 1947 قرار التقسيم الذي صدر عن هيئة الأمم المتحدة وتم من خلاله تقسيم المنطقة التي كانت تخضع للانتداب البريطاني الواقعة غرب نهر الأردن إلى دولتين يتم تأسيسهما في المستقبل، واحدة يهودية والأخرى فلسطينية.

"أخيرًا دولة خاصة باليهود"

صورة رمزية للأديان في القدس، الصورة: دويتشه فيله
في اليوم الذي أعلن فيه قيام دولة إسرائيل كانت الجيوش العربية تحاصر مدينة القدس

​​عندما أعلن رئيس الوزراء الإسرائيلي الأول، دافيد بن غوريون في شهر أيار/مايو عام 1948 عن تأسيس دولة إسرائيل - كانت الجيوش العربية تحاصر مدينة القدس. لكن على الرغم من ذلك فقد تم تلقي خبر تأسيس الدولة اليهودية بالفرح والابتهاج من قبل اليهود، مثلما تتذكّر ذلك أفيتال بن كورين: "كنّا نعلم في تلك الفترة أنَّ دولتنا ستكون صغيرة جدًا، لكن على الرغم من ذلك فقد فرحنا؛ لأنَّنا حصلنا أخيرًا على دولة خاصة بنا".

النكبة الفلسطينية

بيد أنَّ هذا اليوم الذي صادف في الـ14 من أيار/مايو عام 1948 يشكِّل بالنسبة للفلسطينيين بداية تشريدهم وطردهم من بلدهم، إذ إنَّ يوم استقلال دولة إسرائيل يعتبر بالنسبة لهم يوم "النكبة".

وفواز أبو ستة الذي يعيش حاليًا في غزة هو واحد من بين الذين فقدت عائلاتهم وطنها في تلك الأيام. ينتسب فواز أبو ستة إلى عشيرة بدوية كان يقع مكان سكناها في المنطقة المحيطة بمدينة بئر السبع. لقد استقرَّت عشيرته طيلة أربعمائة عام في صحراء النقب. وكانت تملك أراضي مترامية الأطراف تتاخم حدودها قطاع غزة، حيث كانت عشيرته تعمل في زراعة الحقول وتربية المواشي. "كان جدي يولي التعليم أهمية كبيرة"، يقول فواز: "وقد أسَّس مدرسة لأطفال وشباب عشيرتنا".

وهكذا تمكَّن والد فواز وإخوته من الذهاب إلى المدرسة ومن ثم إلى الجامعة. استطاع أخوته المتعلِّمين أن يسدوا من خلال مهنهم الأكاديمية رمق عائلتهم التي غدت لا تملك أرض، بعدما فقدت عشيرته في حرب استقلال إسرائيل في عام 1948 أراضيها وبذلك فقدت مورد رزقها.

وطن ضائع

تم في تلك الأيام تشريد هذه العشيرة برمتها وقد كان عدد أبنائها يزيد عن أربعمائة شخص طردوا من منطقة سكناهم. هرب أبناء عشيرة أبو ستة إلى قطاع غزة المجاور لمنطقتهم، حيث استقروا في مخيمات اللاجئين في خان يونس ودير البلح ورفح. وهنا عاشوا في مناطق تطل في الواقع على وطنهم القديم.

فواز أبو ستة، الصورة: بتينا ماركس
"كان جدي يأخذني معه مرارًا وتكرارًا ويريني أراضينا من بعيد. وقد وعدني بأنَّني سوف أحصل على قطعة أرض كبيرة من أراضينا"

​​ولد فواز في عام 1953 في خان يونس. لقد كبر وترعرع وهو يعلم أنَّه لاجئ سيعود في يوم ما إلى وطن عشيرته القديم. صحيح أنَّه كان يسكن في خان يونس وقد تعلَّم هناك في المدرسة، إلاَّ أنَّ وطنه الحقيقي يقع خلف الأسلاك الشائكة، في دولة إسرائيل. يقول فواز: "كان جدي يأخذني معه مرارًا وتكرارًا ويريني أراضينا من بعيد. وقد وعدني بأنَّني سوف أحصل على قطعة أرض كبيرة من أراضينا". لكن عائلته لم ترجع إلى أراضيها؛ حيث بقي قسم منها في غزة، أما الباقون فقد توزعوا في كلِّ أرجاء العالم.

سافر فواز إلى ألمانيا؛ تعلَّم اللغة الألمانية في جمهورية ألمانيا الديموقراطية السابقة ودرس العلوم الاقتصادية وتعرَّف على زوجته أنكه. كذلك سافر أخوته إلى الولايات المتحدة الأمريكية وكندا والمملكة العربية السعودية.

وفي هذه الأثناء فقد فواز الذي يعمل مدرسًا جامعيًا في جامعة الأزهر في قطاع غزة الأمل في العودة إلى وطن عشيرته القديم. فهو يطالب بدولة فلسطينية تقام في باقي مناطق فلسطين القديمة التي تم احتلالها في عام 1967، أي في قطاع غزة والضفة الغربية. لكن فواز يؤكِّد قائلاً: "أنا أتبع بهذا الرأي الأقلية". فأغلبية الفلسطينيين العظمى لا تريد التخلي عن حلمهم في العودة إلى وطنهم القديم أو على الأقل في التوصل إلى حلِّّ عادل لمسألة اللاجئين.

بتينا ماركس
ترجمة: رائد الباش
دويتشه فيله 2008

قنطرة

الذكرى الستون لقيام دولة إسرائيل:
ستون عاما على قيام إسرائيل ـ ستون عاما على النكبة
فيما تحتفل إسرائيل بمرور 60 عاما على تأسيسها، يطلق العرب على هذه المناسبة وصف النكبة، لكن حتى بالنسبة للإسرائيليين فإن هذا اليوم ليس في حقيقة الأمر مناسبة للاحتفال، فتحقيق حلم الدولة كان بداية لكابوس آخر. بيتر فيليب يلقي نظرة تاريخية على تطور هذا الصراع.

العلاقات الألمانية الإسرائيلية:
تطبيع ما لا يمكن تطبيعه
جعلت أهوال الهولكوست فكرة تطبيع العلاقات بين ألمانيا وإسرائيل تبدو شبه مستحيلة. لكن الدولتين نجحتا على الرغم من البدايات المتعثرة في إرساء علاقات تتسم بالصداقة والحرص على المصالح المشتركة على مدى أكثر من 40 عاما. نينا فيركهويسر تلقي الضوء على طبيعة هذه العلاقات مع قرب احتفال إسرائيل بالذكرى الستين لتأسيسها.