في الطريق لرئاسة الجمهورية

يشار نوري اوزتورك أستاذ في كلية الشريعة في تركيا، لكنه يؤمن في الوقت ذاته بالعلمانية التي يدمجها بالتعاليم الإسلامية، وهو ما جعله شخصية شعبية تحظى بدعم الكثير من الأوساط السياسية التي تفكر الآن في ترشيحه لرئاسة الجمهورية.

يشار نوري اوزتورك، الصورة: www.hyp.org.tr
ترجع شعبية يشار نوري أوزتورك إلى تمهيده الطريق أمام الكثيرين من مسلمي الطبقة المتوسطة لتكييف نظم الحياة العصرية مع الدين الإسلامي

​​

عندما تبث قنوات التلفاز التركية حوارات حول الإسلام والسياسة فلا بد من تواجد شخصية معينة. إنه السيد يشار نوري أوزتورك الذي يعد منذ أعوام نجما إعلاميا بارزا. فباعتباره أستاذا في كلية الشريعة لا يجد صعوبة في الرد على الأسئلة سواء أكان الموضوع يدور على سبيل المثال حول إجازة القرآن لممارسة الجنس أثناء رمضان شهر الصوم أو حول العلاقة بين الإتحاد الأوروبي وتركيا.

بإمكانه أن يحاضر لساعات طويلة عن الطرق التي ينبغي على المسلم أن يسلكها كي يعيش على سنة النبي محمد. ولكن الأمر المهم هو أنّ هذا الرجل الذي يبلغ الحادية والستين من عمره يدافع بشدة عن الديمقراطية وحقوق المرأة ويستند في كل ذلك الى شرعية القرآن الكريم.

وفضلا عن ذلك فانه كان قد ألّف عشرات الكتب حول المسائل الفقهية، وهي كتب بلغ عدد النسخ المطبوعة منها الملايين، كما ينشر بين الحين والآخر مقالات في كبريات الصحف اليومية، ولا يكاد يمر أسبوع بدون أن يظهر في التلفاز على الهواء.

ضد استغلال الدين سياسيا

أنهى يشار نوري أوزتورك دراسة الحقوق، ومارس مهنة المحاماة، ثم حاز فيما بعد على درجة الكتوراه في الفلسفة الإسلامية وشغل منصب عميد كلية الشريعة في جامعة استانبول، حيث ظل يراقب ظهور الإسلاميين في تركيا بجزع وقلق، ناظرا إلى حزب العدالة والتنمية الذي يشكل الحكومة اليوم بقيادة رئيس الوزراء طيب أردوغان بالشك والريبة، مشيرا الى أن الحزب يقوم باستغلال الدين لتحقيق أغراض سياسية.

لقد كان ظهور الإسلاميين أحد الأسباب التي جعلت هذا البروفيسور المختص بالدين يمارس السياسة، حيث أصبح عضوا في البرلمان بعد ترشيحه عام 2002 على قائمة حزب الشعب الجمهوري الذي ينادي بشدة بحماية العلمانية الكمالية. ولكن بعد ثلاث سنوات من ذلك دب الخلاف بينه وبين قيادات الحزب مما جعله يؤسس حزبا خاصا برئاسته أسماه حزب نهضة الأمة.

مواءمة الدين مع العصر

ترجع شعبية يشار نوري أوزتورك إلى تمهيده الطريق أمام الكثيرين من مسلمي الطبقة المتوسطة لتكييف نظم الحياة العصرية مع الدين الإسلامي. فهو يرى أن القرآن الكريم لم يفرض على النساء لبس الحجاب بتاتا. كما أن الصلاة خمس مرات في اليوم موضوع يحتاج إلى مراجعة لأنها لم ترد في القرآن الكريم.

وقد نال يشار نوري أوزتورك تقدير الكثيرين كمصلح ديني على الرغم من أنن ذلك يتعارض مع تصوراته الشخصية. فهو في الحقيقة مسلم متشدد يستمد آراءه من تعاليم القرآن الخالصة. وهو يرى أن الشرور التي ترتكب اليوم باسم القرآن ما هي إلا عادات وتقاليد أخطئ فهمها ولا تمت لتعاليم النبي محمد بصلة. ومن هذا المنطلق نجده يهاجم آل سعود وطالبان والقاعدة وزعماء الطوائف السياسية.

أنانورك والنبي محمد

عندما ينشر حزب أوزتورك إعلانات أو يوزع منشورات لا تخلو هذه من العلم التركي أو صورة مؤسس الجمهورية كمال أتاتورك، وعلى هذا يعلق قائلا: "إننا نحاول أن نوحد بين مصطفى كمال والنبي محمد، إذ أن هذا هو الأسلوب الصحيح لتحرير الجمهورية التركية والأراضي الإسلامية".

وفي رأيه أن العلمانية تعتبر من أهم إنجازات أتاتورك مؤسس الجمهورية، وهي تعني الفصل بين الدين والدولة. ويستطرد أوزتورك قائلا: "العلمانية تعني عدم استناد الحكام على الله أو الشرع الإلهي ولكن على إرادة الشعب. وأنا لا أعتقد أن تفلح المجتمعات الإسلامية في تطبيق الديمقراطية بدون وجود دستور علماني".

وفي هذا يمكن أن تكون تركيا الأتاتوركية قدوة للعالم الإسلامي. ولهذا فإن تركيا تعتبر شوكة في أعين من يستغلون الدين لتحقيق أغراض سياسية. كما أنه ليس من الغريب أن يلقى ترحيبا من أنصار الفكر الكمالي.

وحديثا كتب أحد الصحافيين في الصحيفة الشعبية "صباح" عمودا يقول فيه إن أوزتورك يعتبر أفضل المرشحين لمنصب رئيس الدولة. ولا يشك أحد البتة في أنه يجمع بين العلمانية والدين الاسلامي.

في ربيع العام القادم سوف يقوم البرلمان بانتخاب رئيس الدولة، حيث يخشى أصحاب النفوذ في الجيش والإدارات أن يسعى رئيس الوزراء الحالي أردوغان للحصول على هذا المنصب لنفسه أو أن يقوم بترشيح أحد أتباعه الإسلاميين.

تركيا بعيدا عن الإتحاد الأوروبي

وهذا يتطلب من يشار نوري أوزتورك أن يبرهن اليوم على أنه ليس رجل دين فقط بل أيضا رجل سياسة. فقد استطاع أن يدخل الكثير من عناصر الروح الوطنية التركية في منهجه السياسي.

ويقول على سبيل المثال "إن الإمبرياليين المسيحيين هم الذين وضعوا حدودا مصطنعة في الشرق الأوسط، وأن أتاتورك هو الوحيد الذي استطاع بعد الكفاح الوطني تأسيس دولة قومية مستقلة".

ولا يزال أوزتورك يطالب حتى اليوم بالاستقلال والسيادة. ويرى أنه ينبغي على تركيا فسخ عقود الوحدة الجمركية مع الإتحاد الأوروبي، لأن هذه الوحدة الجمركية التي تسري منذ 1995 تقوم على سلب ونهب تركيا، ويقول: "إنها أهلكت ثروتنا الصناعية والزراعية والحيوانية. لقد خُدعنا بـ 184 مليار دولار أميركي".

الربط بين القومية والعلمانية

تأويلات يشار نوري أوزتورك للمذهب الكمالي تعتبر في غاية الصعوبة. ذلك لأن أتاتورك لم يكن مسلما تقيا، مثله في ذلك مثل معظم مؤسسي الجمهوريات.

كما يمكن اعتبار الكثير من الإجراءات التي تمت في سنوات تأسيس الجمهورية على أنها معادية للدين. فحتى اليوم يواجه الإسلام في تركيا مشكلة كبيرة، ألا وهي أنه لا وجود للدين في الحياة اليومية للقائمين على السياسة وقيادة الجيش. فمتخرج الكلية الحربية الذي يؤدي فريضة الصلاة لا يُنظر إليه بازدراء فقط بل قد يفصل من الخدمة.

إن نجاح استراتيجية الربط بين القومية والعلمانية والحفاظ في نفس الوقت على الشعائر الدينية لكسب أصوات الناخبين يعد من الأمور المشكوك فيها. كما أن الشعبية التي يتمتع بها اوزتورك في القضايا الفقهية لا تنطبق عليه كسياسي حزبي.

عمر إرزيرين
ترجمة عبد اللطيف شعيب
حقوق الطبع قنطرة 2006

قنطرة

الإسلام والكِماليّة في تركيا
نظرة إلى المشهد السياسي التركي الحالي يشير بوضوح إلى إمكانية التعايش بين الوسط الإسلامي مع الموروث اللائكي لمؤسس الدولة مصطفى كمال أتاتورك. بكيم أغاي يتقصى طبيعة هذه العلاقة، كما يعرض تعامل الكمالية مع الإسلام.

بناء الجسور بين الاسلام والحداثة
فتح الله غولَن مؤسس حركة تعليم إسلامية منتشرة عبر أرجاء العالم، يرى في الأخلاق والمعرفة محركا لإرساء إسلام حديث يتلاءم والعلمانية. بكيم أغاي يقدم هنا تحليلا للعالم الفكري لهذا المفكر الإصلاحي التركي

إسلام علماني لعصر حديث!
تشهد تركيا الآن تجربة فريدة ذات أهمية كبيرة بالنسبة للعالم الإسلامي، فقد بدأ العديد من رجال الفكر يقدمون تفسيرات جديدة للعديد من الصياغات الدينية التقليدية في محاولة جريئة لوضع الإسلام في طريق الحداثة. مقال كتبه فولكر شتار