أن نخون بأمانة أن نخون بندّية

صدرت أخيرا مختارات شعرية مترجمة لأربعة عشر شاعراً ألمانياً، من شعراء القرن التاسع عشر، مجموعةً في كتاب مُعنون بـ"ستون قصيدة ألمانية"، لدى المؤسسة العربية للدراسات والنشر. ماهر شرف الدين قرأ الكتاب ويقدمه لنا

"روح المرء تشبه الماء:/ من السماء تأتي/ وإلى السماء تصعد/ وعليها الهبوط ثانية إلى الأرض/ في تناوب أبديّ" (غوته)، "أرى الفواكه الذهبية متألّقة/ تختلس النظر بين الأوراق/ الداكنة/ والأزهار، التي تتفتّح هناك،/ لن تكون سَلباً لأيّ شتاء" (شيلر)، "هذا بعد كل شيء، وهذا كان النهاية/ الآن عليّ أن أذهب، ريثما أُصاب بالعمى" (ريلكه) هي إذاً مختارات شعرية مترجمة لأربعة عشر شاعراً ألمانياً، من شعراء القرن التاسع عشر، مجموعةً في كتاب مُعنون بـ"ستون قصيدة ألمانية" ، ترجمة بهجت عباس.

"لغرض الدقة"، على ما يقول المترجم، نجد النصَّين، الألماني والعربي، في شكل متقابل يسمح، لمن يملك ناصية اللغتين، المقارنة بينهما. لا آتي بجديد، إذا ما قلت إن الأهم من الدقة هو الشعر. فإذا صحّ أن "المترجم خائن"، على ما يقول الإيطاليون، فعلى تلك الخيانة أن تكون مستحقّة.

أن نخون بأمانة، صحيح. لكن قبل ذلك: أن نخون بندّية. الصحيح، أن بهجت عباس ينجح، وهذه ليست تجربته الأولى بالطبع، في نقل تلك الأشعار الصعبة، هولدرلين مثلاً، بأقلّ أكلاف لغوية ممكنة، سوى تلك الترجمات التي أرادها (ولا نعرف لماذا!) موزونةً مقفّاة.

ولنقرأ من قصيدة "الصبي الراعي" لهاينريش هاينه ما يأتي: "فرقة التمثيل كانت ماعز التلّ النكِرْ/ وكذا سرباً من الطير وحشداً من بقرْ/ بالمزامير وبالأجراس من دون حذرْ/ شكّلوا جوقة موسيقى بلمح من بصرْ". بالطبع، المقصود من هذه الملاحظة، وصل من خلال هذا المثال. فلا يمكن لقارئ هذا المقطع الركون إلى ترجمته، لجهة اضطرار المترجم إلى فَبْركة الجُمل على مقاس الوزن، ناهيك باستخدامه زوائد لفظية من أجل بلوغ القافية.

أيضاً، اضطراره في غير مرّة إلى كسر الوزن: في إحدى قصائد شيلر، التي أرادها المترجم عمودية على مجزوء بحر "الرمل"، يقول: "لو عرفتُ الذي يشفي القلب من وصبٍ وهجرِ". فالحاصل أن الكسر قد طاول التفعيلة الثانية في هذا البيت (فاعلاتن)، على مثال ما طاول معاني الأبيات الأخرى.

يختار المترجم، من بين ما اختاره، شاعرات أربع انقسمن إلى طائفتين: طائفة مُنعَّمة من طبقة النبلاء، عاشت في كنف الثورة، أمثال: أنيتا فون دروسته – هولسهولف، عظمى شاعرات ألمانيا في القرن التاسع عشر، التي اعتزلت العالم في قريتها، التي ورثتها، لتعيش حياة مسرّة وعزلة، نظمت خلالها أشعاراً كثيرة في وصف الطبيعة، غافلةً عمّا يجري حولها من حرب أهلية في ألمانيا.

وإيدا هان – هان، التي قضت النصف الأول من عمرها في السفر والملذات، والنصف الآخر في الرهبنة، حيث ألّفت فيها عشرات الكتب وطائفة أخرى من المناضلات في سبيل الدفاع عن المرأة، أمثال: الشاعرة المتمرّدة لويزه أستون، التي كانت من أشدّ المدافعات عن حقوق المرأة، ومساواتها بالرجل من دون حدود، متخذة هيئة الرجال في مسلكها، لجهة ارتدائها البنطلون، وتدخينها السجائر في الشوارع.

والشاعرة لويزه أُتو – بيترز، مؤسسة الاتحاد النسائي الألماني العام، التي كان لها دور كبير في ثورة 1848م. من قصائد أستون، التي كرّست معظمها لقضية المرأة، اختار المترجم قصيدة "للنساء"، تقول فيها: "هلاّ ترمون شموعكم على الأرض/ وتلطمون على صدوركم/ بتقىً غامر/ إني أشعر من أعماق قلبي/ أن خطايايَ وعفافَكم سيّان"

هي ستون قصيدة إذاً، تعرف من أين انحدرتْ، بتعبير نيتشه، تتوهّج وتأكل نفسها. ستون قصيدة بالطبع، كلمة "فقط" لا تجوز، حين تكون ألمانية!

ماهر شرف الدين
حقوق الطبع قنطرة 2006

"ستون قصيدة ألمانية"، ترجمة بهجت عباس، المؤسسة العربية للدراسات والنشر 2006.

قنطرة

الأندلس والمعلقات
تحتفل ألمانيا هذه السنة بمرور مائة وخمسين سنة على وفاة هينريش هاينه. وتأثر هذا الشاعر الرومانطيقي في بعض أعماله المسرحية وقصائده بالثقافة العربية. مقال بقلم الباحث منير الفندري

تلقّي الأديب الألماني فريدريش شيلّر في العالم العربيّ
تحتفل ألمانيا هذه السنة بمرور مائتي سنة على وفاة الشاعر والمسرحي الكبير فريدريش شيلر. عبده عبود، أستاذ الأدب المقارن في جامعة دمشق، يتناول في مقاله حركة تعريب أعمال هذا الأديب ومدى رواجها في العالم العربي.

التبادل الأدبي الألماني - العربي
يعتبر الأدب دوما أحد الوسائل الرئيسية في حوار الحضارات، وغالبا ما يتمثل هذا في شكل أنشطة صغيرة تعمل في الخفاء، المترجم والناشر مثلا اللذان يعيشان على حافة الكفاف، ويقتاتان من العمل في التعريف بالثقافة الغريبة المحبوبة. ونقدم هنا مبادرات ألمانية وعربية