تعقيد الحالة السورية...التحدي الأصعب أمام الغرب

الوضع السوري الشديد التعقيد يجعل أي تدخل عسكري غربيٍّ حاسم بسوريا في غاية الخطورة، في حين أن إنهاء الحرب عبر التفاوض يعني بقاء الأسد في السلطة وانتصار الديكتاتورية المتعنتة، كما يرى هارولد براون وزير الدفاع الأمريكي الأسبق، الذي يعتبر أن حل الازمة السورية يتمثل في تسليح حكومة جديدة متماسكة تمثّل جميع الأطياف السورية.

الاضطرابات في سوريا تفرض على صناع السياسة في الغرب عوائق خطيرة تفوق كل ما فرضته عليهم الأحداث السابقة في بلدان الربيع العربي. ففي سوريا مجتمع أكثر تعقيداً من مجتمعات الدول العربية الأخرى، التي تمر الآن بمخاض التحول السياسي، كما أن علاقاتها الخارجية أشد تعقيداً كذلك. ونتيجة لهذا فإن أية محاولة لتدخل عسكري حاسم لن تكون صعبة فحسب، بل وفي غاية الخطورة أيضاً.

و أحد التعقيدات أيضاً هو الدور البارز الذي لعبته، وما زالت تلعبه، سوريا في لبنان حتى بعد انسحاب القوات السورية المحتلة من هذا البلد الصغير، وثمة تعقيد آخر يتمثل في وجود أقلية علوية حاكمة في دولة ذات أغلبية سُنّية، الأمر الذي يجعل من سوريا وكيلاً لإيران الشيعية في العالم العربي السُنّي. وهناك أيضاً أقليات أخرى في سوريا، الشيعة غير العلويين، والمسيحيون الأرثوذكس والكاثوليك، والدروز ترتبط بدول مجاورة ولاعبين إقليميين، الأمر الذي يستدعي الاهتمام الشديد في الخارج بل وحتى الدعم النشط. وكل من تركيا والمملكة العربية السعودية وروسيا لديها مصالح استراتيجية وارتباطات طائفية في سوريا.

هل ستنتصر الديكتاتورية المتعنتة؟

لا شك أن الولايات المتحدة والدول الحليفة لها في منظمة حلف شمال الأطلسي تفضل نظاماً ديمقراطياً ذا توجهات غربية في سوريا. ولكن نظراً للمجتمع المعقد والصلات الخارجية، ينبغي للغرب أن يرضى بأي حكومة مستقرة لا تهيمن عليها روسيا أو إيران، ولا تدخل في صراع عسكري مع الدول المجاورة، بما في ذلك إسرائيل.

ما هي إذن السياسة الأفضل التي يتعين على الولايات المتحدة والغرب انتهاجها؟ إن إنهاء الحرب الدائرة حالياً من خلال التفاوض يعني بقاء الرئيس بشار الأسد في السلطة، ولو بوجه آخر على رأس السلطة. ومثل هذه النتيجة تشكل انتصاراً لقضية الديكتاتورية المتعنتة، وقمع حقوق الإنسان، ونصر لإيران وروسيا. ولكن التوصل إلى هذه النتيجة يصبح أيضاً أقل إمكانية مع تصاعد العنف.

الرئيس السوري بشار الأسد. أ ف ب
"إنهاء الحرب، الدائرة حالياً، من خلال التفاوض يعني بقاء الرئيس بشار الأسد في السلطة، ومثل هذه النتيجة تشكل انتصاراً للديكتاتورية المتعنتة، وقمعاً لحقوق الإنسان"/ كما يرى هارولد براون.

​​

وهذا يقودنا إلى ضرورة دعم المتمردين، ولكن أي فصيل منهم، وكيف؟ ولكنَّ هناك عاملاً آخر يعمل ضد التدخل، وهو أن توزيع السلطة الناتج عن الربيع العربي يجعل نفوذ الولايات المتحدة ضئيلاً ويجعل المعلومات الاستخباراتية المتوفرة لديها قليلة. ولكن من غير الممكن أن تترك الولايات المتحدة والغرب الأمر بالكامل للآخرين، أو أن يَقْصُرا جهودهما على الأمم المتحدة، في ظل حرص روسيا والصين على منع أي تحرك فعّال.

حكومة محتملة لسوريا

ما العمل إذن؟ في اعتقادي أن الولايات المتحدة من الممكن أن تعمل مع تركيا والمملكة العربية السعودية (مع الحرص على عدم دعم المتطرفين الإسلاميين)، ومع حلفائها في حلف شمال الأطلسي، وبخاصة فرنسا وبريطانيا، على تكوين حكومة محتملة لسوريا، وتسليح عناصرها العسكرية. ولابد أن تكون هذه الحكومة ممثلة لكافة الأطياف ومتماسكة.

ويتعين على القوى الغربية أن تكون حريصة على ضمان عدم وقوع أسلحتها بين أيدي جهات معادية محتملة. ولأن إيران تسلح نظام الأسد فإن هذا يدعو إلى اتخاذ تحرك تعويضي موازن.

وقد اقترح البعض دوراً عسكرياً أكثر نشاطاً للولايات المتحدة، بداية بفرض منطقة حظر طيران. وقد يصل الأمر إلى هذا، ولكن الفرنسيين والبريطانيين الذين شجعوا هذا المسار في ليبيا لم يقدموا مثل هذا الاقتراح بالنسبة لسوريا. ومن بين الأسباب وراء هذا أن سوريا لديها نظام دفاع جوي كبير ومتطور، وهذا يعني ضرورة تخريب هذا النظام أولاً بالاستعانة بعمليات قصف ـ وهو ما قد يؤدي إلى وقوع خسائر مدنية كبيرة والمجازفة بخسارة الطائرات والطيارين.

وينبغي للولايات المتحدة قبل البدء بهذا المسار أن تكون مقتنعة بأن العمل العسكري لن يتطلب إرسال قوات برية أميركية إلى سوريا. وينبغي لها أيضاً أن تكون على ثقة (وهو أمر مستحيل الآن) بشأن طبيعة الحكومة الجديدة.

الأخضر الإبراهيمي، المبعوث الأممي العربي للشأن السوري ووزير الخارجية الصيني يانغ جيشي. د ب أ
روسيا والصين أعاقتا اِتخاذ مجلس الأمن تدابير تجاه الوضع السوري، باستخدامهما لحق النقض في الأمم المتحدة.

​​

ولتلبية هذه المعايير فإن الأمر يتطلب توحيد جهود الدول المهتمة من أجل اكتساب قدر أعظم من التبصر بالعواقب الداخلية في سوريا والإقليمية المترتبة على العمل العسكري. والواقع أن الاهتمام المكرس للمسألة السورية أثناء قمة دول "عدم الانحياز" الأخيرة في طهران كان بمثابة محاكاة هزلية لهذه الممارسة.

جهود دبلوماسية فذة

إن عقد مؤتمر كهذا ليس بالمهمة السهلة. بل إن مجرد الانتهاء من إعداد قائمة الضيوف سوف يتطلب جهوداً دبلوماسية فذة. ولابد بكل تأكيد من دعوة تركيا ومصر والمملكة العربية السعودية والعراق، ولابد أيضاً من حضور روسيا والولايات المتحدة وربما فرنسا وبريطانيا. ولكن استبعاد جارة مثل إسرائيل، ودولة تابعة لسوريا مثل لبنان، أو دولة راعية مثل إيران سوف يكون أمراً غريباً ـ وتوجيه الدعوة إلى كل هذه البلدان يُعَدّ بمثابة وصفة أكيدة للفوضى.

الانتفاضة في سوريا هي الأشد عنفاً بين ثورات الربيع العربي، وتتوالى فصولها ببطء وبشكل مهلك. والواقع أن العدد المقدر للوفيات على مدى عام ونصف العام يعادل عدد مَن قُتِلوا في غضون بضعة أيام فقط في عام 1982 في مدينة حماة على يد حافظ الأسد (والد بشار)، الذي نجحت سياسة الأرض المحروقة التي انتهجها في تعزيز قبضته على السلطة ولم يترتب على ذلك سوى إدانة خطابية من جانب المجتمع الدولي.

التحدي الأصعب

ومن المرجح أن تكون التداعيات أكثر تخريباً عندما يسقط النظام، عاجلاً أو آجلا. فقد كان آل الأسد، مثلهم كمثل غيرهم من القادة المستبدين العرب، حريصين على قمع العنف الداخلي وتطلعات المواطنين. ولكن التعقيد الذي تتسم به الظروف في سوريا يعني أن نهاية النظام هناك قد تؤدي إلى عملية انتقال لا مثيل لها في غيرها من بلدان الربيع العربي، المختلفة في مسارها على المستوى المحلي وفي تأثيرها على المنطقة.

إن الدبلوماسيين يصنعون سمعتهم المهنية بإيجاد حلول إجرائية محددة للمعضلات غير القابلة للحل، ومن المؤكد أنهم يأملون في عقد مؤتمر قادر على استيعاب ومطابقة المواصفات الاستراتيجية المرغوبة. فحتى الآن نجحت الولايات المتحدة في التعامل مع أشكال التحول السياسي المختلفة في دول الربيع العربي من دون الوقوع في أخطاء شديدة الضرر. ولكن سوريا تشكل التحدي الأصعب حتى الآن.

هارولد براون
ترجمة: إبراهيم محمد علي
تحرير: علي المخلافي
حقوق النشر: بروجيكت سنديكيت 2012

هارولد براون وزير الدفاع الأمريكي بين عامي 1977 و 1981 في عهد الرئيس جيمي كارتَر.