واقع التحديات...اختبار السياسات

يرى الخبير في شؤون الشرق الأوسط، ميشائل لودرز، في مقالته التحليلية الآتية أن نجاح المتشدد أحمدي نجاد في انتخابات الرئاسة الإيرانية وعدم استعداد الحكومة الإسرائيلية لتقديم تنازلات جدّية للفلسطينيين يشكل انتكاسة واضحة لرؤية أوباما للسلام والأمن في المنطقة.

نتنياهو وأوباما، الصورة: د.ب.ا
الشرق الأوسط...المهمة الصعبة..اختلاف الرؤى بين أوباما ونتياهو بشأن طبيعة حل القضية الفلسطينية

​​ من النادر أن تتحرك السياسية في الشرق الأدنى والأوسط، وإذا حدث فمن النادر أن يكون هذا التحرك في اتجاه إيجابي. وسواء كانت مصر أم ليبيا أم السعودية، فمعظم دول المنطقة لا تزال ترضخ إما تحت حكم المسنين أو العشائر أو القمع. وفي هذه الأيام والأسابيع حدث ما لم يحدث عادة في سنوات. فقد كان خطاب الرئيس الأمريكي أوباما الذي ألقاه في القاهرة قبل أسبوعين موجَّها إلى عقول وقلوب الشباب والإصلاحيين. ومعظم المسلمين يصدقون أنه يسعى جاهدا لوضع العلاقات بين الولايات المتحدة والعالم الإسلامي على أسس جديدة يغلب عليها طابع الاحترام المتبادل وتخلو من الوصاية الأيدلوجية. ويصدقون أيضا أنه يريد سلاما شاملا بين الإسرائيليين والفلسطينيين.

تجديد من خلال الإصلاح

الانتخابات اللبنانية، الصورة: ا.ب
خسارة حزب الله في الانتخابات اللبنانية وفوز قوى الرابع عشر من آذار من الأخبار الوحيدة التي قد تسر واشنطن في المنطقة، حسب الباحث لودرز

​​ هذا ليس آخر ما يقوم به أوباما حيث يدعو للتغيير، أي التجديد في المنطقة من خلال الإصلاح. وبهذا أعطى أقوى رجل في العالم الحكّام المحليين درسا قاسيا، بِدءا بنظام التعليم المتدهور وتنظيم الأسرة ومكافحة الفقر. لكن رؤى رئيس الولايات المتحدة اصطدمت بالواقع. فمن المؤكد أن " قوى الرابع عشر من آذار (مارس)" المقربة من الغرب فازت في الانتخابات النيابية بمرشحها سعد الحريري. أما حزب الله المقرب من إيران فقد خسر – على عكس التوقعات – في هذه الانتخابات بشكل واضح. هذه إذن هي الأخبار الوحيدة من المنطقة التي قد تُسعد واشنطن في هذه الأيام. أما البداية الجديدة المرتقبة في إيران فبقيت بعيدة المنال، وظل الرئيس محمود أحمدي نجاد في منصبه. وبغض النظر عن التزوير الواضح في الانتخابات والثورة التي تجتاح البلاد فقد فاز المتشددون وحافظوا على سلطتهم بكل الوسائل.

الجمهورية الإسلامية هي العدو

على الرغم من أن الرئيس الإيراني يختلف عن نظيره الأمريكي أو الفرنسي فهو لا يتمتع بسلطات تنفيذية فعلية وليس إلا ناطقا باسم الحكومة ورمزا للمؤسسة الدينية، إلا أنه يُعتبر في نظر الغرب وجه الجمهورية الإسلامية، ويرونه "الشرير" على وجه الإطلاق. إن ميول السياسة الغربية وأصحاب الرأي لتقييم بعض المصالح الخاضعة لسياسة القوة على أنها تعبير عن بشارة للحرية تجد في أحمدي نجاد النموذج الأصلي للعدو. كما أن ولع أحمدي نجاد لتهييج المشاعر، وخاصة إنكاره للهولوكوست، يغذي المعارضين - في الولايات المتحدة وفي إسرائيل على وجه الخصوص – الذين يظهرون صورة إيران كعدو أكثر لأسباب أيدلوجية.

أحمدي نجاد
"موضوع إيران أصبح في إسرائيل كما لو كان هاجسا، وذلك بسبب التخوف من القنبلة النووية الإيرانية من ناحية، ومن ناحية أخرى لتحويل الأنظار عمدا عن سياستها الاحتلالية والاستيطانية"

​​ أضف إلى ذلك أن إعادة انتخاب أحمدي نجاد تمهد لقُرب الهجوم الإسرائيلي على المنشئات النووية الإيرانية، بحسب اعتقاد كثير من المحللين. كما أن موضوع "إيران" أصبح في إسرائيل كما لو كان هاجسا، وذلك بسبب التخوف من القنبلة النووية الإيرانية من ناحية، ومن ناحية أخرى لتحويل الأنظار عمدا عن سياستها الاحتلالية والاستيطانية.

لا يوجد استعداد فعلي للوصول إلى حل وسط

وبناء على هذه الخلفية فلا عجب أن يؤكد رئيس الوزراء الإسرائيلي نيتانياهو على وجود الخطر الإيراني في خطابه الأول المنتظر منذ مدة والذي ألقاه يوم الأحد الماضي حول المسألة الفلسطينية. وأردف قائلا أنه من الممكن أن يتصور إقامة دولة فلسطينية، بيد أن الشروط التي وضعها لذلك خيالية لدرجة أن المرء توهم أنه يقول ما ليس في قلبه. والحق أنه من الصعوبة أن يتصور المرء أن الحكومة اليمينية المتشددة الحالية لديها استعداد لتقديم تنازلات جدية للفلسطينيين. كما أن أي تراجع في هذه المسألة قد يؤدي إلى حل فوري للائتلاف الحكومي الذي يسوده لوبي المستوطنات. إن مطالب أوباما التي وجهها إلى إسرائيل لم تكن مقرونة بالتهديد بالعقوبة، ذلك لأن هذا قد يفرض مواجهة علنية مع اللوبي الإسرائيلي ذي النفوذ القوي في واشنطن. وهذا ما لم يخاطر به أوباما.

اللعب على الوقت

باراك ونتنياهو، الصورة: د.ب.ا
تضارب المواقف الإسرائيلية بشأن الموقف من إيران، خاصة فيما يتعلق بتوجيه ضربة عسكرية إسرائيلية للمنشآت النووية الإيرانية

​​ على الرغم من أهمية الصراع الشرق أوسطي إلا أنه لا يُعد الأجندة المركزية لرئاسة أوباما. وبناء على ذلك فللحكومة الإسرائيلية أن تلعب على الوقت وأن تجعل همّها أن تعيد الصراع النووي مع طهران – بمساعدة الإعلام أيضا - إلى قائمة الصراعات البارزة. إن ورطة أوباما تكمن في معرفة مشاكل المنطقة معرفة حقة، ويدخل في ذلك الاستعداد لتصحيح المسار بعدما عاثت حكومة بوش فسادا في أفغانستان والعراق. بيد أنه لا يجد في إيران ولا في إسرائيل حليفا لمحاولاته اختراق دائرة العنف وما يتبعها من ردود أفعال. إن رؤى أوباما مهددة بأن تصبح سرابا. وقد يكون آخر مَن يأسى على ذلك هم الرؤساء العرب.

والاتحاد الأوروبي يتعامل مع المسار الذي ينحوه أوباما في سياسته كما يتعامل في العادة مع السياسة الأمريكية، فهم يستحسنوها (مع العلم أن اعتراض بعض الدول الأوروبية، ومن بينها ألمانيا، على حرب العراق عام 2003 كان استثناءً). إن أوروبا ستبقى حليفا للولايات المتحدة، وأيضا في الشرق الأدنى والأوسط. وليس هناك أمل في وجود مبادرات أوروبية أصلية تجاه إيران أو تجاه إسرائيل. على كل الأحوال لن يجرؤ أي مسئول سياسي ألماني على أن ينتقد المواقف الإسرائيلية علانية وبصراحة.

إن أي مطالب تُوجه إلى إيران لن تكون ذات فائدة تُذكر. ولكن بالنسبة لإسرائيل فتقتصر المطالب على عبارات تقليدية متعارف عليها لا تُلفت في العادة إلى الواقع الفلسطيني. وهذا لن يكون كافيا على الدوام. هذا وإلا سوف يتعاظم الخطر في أن يتجرأ رجال الحكومة في إسرائيل على القيام بعملية عسكرية ضد البرنامج النووي الإيراني، الشيء الذي يُحتمل اعتباره من معظم الحكومات الغربية عملا مشروعا للدفاع عن النفس. ونتائج مثل هذه العملية لن تستطيع البلاغة المجردة التعبير عنها.

ميشائل لودرز
ترجمة: عبد اللطيف شعيب
حقوق الطبع: قنطرة 2009

عمل الدكتور ميشائيل لودرز أعواما عديدة مراسلاً في الشرق الأوسط لدى صحيفة دي تسايت الأسبوعية. ويعمل الآن مستشارًا سياسيًا واقتصاديًا وكاتبًا صحفيًا في برلين.

قنطرة

الاتِّحاد الأوروبي وأزمة غزة:
سياسة الكيل بمكيالين
نادرًا ما فشلت السياسة الأوروبية بشكل واضح مثلما هي الحال في محاولة إنهاء الحرب التي تدور في قطاع غزة. وبدلاً من أن يتحدث الأوروبيون بصوت واحد وبموقف متوازن، انتهج الاتِّحاد الأوروبي سياسة غير متوازنة لا تأخذ مصالح كل الأطراف بعين الاعتبار كما يرى الخبير في شؤون الشرق الأوسط، ميشائيل لودرز.

ردود أولية سريعة على خطاب أوباما في القاهرة:
خطاب علاقات عامة أم خطاب للتطبيق؟
لقي خطاب أوباما بالمجمل ترحيبا عربيا واسعا، من حيث طبيعة النبرة الجديدة المنفتحة على المسلمين والدعوة إلى تدشين مرحلة جديدة في العلاقات بين الولايات المتحدة والعالم الإسلامي، والآن ينتظر العالم العربي أن تتحول هذه الكلمات إلى أفعال. أميرة الأهل حضرت خطاب أوباما في القاهرة وسجلت هذه القراءة.

أوباما والعالم الإسلامي:
قطيعة مع الحقبة البوشية... إشارات تصالحية
جددت المقابلة التي أجرتها قناة العربية مع الرئيس الأمريكي الجديد باراك أوباما الآمال في بداية عهد جديد في العلاقات الأمريكية مع العالم الإسلامي. غير أن كسب ثقة العالم الإسلامي يستوجب سياسات بعيدة المدى كما يرى عدد من الخبراء. شمش العياري رصدت آراء بعض المحللين حول آفاق السياسة الخارجية الأمريكية تجاه العالم الإسلامي.