انقلاب دستوري ناعم يستنزف طاقة الثورة ويعيد مصر إلى المربع الاول

"مرة برلمان حب يعمل قانون عزل - اتعزل هو".. نكتة مصرية صميمة وليدة حكم قضائي تاريخي أطاح في جلسة واحدة ببرلمان الثورة، وبآمال أغلبيته الإسلامية في تفعيل قانون العزل، الذي وضعوه لإقصاء من يصفونهم بـ "فلول النظام المخلوع". أميرة محمد تستطلع ردود فعل عامة الشعب المصري في القاهرة على هذا الانقلاب الدستوري الناعم.



طغت تداعيات حكم المحكمة الدستورية المصرية بـ "حل البرلمان" على ردود فعل الشارع السياسي إزاء حكمها بـ "عدم دستورية قانون العزل". هناك من هلل للإطاحة ببرلمان "الإسلاميين"، وهناك من رحب بإبقاء المرشح الرئاسي أحمد شفيق في السباق الرئاسي، وهناك من أغضبه كلا الحكمين.


شريف أسعد (رئيس قطاع تخطيط طويل الأجل في شركة أسيك) أبدى عدم رضاه عن حل البرلمان بهذه الطريقة، قائلا: "واضح أن القوانين في مصر تطبق حسب الأهواء. نفس الموقف حصل عام 87، واستمرت القضية في المحاكم 3 سنوات، وليس شهرا واحدا"، في إشارة إلى سابقة قانونية أبطلت فيها المحكمة الدستورية العليا الانتخابات التشريعية لعام 1987. وأضاف: "99 % من المصريين الذين ذهبوا لصندوق الانتخابات ومارسوا الديمقراطية هم الأغلبية التي أتت بالمجلس لأول مرة في تاريخ مصر، والآن ألقي برأيهم في القمامة".


وعن قانون العزل، قال أسعد: هو بالفعل غير دستوري منذ البداية. لكن هذا لا يمنع أن بداخلي مشاعر إحباط شديد وغضب جارف. أنا غير متقبل للنتيجة شكلا وموضوعا. لقد خلقوا جيلا كاملا لا يعترف بالديمقراطية، جيلا أكثر عنفا ولن يتقبل أحكام القضاء في المستقبل، لاسيما من الإخوان والسلفيين، بكره تشوفي هيعملوا إيه، الثورة قادمة". على النقيض، لم يستطع البعض إخفاء فرحته بحل البرلمان ذي الأغلبية الإسلامية، لاسيما بعد أوساط الليبراليين ومناهضي "الدولة الدينية". كما لم يخف البعض الآخر سعادته بالحكم بعدم دستورية قانون العزل ومن ثم إبقاء "شفيق" في انتخابات الرئاسة المقررة السبت.

 

رجل الشارع لا يعرف "العزل السياسي" وكل ما يعنيه الرئيس الصالح


وبينما انشغلت النخبة السياسية وشباب "الفيسبوك" واستديوهات الهواء وبرامج "التوك شو" بالملابسات القانونية والتداعيات السياسية للحكم، لم يعبأ رجل الشارع البسيط بكل تلك التفاصيل، فكل ما يعنيه هو "صالح البلد". هكذا قال محمد جمعة (عامل نظافة)، الذي تحدثت إليه على بعد كيلومترات من مبنى المحكمة.


وخلف هذا المبنى الشاهق، فرعوني الطراز، الواقع على كورنيش النيل في "المعادي"، تمتد مساحة كبيرة من أراض ٍ زراعية زحفت عليها العشوائيات، لتتحول هذه المنطقة الراقية إلى واحدة من أخطر أوكار الخارجين عن القانون. هناك يعمل "عم جمعة" في جمع القمامة. يرى التعزيزات الأمنية حول المحكمة على مرمى البصر، ولا يعي السبب وراءها، رغم أنه يتابع الانتخابات ويعتزم انتخاب شفيق. لا يدرك "عم جمعة"، الذي انتخب شفيق في المرحلة الأولى، أن قرارا من المحكمة كان سيطيح بمرشحه المفضل.
كما يقول محمد جمعة: "معرفش قانون العزل السياسي ده إيه.. ومش فارق معايا يعملوا انتخابات شعب تاني ولا لأ، لكن لو كان شفيق خرج من الانتخابات كنت هازعل.. أنا عاوز انتخب حد خدم البلد، وله خبرة، ويعرف سياسة، ولو سافر وقابل رئيس دولة أجنبية يعرف يتكلم معاه".


سائق تاكسي: الإسلاميون مازالوا مضطهدين

انقلاب دستوري ناعم يستنزف طاقة الثورة ويعيد مصر إلى المربع الاول
طغت تداعيات حكم المحكمة الدستورية المصرية بـ حل البرلمان على ردود فعل الشارع السياسي إزاء حكمها بـ عدم دستورية قانون العزل السياسي لفلول النظام السابق.

​​
على النقيض، قال كامل حافظ (سائق تاكسي) إنه كان يتمنى لو حكمت المحكمة بعدم إشراك شفيق في الانتخابات. وأضاف: "هذا الرجل من العهد البائد ولا يمكن يحكم مصر، اللي وراه حرامية ورجال أعمال، حتى مقر حملته في الدقي، فيلا تابعة لأحمد عز" (أحد رجالات عهد مبارك المعتقلين)، على حد قوله. وأكد سائق التاكسي، الذي يعلق على سيارته صورة لمحمد مرسي، مرشح الإخوان المسلمين، أنه يرى أن أي شخص يمكن أن يحكم مصر إلا شفيق، حتى لو أعادوا الانتخابات ورجعنا لنقطة الصفر". وعن حل البرلمان، أبدى حافظ ضيقه، معتبرا أن "الإسلاميين مازالوا يعانون من الاضطهاد منذ أيام النظام السابق".


الرأي نفسه، بذات الحدة، أبداه محمود دندراوي (بقال). وقال "خليهم يحلوا البرلمان، أنا هانتخب مرسي رئيس للبلد كلها، لأن شفيق إيده ملطخة بدماء الشهداء". وأضاف "طالما كان رئيس وزراء أيام موقعة الجمل يبقى هو الفاعل الحقيقي في قتل المتظاهرين". وزاد دندراوي: "أنا حلمت أن شفيق هو اللي قتل الشهداء من سنتين قبل الثورة ما تقوم.. لكن مين هيصدقني دلوقتي!".
في منطقة وسط بين هذه وتلك، قال محمد يحيى (مراقب حسابات) إنه كان يرفض تطبيق قانون العزل السياسي الآن: "كان يجب تفعيله من البداية، أما الآن فلا، لأنه كان سيخدم مصلحة الإخوان فقط"، على حد قوله. وأوضح أنه لن ينتخب شفيق ولا مرسي، وسيقاطع جولة الإعادة في الانتخابات الرئاسية لرفضه المرشحين.


بدوره، عبر بدر الدين حسن (عامل في المصانع الحربية) عن حيرة الكثيرين قائلا:"أنا حيران مش عارف أختار مين.. عاوز اللي يحكم البلد صح وخلاص، أنا مفهمش في قانون العزل ده.. لكن عاوز رئيس يعمل لنا مدارس نظيفة ومستشفيات كويسة وتموين". وختم: "عاوز أنتخب شفيق، لكن الناس بتقول عليه كلام وحش قوي، ومش عارف أعمل إيه!"

 

 

أميرة محمد ـ القاهرة
مراجعة: أحمد حسو
حقوق النشر: دويتشه فيله 2012