جراحة تجميلية لا تعالج جذور المشكلة

اتَّفقت الحكومة اللبنانية الموالية للغرب مع حزب الله على تشكيل حكومة جديدة وعلى قانون انتخابي جديد، الأمر الذي سيجنب لبنان على المدى المنظور شبح الحرب الأهلية، غير أنه لم يعالج جذور المشكلة في بلاد الأرز وفق ما يراه بيتر فيليب في هذا التعليق.

مؤتمر الدوحة للحوار الوطني اللبناني، الصورة: أ.ب
على الرغم من الاتفاق إلا أن أسئلة مفتوحة مازالت قائمة بخصوص مستقبل لبنان

​​بعد خمسة أيام من المفاوضات التي ظهرت جزئيًا عديمة الأمل اتَّفق ممثِّلو التيارات السياسية اللبنانية المتعادية مساء الأربعاء (21.5.2008) في قطر على حلّ توافقي، يفترض أن يُخرج لبنان من أزمتها السياسية الداخلية المستمرة منذ عام ونصف العام. وتكمن أهم نقاط هذا الاتفاق في تغيير القانون الانتخابي والتقسيم الجديد للدوائر الانتخابية في بيروت، بالإضافة إلى انتخاب فوري لرئيس للدولة. لكن لم يتم حلّ مسألة نزع سلاح حزب الله الشيعي المعارض الذي هاجم قبل فترة قريبة وللمرَّة الأولى أشخاصًا سنِّيين ودروز في بيروت وفي أرجاء أخرى من البلاد وقد أشعل بذلك خطر نشوب حرب أهلية جديدة.

من المشكوك به كثيرًا إذا كان اتِّفاق قطر سيستمر لفترة طويلة، إذ إنَّ هذا الاتِّفاق مثل الاتفاقات السابقة التي تم توقيعها في الماضي لا يحلّ مشكلات لبنان الأساسية، بل ينصّ فقط على إجراء تغييرات تجميلية. وهكذا يظل من أهم المشكلات الرئيسة انقسام لبنان إلى ثماني عشرة طائفة مذهبية مختلفة، تصرّ معظمها على المطالبة بحقوق سياسية.

نظام المحاصصة

ويمثِّل الشيعة الطائفة الأكبر والتي صارت في هذه الأثناء أيضًا الأهم. الشيعة الذين يعانون تقليديًا من التمييز وقد كان يتم لفترة طويلة إهمالهم وحرمانهم بوصفهم فقراء وغير متعلمين يطالبون باستمرار وبوضوح أكثر بمشاركتهم في السلطة. وقد أمسى هذا أسهل بالنسبة لهم بنشوء حزب الله المدعوم من سوريا وإيران، والذي تم تأسيسه في عام 1982 من قبل إيران كميليشيا مسلحة ولكنه صار في هذه الأثناء يشكِّل أيضًا العمود الفقري للمعارضة السياسية التي تواجه الحكومة الائتلافية برئاسة رئيس الوزراء السنِّي فؤاد السنيورة والتي يتم دعمها من قبل الغرب ومن قبل أهم الدول العربية.

مظاهرة في بيروت، الصورة: أ.ب
متظاهرون يطالبون الزعماء اللبنانيين بعدم العودة إذا لم يتفقوا في الدوحة

​​الاشتباكات المسلحة التي وقعت قبل فترة قريبة كانت تهدِّد بالتحوّل إلى حرب تدور على الحكم بين السنَّة والشيعة كان من الممكن في حال مواصلة التصعيد أن تعرِّض كلَّ النظام السياسي اللبناني الهشّ للخطر؛ هذا النظام التناسبي الذي يعتمد على المحاصصة بين أهم الطوائف المذهبية وقد أمسى منذ عهد طويل غير مناسب للعصر الحاضر.

لقد وضعت سلطات الانتداب الفرنسي في السابق هذا النظام وذلك من أجل توطيد سيطرة المسيحيين الموارنة المقرَّبين منها. وثم اتَّفق في بداية الأربعينيات المسيحيون والسنَّة في "معاهدة وطنية" على أنَّ رئيس الدولة يجب أن يكون مارونيًا ورئيس الوزراء سنِّيًا ورئيس البرلمان شيعيًا. كذلك لقد تم توزيع مناصب رسمية أخرى - وحتى في داخل الجيش - حسب نظام المحاصصة هذا، كما أنَّ المرشحين في مختلف الدوائر الانتخابية يدخلون الانتخابات حسب هذا النظام.

من نتائج هذا النظام الذي يعتمد في أساسه على تعداد سكاني أجري في الثلاثينيات أنَّ الكثيرين من اللبنانيين ينظرون إلى أنفسهم أولاً على أنَّهم أتباع لطوائفهم المذهبية الخاصة ومن ثم لبنانيين؛ كما أنَّهم يدخلون من دون تمييز بغية تنفيذ مطالبهم والدفاع عنها في تحالفات عشوائية واتِّفاقات مصلحية، لا علاقة لها بالعاطفة والعقل بقدر ما تتعلَّق بالأمور الانتهازية:

لعبة الأدوار

أمير قطر في اجتماع مع الزعماء اللبنانيين، الصورة: أ.ب
الاتفاق جاء بعد مخاض صعب

​​فهكذا كان المسيحيون الذين يصفون أنفسهم بأنَّهم "اللبنانيون الحقيقيون" غالبًا على اتِّصال مع الغرب وفي بعض المراحل حتى مع إسرائيل، أما في هذه الأيام فإنَّ قسمًا منهم ينتمي إلى معسكر الحكومة وقسم آخر يبحث عن مصالحه ومنافعه لدى حزب الله. وقد كان السنَّة يعدّون في السابق من ممثِّلي حركة القوميين العرب (السنية) وكانوا يقدِّمون الدعم لمنظمة التحرير الفلسطينية بالإضافة إلى أنَّهم تحالفوا كذلك مع سوريا، بيد أنَّهم يرفضون في يومنا هذا النفوذ السوري في لبنان.

لقد طالب الدروز من جانبهم بمنطقة تكاد تكون ذات حكم ذاتي في لبنان (في جبال الشوف)، ثم تحالفوا مع دمشق ليرفضوها الآن من داخل الحكومة الائتلافية. وأخيرًا بدأ الشيعة فقط في وسط السبعينيات بقيادة زعيمهم في تلك الحقبة موسى الصدر - على الأرجح أنَّه اغتيل من قبل ليبيا - بممارسة العمل السياسي، غير أنَّهم لم يقعوا إلاَّ في فترة متأخرة تحت تأثير سوريا وإيران بصورة خاصة. في البدء كان يشتكي الشيعة خاصة في جنوب لبنان من أنَّ منظمة التحرير الفلسطينية تُدخلهم في الصراع مع إسرائيل، غير أنَّ حزب الله أعلن قبل فترة طويلة تضامنه مع جبهة الرفض الفلسطينية التي تتخذ من دمشق مقرًا لها.

وحزب الله يطالب منذ عام ونصف العام باستقالة حكومة فؤاد السنيورة أو ببديل للعودة إلى الحكومة، فهو يصرّ على منحه صوتًا مؤثرًا في الحكومة، بيد أنَّه لا يستحق من حيث العدد هذا الصوت حتى وإن ظلّ على صلة وثيقة بالمسيحيين المجتمعين حول العماد ميشيل عون.

حاول المعنيون في قطر إيجاد مخرج من هذا الوضع المتأزِّم. لكن من المشكوك فيه إذا كان هذا الاتِّفاق سيستمر لفترة طويلة، لاسيما وأنَّه لا يحلّ أي واحدة من المشاكل القديمة. لكنَّه ربما يمنح لبنان على الأقل استراحة للتنفّس؛ إذ إنَّ البديل يعني الحرب التي لا يريدها أحد.

بيتر فيليب
ترجمة: رائد الباش
دويتشه فيله 2008

قنطرة

الحرب الأهلية اللبنانية في ذاكرة الشباب:
مبادرة استثنائية تجمع شبابا من طوائف مختلفة في الضاحية الجنوبية من بيروت
بمناسبة الذكرى الثلاثين لاندلاع الحرب الأهلية اللبنانية قامت أمم للتوثيق والأبحاث ببيروت بورشة عمل شبابية، اشترك فيها 25 شابا وشابة تتراوح أعمارهم بين الرابعة عشر والتاسعة عشر لتبادل ذكرياتهم عن الحرب الأهلية وتوثيقها. تقرير بيرنهارد هيلينكامب

بعد انسحاب الجيش السوري:
إلغاء الطائفية هو أكبر تحدي يواجهه المجتمع المدني في لبنان
بعد اغتيال رئيس الوزارء السابق رفيق الحريري تظاهر الآلاف في شوارع بيروت مطالبين بانسحاب السوريين واستقالة حكومة كرامة. هل يمكننا اعتبار هذه الحركة الجماهيرية بداية انطلاق مجتمع مدني حقيقي في لبنان؟ حوار مع عمر طرابلسي مدير منظمة "مجموعة الأبحاث والتدريب للعمل التنموي" في بيروت

خريف بطاركة السلطة: إلى أين يتجه العالم العربي؟
علينا الإلتزام بالحذر في تفسير الواقع
مشاهد غير معهودة في الشرق الأوسط: مظاهرات سلمية في لبنان، إسلاميون وليبراليون يحتجون في مصر ضد نظام مبارك وانتخابات بلدية في السعودية، بلاغات صادرة عن مجموعات المقاومة الفلسطينية بشأن التخلي عن استخدام العنف ومفاوضات الأحزاب في العراق من أجل تشكيل ائتلاف حكومي. هل يمر العالم العربي بمرحلة تحول جذري؟ تحليل الباحث عمرو حمزاوي