راب ربيع العرب: نقد لاذع ونشر للغسيل الوسخ

"خط ثالث" مجموعة من أغاني الهيب هوب، لفنانين مشاغبين من بلدان عربية تمتد من سوريا إلى تونس، لكنهم يعتبرون أنفسهم "خطاً ثالثاً" لأنهم يغنون للثورات ضد الحكومات ولا يقفون دائماً في صف الثوار. يانيس هاغمان يعرفنا بألبوم الأغاني.

الكاتبة ، الكاتب: Jannis Hagmann

مُنَقْرِش، شاب في الرابعة والثلاثين من العمر، لكنه يبدو وكأنه من قدامى المثقفين. فهو حين يتحدث عن انتفاضات العالم العربي، يبلغ سريعاً أزمة الهوية التي تتخطى الحدود، أو موضوع أفول العروبة. لكنه بعد ذلك يعدّل وضعية قبعة البيسبول على رأسه، ويقول بلهجة أمريكية واضحة: "علينا نشر كل غسيلنا الوسخ".

على قرص الأغاني "خط ثالث" جمع مُنَسِّق الموسيقى (الدي جيه) والمنتج السوري الأمريكي منقرش ما أنتجه فنانو الهيب هوب أثناء التحولات التي جرت وما زالت تجري في المنطقة العربية. وجمع 23 أغنية راب من تونس ومصر والعراق ودول عربية أخرى. لم يجمع ما أنتجته شركات الأغاني الكبرى، وإنما جمع أغاني هيب هوب أصلية سياسية.

وتصدر الاسطوانه في شهر فبراير/ شباط 2013 عن شركة إيندي للاسطوانات في كاليفورنيا باسم "Stronghold Sound".

"من البداية كان واضحاً أننا لن نتورع عن انتقاد المعارضة، وبالتأكيد الأنظمة في تلك البلدان كذلك" هذا ما قاله منقرش، المنحدر من والدين سوريين والمشهور باسم "Dub Snakkr" في أوساط الأندية الشرق أوسطية. لذلك أطلق منقرش عنوان "طريق ثالث" على مساهمته الموسيقية في الثورة.

مُنَسِّق الموسيقى (الدي جيه) والمنتج السوري الأمريكي منقرش. Thankyoufestival.com
صوت الثورة: جمع المنتج الأمريكي السوري منقرش في ألبوم "خط ثالث" ما تراكم في مرحلة تطور الهيب هوب عند الفنانين في المنطقة العربية.

​​التعامل النقدي مع الثورة

ربما كانت هذه هي رغبة الفنانين، أي لا تحفّظ بشأن أي انتقاد، كل كلام مباح، ويجب التطرق إليه بدون رادع. وهذا ماعبرت عنه الأغاني بتشاؤم أحيانا.

فالفلسطيني ياسين يغني على إيقاع موسيقى الراب: "الحرية هي كذبة / إذا حكمت النهضة تونس". وباتجاه سوريا يشير اللبناني زين الدين بعينيه مغنياً: " أخاف أن أعمل للثورة/ و في نهاية المطاف أخدع نفسي".

ورغم ذلك فإن أغاني الراب "خط ثالث" ليست مجرد مجموعة متشائمة ومعادية للثورة. إذ أن الموسيقيين يوزعون نقدهم بشكل بديهي ولاذع في كل الاتجاهات: فيوجهون نقدهم ضد محطة الجزيرة وإسرائيل والمملكة السعودية والأمم المتحدة والإخوان المسلمين وأيضا ضد حكومات بلدانهم.

هذا هو فضاؤنا، فنحن نستفيد من من حرية الرأي. وهو ما يدفع من أجله الآخرون ثمناً باهظاً"، يقول منقرش، مشيراً إلى الثوار.

الهيب هوب العربي منذ نشوئه في بداية الثمانينيات هو لسان حال الناس في موطنه الأصلي. توطد هذا النمط الموسيقي في الجزائر المنهكة من الحرب الأهلية في التسعينيات كثقافة موسيقية احتجاجية شعبية. وبعد فترة قصيرة استطاع الثلاثي الفلسطيني" دام" أن يشد الأنظار إليه بأغاني هيب هوب قاسية ضد الاحتلال الإسرائيلي.

حديثا تبين ذلك على يد مغني الراب التونسي "الجنرال"، فيظهرالبعد السياسي في هذا النوع من الموسيقى. خلال الانتفاضة ضد الدكتاتور زين العابدين بن علي أصبحت أغنية "ريس البلاد " مع الجملة الشهيرة " السيد الرئيس، شعبك قد مات" نشيداً للثورة.

علاوة على ذلك استنهضت الانتفاضات الحديثة همّة الهيب هوب العربي، وأصبحت فرق الراب المختلفة من كل أنحاء المنطقة تصول وتجول في الإنترنت. ليس ذلك فحسب، كما يقول المنتج منقرش، إذ بالنسبة إليه تعتبر الاحتجاجات امتحانا للنضج.

"ففي العامين الأخيرين دخل الهيب هوب في مرحلة جديدة، ولم يعد هناك حاجة لإثبات أنه يمكن إنتاج هيب هوب عربي. وانما المهم هو الرسالة والمحتوى وما يدور في فكر الناس حقيقة".

​​

حين نستمع إلى القِطَع الموسيقية في "خط ثالث"، التي جمعها منقرش على مدى سنتين، والتي أنتجها بنفسه إلى حد كبير، نستشف من خلالها التساؤلات: "ماذا نجني حين تحترق البلاد/ حين يكون الهدف بلا جدوى"، هكذا طرح زين الدين أسئلته.

"دمشق لا تنام"

نتيجة طغيان السياسة تتراجع الموسيقى بعض الشئ في أغاني "خط ثالث". في بعض القطع تبدو النغمات بدائية، هكذا أراد لها مؤلفوها. أكثر ألحانها عربية. والاستخدام المتكرر للعود الشرقي، الذي يقوم بدور أساسي في العديد من القطع، ممتع ويتجاوز المألوف.

واحدة من أقوى الأغاني - وواحدة من القطع المرشحة للانتشار في هذه المجموعة هي أغنية: "بوم بوم بام" لثلاثي الراب السوري الشاب "LaTlateh".

فيسترسل اللحن بدايةً: "دمشق لاتنام". انفجرت قنبلة في شوارع دمشق ومزقت بطلَيْ الأغنية. روحاهما خرجتا من جسديهما وأدركتا ما حدث.

"أرى حفرة كبيرة (في الشارع) / لكن أين بقايا جسمي / لماذا توجد شظايا زجاج في جسدي؟". وعلى طرف الشارع يبرز ملصق مكتوب عليه: " انتبه شهيد". شئ يتعارض مع المقطع المحبب في الأغنية: "بوم بوم بام، دمشق لاتنام".

الجو السائد في الأغاني يعبر عنه بوضوح مغني الراب السوري السيد درويش الذي يغني على إيقاع موسيقى الراب: "أنا لا أحكي قصة لأسليكم، أنا أصف لكم الواقع حتى نفتح أعيننا".

 

يانيس هاغمان
ترجمة: سليمان توفيق
تحرير: علي المخلافي
حقوق النشر: قنطرة 2013