من أجل تفسير حر للقرآن

ترسخ بين رجال الدين الإيرانيين تيار يعارض المفهوم الأصولي للإسلام. وأصبح يمثل هذا التيار القوى الإصلاحية في المجتمع الإيراني وله أهمية كبرى في العالم الإسلامي. كتايون أميربور تعرفنا بأحد رموزه

الصورة: ماركوس كيرشغيسنر

​​

من بين رواد هذه الحركة عبد الكريم سروش، الذي تناولت نظريته العلمية الكبرى التحول الذي طرأ على المعرفة بشؤون الدين. ولأن معرفة الإنسان قابلة للتغيير، فإن معرفته لشؤون دينه تتغير أيضا، إذ أن المعرفة تتعلق دائما بالزمن وبمستوى العلم. ويقصد سروش هنا أنه مع الزمن تظهر تفسيرات ومعاني جديدة للدين، وهذه لابد أن تتناسب مع ظروف الحياة التي يحياها المفسرون.

ويحاول سروش تأسيس نظام سياسي يكون إسلاميا وديمقراطيا في نفس الوقت، وكانت نقطة البداية عنده هو سمة التقارب البحت. إن المرء لا يستطيع أبدا أن يعرف ماذا ينتظر الله منه، ولن يعلم أبدا ماهية القوانين الإلهية ومغزاها. إن مراد الله لا يمكن تقصيه.

تفسير القرآن بطريقة حرة وغير تقليدية

بمقدور الإنسان إدراك مُراد الله وفهمه، لا غير. ومقصد الدين هذا لايمكن أبداً أن يتعارض مع الطبيعة البشرية، والنص القرآني يُعتبر نصا حُراً مثل النصوص الأُخرى قابلاً للتأويل والتفسير.

ويرى سروش أن التأويل الجامد للعقيدة هو أحد مظاهر الحداثة، وأن المرء كان فيما مضى يعتبر أن المعرفة بشؤون الدين قابلةٌ للتغيير، وهذا التغيير يفسح المجال لتفسيرات جديدة، وبناءً عليه نجد أن الديمقراطية والإسلام وحقوق الإنسان تتلائم مع بعضها.

وسوف يلاقى هذا المفهوم صعوبات في إيران حيث يلتزم الخطاب دائماً برأي مؤسس الجمهورية الإيرانية آية الله خميني، فحسب صورة الله والإنسان عنده نجد أن الله له حقوق فقط وأن الإنسان ليس له حقوق. والحقوق التي قد يملكها لا يملكها لكونه إنسان كما هو سائد في المفهوم الغربي.

وفي المقابل لله حقوقاً على الإنسان، ومن الممكن أن يمنحَ اللهُ أو خليفتهُ في الأرض البشرَ بعض الحقوق وأن يحرمهم منها مرة ثانية، لأن الحقوقَ لم توجد هكذا وإنما هي مِنةٌ من الله.

ويرى خميني أن على المرء أن يضحي بنفسه من أجل سعادة المجتمع، أي الأمة الإسلامية. هذه النظرة العالمية المتعصبة بانتهاك بعض الحقوق على أنها من أجل سعادة المجتمع، لأن سعادة المجتمع هي دائماً في المقام الأول. وإذا كان الأمر يمس سعادة الأمة الإسلامية فإن ذلك يعتبر مبرراً للرقابة والتعسف وانتهاك حقوق الإنسان.

التوافق بين حقوق الإنسان والدين

سروش يعارض: إن حقوق الإنسان تعتبر عنده من مقتضيات العقل البشري، وبناءً عليه فهي لا يمكن أن تتعارض مع الدين، لأن إرادة الله لا يمكن أن تكون معارضة للمنطق والحكمة. وهو لا يتردد في قبول تطبيق حقوق الإنسان في البلاد الإسلامية ويرى أنها حتمية بالرغم من أن هذه الحقوق نشأت في إطار غير ديني. فهي في حقيقة الأمر من فكر الإنسان، وطالما أنها لا تتعارض مع الدين، فإن حق الله يظل محفوظا.

النتائج المنطقية لهذه البراهين: إن هناك مجموعة كبيرة من القوانين التي يقرها الإسلام لن نستطيع تطبيقها، مثل قطع يد السارق، ويرى سروش أنه ليس من الضروري تطبيق الشريعة الإسلامية بجزئياتها. ولكي يبرر ذلك نجد أن القيم عنده لها درجات، منها الأولى ومنها الثانية. فالقيم ذوات الدرجة الثانية تتعلق بجزئيات أحكام الشريعة فقط، وتكون مختلفة من ديانة إلى أُخرى. أما القيم ذوات الدرجة الأولى، مثل العدالة، فهي المهمة فعلا.

البحث عن الفحوى بدلا من التعصب

تُعتبر الحدودُ وأحكامُ الملبسِ من جُزئيات الشريعة الإسلامية، وهي ذات أهمية قليلة، ولكنها تمثل القشرة الخارجية فقط التي تحافظ علي الدين وتحميه، وهي في الحقيقة لا تمت لفحوى الدين بصلة.

ويبرهن سروش على ذلك بأن كل من يؤمن بمبادئ الشيعة الخمسة: الإيمان بالله وحده وبالنبوة وبالأئمة الإثنى عشر والبعث والعدل الإلهي، فهو شيعي. ولا يهم اتباع تلك المبادئ حرفياً، وعليه فإن المرء يستطيع أن يراعي حقوق الإنسان في ظل نظام إسلامي.

وهكذا نجد أن سروش قد تبنى فيما يتعلق بحقوق الإنسان موقفاً يُماثل موقف العلمانيين، فهو يرى كالعلمانيين أن الإنسان له أيضا حقوق خارج نطاق الدين لكونه بشر. وهذه النظرة لا تتوافق مع تفسير القرآن، بل تسري في النهاية حسب إرادة الخالق. وهي تختلف كليةً عن الأنواع الأُخرى للجدل الإسلامي الحر.

إن المفكرين المسلمين الليبراليين يحاولون في حججهم الدفاعية أن يظهروا أن المسلمين كانوا عبر التاريخ متسامحين مع الديانات الأخرى، وحاولوا تحسين الصورة فيما يتعلق بقتال المرتدين على أنه كان نادرا وله مبرر سياسي ولم يكن له مبرر ديني.

أما سروش فلم يشغل نفسه على الإطلاق باظهار سماحة الإسلام على مر التاريخ، وهو لا يذكر حال اليهود في أسبانيا أثناء الحكم الإسلامي على أنه كان أفضل من حالهم أيام الحكم المسيحي. كما أنه لايحاول تحسين صورة المسلمين بخصوص الجزية الكبيرة والدية الصغيرة لغير المسلمين. إنه لايحتاج لمثل هذه التفسيرات لأنه يحاول أن يجعل نظرته الدينية تتوائم مع الإطار الحديث لحقوق الإنسان، لأن هذا – كما يقول سروش - يعتبر من ضروريات العالم الحديث ولا يوجد له بديل. وعليه فإن إخفاق التجربة الإسلامية المتشددة في إيران لا يحتاج إلى براهين أُخرى.

كتايون أميربور: باحثة في الدراسات الإسلامية و صحفية من أصل إيراني، مقيمة في كولونيا