قضية مراد كورناز والرأي العام الألماني

توشك قصة مراد كورناز وتجربته المرة في معتقل غوانتينامو أن تسقط في النسيان، ولن يغير صدور كتابه "خمس سنوات من حياتي"، وهو شهادة عن سنوات الاعتقال والتعذيب، من هذا شيئا. في هذا التعليق يضيء ايبرهارد زايدل أسباب عدم الاهتمام هذا.

توشك قصة مراد كورناز وتجربته المرة في معتقل غوانتينامو أن تسقط في النسيان، ولن يغير صدور كتابه "خمس سنوات من حياتي"، وهو شهادة عن سنوات الاعتقال والتعذيب، من هذا شيئا. في هذا التعليق يضيء ايبرهارد زايدل أسباب عدم الاهتمام هذا.

"نحن مراد كورناز"، بهذا العنوان كتب الصحفي والكاتب نافيد كرماني مقالا هاما جديرا بالذكر في جريدة "تاتس" في 29 مارس/آذار 2007، يقول فيه: من قصة كورناز يمكن أن نستخلص ما تعنيه قيمنا بالنسبة لنا.

ظهر المقال في يوم مثول وزير الخارجية فرانك فالتر شتاينماير أمام لجنة التحقيق البرلمانية في أنشطة المخابرات الألمانية الذى طال انتظاره. في هذه الأثناء عاد كل شيء في ألمانيا إلى وضعه الطبيعي ولقي تصريح الوزير قبولا، حيث قال بأن مسؤولية حكومة الإئتلاف من الحزب الاشتراكي الديمقراطي والخضر لم تسوغ في خريف 2002 حرمان كورناز من العودة ألمانيا فقط بل جعلته "ضروريا". حيث كانت دوائر الأمن ترى بصورة قطعية ومقبولة أن كورناز يمثل "خطورة أمنية" على البلاد، والأمن أولى عند وجود شك.

في هذه النقطة يصعب تصور المكانة التي ستحتلها قصة مراد كورناز المربكة والمعقدة في الذاكرة الجماعية في جمهورية ألمانيا الإتحادية. ولكن الحياة تستأنف سيرها، فتر منذ وقت طويل اهتمام الذين ثاروا واستنكروا قبل شهور قليلة المعاملة القاسية التي لاقاها مواطن بريمن، سجين غوانتانامو.

لهذا كان لا بد من التذكير هنا مرة أخرى بأنه لم تثبت ضد مواطن بريمن تهمة واحدة. قامت قوات الأمن الباكستانية باعتقال كورناز أثناء عملية تفتيش روتينية وتم تسليمه في نوفمبر/تشرين الثاني 2001 إلى القوات الأمريكية في أفغانستان مقابل ثلاثة آلاف دولار. واعتبرته القوات الأمريكية "مقاتلا عدوا" ونقلته إلى غوانتانامو في يناير/كانون الثاني 2002.

وفي 31 من يناير / كانون الثاني 2005 أقرت قاضية بالمحكمة الاتحادية الأمريكية بعدم شرعية حبس كورناز. كانت الحكومة الألمانية على علم باعتقال مواطن بريمن منذ يناير/كانون الثاني 2002 وتعاونت مع سلطات الأمن الأمريكية بهذا الشأن تعاونا وثيقا. وفي 2004 أعلن سيناتور بريمن للشؤون الداخلية أن كورناز لن يسمح له بالعودة إلى ألمانيا بعد إطلاق سراحه، حيث ألغيت إقامته الدائمة بسبب إقامته أكثر من ستة شهور في الخارج.

كل هذا معروف، ومن فترة طويلة. على الرغم من ذلك لا يزال هناك نوع من الشك، الشيء الذي قوّاه وزير الداخلية السابق أوتو شيلي، حيث قال أنه وُجد في حقيبة أمتعة كورناز سروال عسكري وتلسكوب. ولماذا باكستان بالذات؟ كان هذا كافيا تماما ليتحدث الشارع عن "طالبان من بريمن".

وماذا كان على المسؤولين السياسيين يومذاك أن يفعلوا؟ لا شيء سوى الدفاع ضد أي إرهاب مهما كان احتماله صغيرا، ولا بد للوصول إلى هذا الهدف من التضحية ببعض الأشخاص. تسلل مبدأ غوانتانامو إلى الجمهورية.

إن مراد كورناز ليس إلا مسلما وتركيا. ما لنا نحن الألمان ومثل هذا الشخص؟ هذا سؤال يتكرر طرحه دائما، ويُفسد جو البلد أيضا، ويجزّئ حقوق الإنسان إلى مجموعات لها حقوق وأخرى حلت عليها اللعنة.

ما معنى حلول هذا الصمت العميق المحيط بكورناز؟ علينا أن نقارن هذا الصمت باللغط المثار حول جماعة الجيش الأحمر. فمنذ ثلاثين عاما والجمهورية تختلف حول التعامل القانوني الصحيح مع القتلة الذين ثبتت عليهم الجريمة. ويبدأ الجدل بحماس كبير مرة بعد أخرى. أما كورناز الذي لم يرفع السلاح ضد أحد فلن يحظى إلا بما حظي منه من اهتمام موسمي لفترة قصيرة. هل يرجع ذلك إلى أن هؤلاء قتلة من بيننا أما كورناز فليس من دمنا ولحمنا.

إن مراد كورناز هو درس لأطفال العائلات المهاجرة بعنوان: "أيها الأولاد وأيتها البنات، هذه هي الحال وعليكم أن تنتظروها منا". إنها دورة تعليمية سريعة عمن ينتمي ومن لا ينتمي إلينا. إنها مسرحية تدور حول تقسيم الكرامة والحرمان منها. إنها مثَل لإمكانية تقسيم حقوق الإنسان. إنها عار على البلد كله الذي لم ينجح في الاختبار.

بقلم ايبرهاد زايدل
ترجمة عبد اللطيف شعيب
حقوق الطبع قنطرة 2007

قنطرة

"خمس سنوات من حياتي" لمراد كورناز
الكتاب الذي ألفه مراد كورناز يسبب الارتباك للسياسيين وللقراء الألمان. فكيف أمكنهم الاكتفاء بدور المتفرج على الرغم من أن هذا الإنسان كان عرضة للتعذيب والقمع؟ يوليا غيرلاخ قرأت الكتاب وتقدمه لنا