المثقف السعودي فاعل مع وقف التنفيذ

في أقل من شهر تم اعتقال مدون ثم كاتب في المملكة العربية السعودية بعد نشرهما لأفكار اعتبرت مسيئة للدين الإسلامي، وهو ما أثار تخوفات حول مستقبل المثقف السعودي، خاصة في ظل هيمنة المتشددين على المشهد السياسي في المملكة. سهام أشطو تستطلع دور المثقف السعوديّ بين رغبة الإصلاح ومواجهة تُهَم الإساءة للدِّين.

مازالت قضية اعتقال الكاتب السعودي تركي الحمد تثير جدلا وردود أفعال متباينة في صفوف السعوديين، لكنها تثير بالخصوص مخاوف حول دور المثقفين ومستقبلهم في البلد.

فتيار الإسلاميين المتشددين بات يتقوى أكثر ليطغى على دور المثقفين وخصوصاً ذوي التوجهات الليبيرالية والحداثية، في مجتمع يسود فيه الطابع الديني كما أكد ذلك خبراء سعوديون. هذا المعطى بحسب مراقبين عززه صعود الإسلاميين في الدول التي عرفت ثورات الربيع العربي.

تركي الحمد وقبله رائف البدوي يشكلان نماذج لهامش الحرية المسموح به للمثقف في الممكلة السعودية، ورغم أن البلاد عرفت نقاشات وانتقادات بخصوص سياسة الدولة إزاء عدد من المواضيع من بينها حقوق المرأة، إلا أن قضية الإسلام ماتزال من المواضيع الحساسة والمحرم تناولها.

رِدّة أم دعوة لإسلام معتدل؟

وبدا المجتمع السعودي منقسما حيال قضية تركي الحمد بين من اعتبره مرتدا و مسيئا للإسلام و النبي محمد، وبين من اعتبره "ضحية" تم تأويل أفكاره بشكل خاطئ، وأن ما كان يقصده بكلامه هو الدعوة إلى إسلام معتدل.

وليست هذه المرة الأولى التي يثير فيها الكاتب الليبيرالي جدلا في بلاده فأشهر مؤلفاته "ثلاثية الأزقة المهجورة" المكونة من ثلاث روايات، كانت أثارت نقاشا كبيرا بسبب تطرقها لمواضيع حساسة في المجتمع السعودي، كما كان الحمد يكتب أيضا في صحف سعودية، وعُرف بمواقفه وتصريحاته الجريئة بخصوص سياسة بلاده.

تغريدات تركي الحمد على تويتر التي اعتقل بسببها
تغريدات تركي الحمد على تويتر التي اعتقل بسببها

​​

أما هذه المرة فقد اندلع الجدل عندما نشر الحمد تغريدات على موقع التواصل الاجتماعي تويتر وَرَدَ في إحداها: "جاء رسولنا الكريم ليصحح عقيدة إبراهيم الخليل، وجاء زمن نحتاج فيه إلى من يصحح عقيدة محمد بن عبد الله...سيد الخلق جاء بعقيدة الإنسان...فحولها البعض إلى عقيدة بغضاء الإنسان". ليتم بعدها اعتقاله.

ويقول عبد العزيز الخميس رئيس تحرير مجلة المراقب العربي الصادرة بلندن و عضو المركز السعودي لحقوق الإنسان في لندن، إن تركي الحمد اُستخدم لتوجيه إشارة سياسية من الدولة للإسلاميين مفادها أنها مازالت متمسكة بتعاليم وثوابت الدين الإسلامي، وأنها ليست مع العلمانيين والقيم الغربية.

ويضيف: "أعتقد أن ما حدث سيلغي ادعاءات الإسلاميين بأن الحكومة السعودية تقف في صف العلمانيين"، لهذا يعتبر الخميس أن ما حدث هو رسالة سياسية أكثر مما هو مظهر للتشدد الديني.

وتأتي هذه الاعتقالات بعدما أصدر عدد من العلماء والمشائخ السعوديين بيانا يستنكرون فيه "الهجمة الإلحادية"، وإهانة النبي محمد والمقدسات الدينية، بالإضافة إلى مواقف صادرة عن مجمع الفقه الإسلامي وإمام الحرم المكي تحذر مما وصفته بِ"انتشار مظاهر الإلحاد" في المجتمعات الإسلامية.

الثورات العربية هي السبب؟

من جانبه يعتبر محمد عبد الله آل زلفى عضو سابق في مجلس الشورى أن المثقف يجب أن لا يقحم نفسه في انتقاد المقدس ويضيع وقته في ذلك، لأن هناك قضايا أهم من ذلك في المجتمع السعودي.

ويضيف: "أعتقد أن تركي أخطأ استعمال هذه العبارات و في هذا الوقت بالذات، فذلك يخدم الإسلاميين الذين اعتبروا أن هناك مثقفين يدعون إلى دين جديد".

ويقصد آل زلفى بالوقت الحالي، التأثير الذي خلفه صعود الإسلاميين بعد الربيع العربي، ويقول: "في السابق كان هناك توجه في المملكة نحو الإسلام المعتدل لكن بعد الثورات الإسلامية المتخلفة، فالإسلاميون السعوديون صاروا يرغبون في أن يكونوا أكثر تشددا من الشيعة ومن إسلاميي مصر و تونس...".

يضيف آل زلفى أنه مع الدعوة إلى "إسلام حقيقي معتدل و غير مسيس ومتشدد لكن ليس بالطريقة التي عبر بها تركي الحمد عن ذلك".

احتجاجات لمواطنين شيعة سنة 2011 في شرق السعودية
احتجاجات لمواطنين شيعة سنة 2011 في شرق السعودية

​​

ويسعى العاهل السعودي الملك عبد الله بن عبد العزيز إلى اتخاذ موقف الوسط بشأن الصراع بين الإسلاميين المتطرفين والعلمانيين في البلد، إلا أن التطورات الأخيرة التي شهدتها المنطقة تلعب لصالح الإسلاميين الذين صاروا يتمتعون بنفوذ أكبر حسب المراقبين.

وتشكل قضايا المرأة و الحريات الفردية و الدينية أكثر المواضيع إثارة للجدل والانتقاد في السعودية، رغم أن العاهل السعودي يحاول بين الفينة والأخرى تلميع صورة بلاده من خلال إجراءات إصلاحية، إلا أن ذلك لا يرقى لتطلعات الناشطين والمنظمات المحلية والدولية، كما أن الإسلاميين المتشددين يعتبرونها أحياناً "تعاطفا مع العلمانيين".

"المثقف السعودي، فاعل مع وقف التنفيذ"

بينما يعتقد الخميس أن هناك تياراً علمانياً شبابياً جديداً في السعودية و له أنصار ومُريدون كُثُر، بسبب ضيق الأفق أمام التيارات الإسلامية المتطرفة.

لكن لا مجال للحديث بحسب اعتقاده، عن دور المثقفين والليبراليين في البلد لأنه لا يفتح المجال سوى لمن يكتب و ينشط في الاتجاه الذي تسير فيه إرادة السلطة"، ويضيف متسائلاً: "متى كانت هناك حرية أصلاً حتى يتم التضييق عليها الآن؟"

ويقول آل زلفى إن الدولة تمسك العصا من الوسط فيما يتعلق بموضوع الإسلاميين والعلمانيين: فإنْ "اشتد المتشددون أرخوا الحبل قليلا للمثقفين وإن ارتفعت مطالب هؤلاء يحدث العكس".

لكنه يعتقد أن دور المثقف السعودي مازال مهما وحاضرا "فالمثقف السعودي مازال يكتب و ينتقد ومازلنا نرى كُتّاب الأعمدة الصحفية ينتقدون و يهاجمون المتشددين والإسلام السياسي و الديكتاتورية...".

الملك السعودي عبد الله بن عبد العزيز
"يسعى العاهل السعودي الملك عبد الله بن عبد العزيز إلى اتخاذ موقف الوسط بشأن الصراع بين الإسلاميين المتطرفين والعلمانيين في البلد، إلا أن التطورات الأخيرة التي شهدتها المنطقة تلعب لصالح الإسلاميين الذين صاروا يتمتعون بنفوذ أكبر حسب المراقبين".

​​

ويشير الخميس إلى أن الطبيعة الدينية للمجتمع السعودي نفسه ترفض أي توجه علماني حتى لو قررت الدولة التسامح مع الليبرالية فالشعب بنفسه سيرفض ذلك، وهذا ما يجعل بحسب الناشط السعودي، الطريق سهلاً أمام التضييق على هذه التوجهات.

ويضيف: "حتى إن كانت هناك شرائح من المجتمع تدعو للإصلاحات فهي تريدها أيضاً إصلاحات متماشية مع الدين".

ويسعى الإسلاميون في السعودية، وخصوصاً منهم التيار الذي يعرف بالسلفي الوهابي المتشدد عبر نفوذه في القضاء والتعليم وفي مجالس علماء الدين وجهاز هيئة الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر، إلى توظيف الخلفية الدينية للدولة السعودية والعلاقة الخاصة التي تأسست عليها المملكة السعودية، في صراعهم ضد الليبراليين والعلمانيين.

كما يستخدمون هذه الورقة في الضغط على الحكم من أجل كبح الإصلاحات في النظام السياسي والاجتماعي بالبلاد.حيث يعتبر المذهب الحنبلي الذي تستند إليه الوهابية، المذهب الرسمي للدولة، كما أن الأسرة المالكة السعودية محكومة برباط تعاقد تاريخي بين "الإمام والأمير"، وهو يرمز للإمام محمد بن عبد الوهاب مؤسس الدعوة الوهابية والأمير محمد بن سعود مؤسس المملكة.

 

سهام أشطو
تحرير: منصف سليمي
حقوق النشر: دويتشه فيله 2012