موت في الهواء

خلال السنوات العشر الماضية مات عشرة أشخاص على متن طائرات أثناء ترحيلهم الإجباري من أوربا بعد أن فشلوا في الحصول على حق اللجوء. تقرير طارق العرب من لندن عن سياسة الترحيل التي تنفذها شركات الطيران بتكليف من الحكومات الأوربية .

المصدر: أب
طائرة ترحيل

​​خلال السنوات العشر الماضية مات عشرة أشخاص على متن الطائرات وهم ممن فشلوا في الحصول على اللجوء كما تذكر منظمة العفو الدولية. تحاول الحكومات في الآونة الأخيرة أن تجد وسائل بديلة لترحيل ونفي أولئك الذين يفشلون في الحصول على اللجوء، لكن هل يتم ذلك من أجل فعالية أكبر وأفضل في الترحيل أم من أجل سلامة المُرَحّل؟ تقرير طارق العرب

اختناق على متن الطائرة

حين أجبر ثلاثة من شرطة الحدود محمد أيمير عجيب على أن يضع رأسه بين ركبتيه و شدوا ذراعيه ورجليه ووضعوا خوذة الدراجات النارية على رأسه فإن محمد البالغ من العمر ثلاثون عاماً والذي فشل في الحصول على حق اللجوء أُصيب بالاختناق وهو في عملية ترحيله من فرانكفورت إلى الخرطوم على متن طائرة تابعة لشركة لوفتهانزا.

في الثاني من فبراير/ شباط 2004 وتقريباً خمس سنوات بعد الحادثة، رُفعت قضيته إلى المحكمة. وقد يحُكم على ضباط شرطة الحدود بعقوبة قد يصل إلى خمسة أعوام في السجن ولكن نتيجة المحاكمة غير واضحة لحد الآن.

إن قضية عجيب ليست استثناء فريدا، فقد مات ريكاردو بارينتوس الأرجنتيني بعد دقائق معدودة من صعوده طائرة الخطوط الفرنسية رحلة رقم 416 إلى بوينس آيرس. اُقتيد بارينوتس، الذي فشل في الحصول على حق اللجوء، مُكَبّل اليدين إلى الطائرة من قبل حراس الأمن الفرنسي.

وحينما رفض وقاوم أجبره الحراس على أن يجلس وضغطوا بركبتيه إلى الأعلى على صدره. وهكذا اختنق الرجل البالغ 52 عاماً في مقعده.وبعد أسبوعين فقط من وفاة بارينتوس ماتت مُرَحّلَة أخرى اسمها ماريم كَتو آكَوس وهي على متن الخطوط الجوية الفرنسية.

ويقول الناطق باسم منظمة العفو الدولية نيل ديركن أن "حوادث الموت هذه هي الأولى من نوعها التي تحدث في طائرة أثناء ترحيل قسري من آراضٍ فرنسية منذ 1991 ولهذا السبب وحده، فان ذلك يتطلب إجراء تحقيق عميق وفوري. كما أن عدد الوفيات التي حدثت في بلدان أوربية أخرى تجعل الأمر أكثر إلحاحا وإلزاما كي يتم التحقيق في هذه الحوادث بصورة شاملة."

استحالة الدفاع عن حقوق الإنسان

التحقيق قائم الآن على قدم وساق. وتطالب منظمة العفو الدولية بتحقيق غير منحاز وكامل لظروف وملابسات موت بارينتوس، وتطالب أن يُعْلَن عن نتائج التحقيق. من الواضح أنه يستحيل الدفاع والتأكيد على حقوق الإنسان لشخص فشل في الحصول على لجوء.

ويذكر نيكولا روجري وهو محامٍ يعمل مع جمعية محامي قانون الهجرة البريطاني أنه " ما إن يوضع الشخص المُرحّل على متن الطائرة ويتم التخلص منه بصورة ناجحة فإن إمكانية قيامه بتقديم شكوى ومتابعتها تكاد تكون معدومة."

وتقول الشركات المسؤولة عن الترحيل إنه لا يمر أسبوع في المملكة المتحدة بدون حوادث حيث يثور أو يتمرد المُرَحّلون الذين فشلوا في الحصول على لجوء على عملية ترحيلهم. ومن الجلي أن الخطوط الجوية تحاول الآن أن تتجنب المشاركة في الترحيل.

ويوضّح تام ديفس، المدير التنفيذي لشركة "لوس بريفنشن انترناشونال" وهي شركة مسؤولة عن تنفيذ عملية الترحيل لصالح المملكة المتحدة، تزايد صعوبة عملية الترحيل، لأنه بعد الحادي عشر من سبتمبر/ أيلول رفض عدد كبير من شركات الطيران نقل من يفشلون في الحصول على لجوء.

ولولا الخطوط الجوية البريطانية لأصبح عدد عمليات الترحيل المقرر إجراؤها إلى خارج البلاد صفراً. تتم أغلب عمليات الترحيل على رحلات الركاب التجارية. يقول موظف الخطوط الجوية البريطانية إنه "يتوجب علينا أن ننقل الجميع.

ولا يمكننا أن نمُيّز بين الأشخاص الذين يتوجب ترحيلهم لأن لديهم تذكرة صحيحة. وزارة الداخلية تخبر الذين يُرحّلون متى يتوجب عليهم أن يعودوا ومع أي من الخطوط الجوية، لذلك فليس أمامنا من خيار إلا القبول والموافقة."

الترحيل يعوق خدمة الزبائن

مازال الترحيل بواسطة الخطوط الجوية التجارية جزءا من العمل اليومي، رغم أنه قد يعوق خدمة الزبائن.ويذكر أنِس كَوُني وهو مسافر كثير الطيران على متن الخطوط الجوية البريطانية: "لقد شاهدت عمليات ترحيل أشخاص على الخطوط الجوية عدة مرات. كانوا مُكَبَّلي الأيدي ويحاطون بشرطيين من كل جانب. وما من شك أن الأشخاص الذين يُرحّلون هم خاسرون فلماذا يُذلَّون ويُخْزُون رغم كل هذا؟" يتساءل أنس كَوُني ويوضح ذلك من خلال تجربته بالقول: "إن بعض الخطوط الجوية تنتظر حتى يكتمل نصاب الركاب ويصعد جميعهم على متن الطائرة قبل أن يسمحوا للمرحّلين بالصعود."

الخطوط الجوية مُلزمة بالقوانين

حثَّ أصحاب الحملات [المناهضة للترحيل] الخطوط الجوية لسنوات على أن تتوقف عن الاشتراك في عمليات الترحيل. ولكن الخطوط الجوية تجيب عادة بأنها مُلْزَمة بقانون الدولة وقد وضح الناطق الرسمي للخطوط الجوية الفرنسية في إشارة إلى محاولات الترحيل المميتة لبارينتوس وآكوس قائلاً: " في أحيان قليلة يتوجب علينا أن ننقل مواطنين أجانب إلى خارج الحدود. إجراءات الترحيل هذه تقوم بها وزارة الداخلية أو السلطات المعنية للدول الأخرى تنفيذا لقرارات إدارية وقانونية."

وتذكر الخطوط الجوية البريطانية -كما هو حال الخطوط الجوية الفرنسية- أنها هي الأخرى مُلْزَمة بالقانون للقيام بعمليات الترحيل. ويوضح المتحدث الصحفي للخطوط البريطانية "وفقا لقانون الهجرة للمملكة المتحدة لسنة 1971، نحن ملزمون قانونيا بنقل المرحّلين إذا طلبت الحكومة منا ذلك."

وتؤكد جمعية مراقبة الدولة وهي مؤسسة أوربية مستقلة لمراقبة حقوق الإنسان أنه يوجد التزام قانوني واضح للخطوط الجوية في المملكة المتحدة. بالإضافة إلى هذا فان المادة 27 من قانون الهجرة 1971 يعتبر رفض قائد الطائرة تنفيذ أوامر ترحيل أحدهم جريمة.

وتوضح وزارة الداخلية البريطانية أنه في أحيان نادرة يمكن لقائد الطائرة أن يرفض شخصا مُرَحّلا إذا كان مشاكسا ومزعجا خوفا على أمن وسلامة الطائرة. و عندما وُوجهت بالسؤال لماذا تستطيع بعض الخطوط أن ترفض بصورة قاطعة الاشتراك في الترحيل فإن وزارة الداخلية أجابت بالقول: "إن هذا السؤال يمكن طرحه على الخطوط الجوية المعنية."

سلامة الرحلة

على أي حال، أن الأمر محير. من واجب الخطوط الجوية مبدئيا أن تنقل المُرحّلين ولكن بإمكانها استخدام ثغرات قانونية لعمل استثناءات، عندما يتعلق الأمر بأمن وسلامة الطائرة. فلدى قائد الطائرة السلطة المستقلة على متن الطائرة وقد يرفض أياً من الناس ويمنعه من الصعود على متن الطائرة إذا أعتبره خطرا على أمن وسلامة الطائرة.

يُشير كلاوس. غ. ماير الرئيس السابق للجنة القانونية لاتحاد جمعية الطيارين الألمان إلى أن أية عملية ترحيل تتضمن مخاطر قانونية كبيرة للطيار المسؤول. ويوضح ماير أنه وفقا للقانون الدولي تقتصر سلطة الطيار المسؤول على المحافظة على النظام وتأمين السلامة أثناء الرحلة.

ووفقا لمبدأ القانون يتوجب على الطيار أن يطبق القانون باستخدام أفضل وأسهل الطرق وآمنها. فإذا كان من الممكن التنبؤ أن المحافظة على سلامة الرحلة سيتم فقط باستخدام القوة، فإن أسهل الطرق يعني أن لا يُسمح للشخص المُرحَّل بالصعود على متن الطائرة.

ولذا فإذا كانت سلطة المرافق تنبع من سلطة الطيار فإن الطيار، من وجهة النظر القانونية، هو المسؤول عن أي أذى يتعرض له الشخص المُرَحّل. وينصح اتحاد الطيارين الألمان أعضاءه بأن يرفضوا المُرَحّلين الذين يرفضون السفر وهذا يتفق مع سياسة جمعية الطيارين العالمية.

في الحقيقة يذهب اتحاد الطيارين الألمان إلى أبعد من ذلك لدرجة أنه ينصح أعضاءه بأن يسألوا بصراحة المُرَحَّلين، ما إذا كانوا يرغبون في السفر من أجل استبعاد خطر أي مساءلات قضائية ممكنة.

الترحيل يمكن أن يرفض لأسباب معقولة

لا تريد الخطوط الجوية مثل الخطوط الجوية البريطانية والخطوط الفرنسية أن تربط نفسها بسياسة ثابتة محددة وفقا لها يُرْفض الترحيل من حيث المبدأ. إذ يقول المتحدث الصحفي باسم الخطوط الجوية البريطانية :"قد نرفض الترحيل ولكن بعد دراسة الحالات حالةً حالةً، واعتمادا على أسباب معقولة".

ونقلا عن حديث لديرك كليرت الأستاذ بمدرسة الأعمال الأوربية، على موقع الشبكة الإليكترونية "درجة المرحلين" التابعة لمجموعة الحملة المناهضة للترحيل: "يتطلّب الأمر فضيحة حتى تبدأ الشركات في مراجعة أخلاقياتها" ويصح هذا في حالة لوفتهانزا . فمنذ موت عجيب رفضت شركة الخطوط هذه مبدئيا نقل المُرحّلين ضد إرادتهم.

الترحيل على متن رحلات الركاب مازال سائداً

تنظر الحكومات الأوربية في وسائل بديلة لنقل الذين يفشلون في الحصول على لجوء وترحيلهم عن طريق البر في باصات وفق مواعيد زمنية أو في القطارات أو في سيارات شرطة بدون علامات. وتذكر وزارة الداخلية البريطانية أن الرحلات المستأجرة هي وسائل أمينة وفعالة لإعادة الناس إلى بلدانهم بطريقة كريمة كما ترافق هيئة طبية من يفشلون في الحصول على لجوء أثناء إعادتهم على متن هذه الرحلات المستأجرة.

على أي حال، تبقى الطريقة السائدة للترحيل هي وضع الشخص المُرَحّل على متن طائرة نقل ركاب تابعة لشركة طيران. ويقول النقاد إنه مهما كانت الطريقة فإن المُرَحّل يجب أن يحصل على حماية مراقبين مستقلين ومهما كان الضرر والأذى الذي يتعرض له الركاب في رحلات الطيران فعلى الأقلّ يكون للمُرَحَّلين هناك بعض الشهود من الركاب على الطائرة.

بقلم طارق العرب

ترجمة كامل الزيادي

قنطرة 2004©