تردي الأمن يلقي بظلاله سلباً على الثقافة في مصر

خوفا من أعمال العنف المتجددة في القاهرة فضّل الكثيرون من المصريين عدم زيارة معرض القاهرة الدولي للكتاب في دورته الخامسة والأربعين لهذا العام 2014. أما الناشرون المشاركون فيشتكون من أوضاع غير مقبولة ومن سوء التخطيط. أميرة الأهل تروي من القاهرة لموقع قنطرة انطباعاتها عن المعرض، مشيرةً إلى تعطش الجيل الشاب للقراءة وللكتب الإلكترونية باللغة العربية.

الكاتبة ، الكاتب: Amira El Ahl

قد يتساءل المرء: ما هي علاقة خبز "البريتسل" الألماني المقرمش المملح بالكتب؟ منذ مطلع القرن الرابع عشر يعتبر خبز "البريتسل" رمز صناعة الخبز في ألمانيا، وبعد قرن واحد فقط من ذلك الوقت اخترع الألماني يوهانس غوتنبرغ طباعة الكتب الحديثة. وبعد ذلك بفترة قصيرة تم افتتاح معرض فرانكفورت الألماني للكتاب.

هذا التسلسل التاريخي غير المتوقَّع استخدمه السيِّد راميش دي سيلفا، السكرتير الأوَّل ورئيس قسم الثقافة والتعليم في السفارة الألمانية في القاهرة، حين افتتح مؤخراً الركن الألماني في معرض القاهرة الدولي للكتاب.

 فقد بات من المعتاد توزيع خبز "البريتسل" عند افتتاح الركن الألماني في معرض القاهرة الدولي للكتاب. وعلى هذا النحو يقدِّم الركن الألماني في القاهرة لزوَّاره، بالإضافة إلى الكتب والمعلومات القادمة من ألمانيا وحول ألمانيا، شيئًا من ثقافة الطعام الألمانية أيضًا. وفي يوم افتتاح الركن الألماني تلقى الزوار أيضًا وبفضل المعلومات التي ذكرها السيّد راميش دي سيلفا لمحة من التاريخ الألماني.

Verleger Magdi Radwan von der Buchhandlung Adam; Foto: Amira El Ahl
Verzichtete in diesem Jahr auf einen eigenen Buchmessen-Stand: Für Magdi Radwan von der Buchhandlung Adam lohnt es sich finanziell nicht mehr, die Kosten sind zu hoch.

أعمال ألمانية للسوق المحلية

الركن الألماني موجود منذ عدة عقود من الزمن في معرض القاهرة الدولي للكتاب. وفي هذا الركن يوجد تمثيل لكلّ من شركة المعارض، التابعة لاتحاد الناشرين الألمان، ومعهد غوته والمركز الألماني، التابع للسفارة الألمانية، والمكتبات المصرية التي توفّر أعمالاً ألمانية للسوق المحلية في مصر. وفي هذا العام يعرض الركن الألماني 350 كتابًا من 150 ناشرًا، منها أيضًا منشورات أدبية صدرت في العام الماضي 2013 وكتب جديدة للأطفال والشباب بالإضافة إلى "روايات مصوَّرة" معاصرة من ألمانيا.

كذلك يمكن العثور في الركن الألماني ومنذ سبعة أعوام على منشورات مكتبة آدم؛ يشرف على هذه المكتبة الناشر مجدي رضوان الذي يعرض للسوق المحلية المصرية أعمالاً ألمانية وكذلك أيضًا ترجمات لكتَّاب عرب إلى اللغة الألمانية.

وفي الأعوام السابقة كان له ركن خاص في معرض القاهرة الدولي للكتاب بالإضافة إلى مشاركته في الركن الألماني. ولكنه في هذا العام تخلى عن ركنه الخاص. ويعود سبب ذلك إلى كون الركن الخاص لم يعد مجدياً بالنسبة لهذا الناشر من الناحية المالية.

 إذ تبلغ الأجرة التي يدفعها عن هذا الركن في معرض الكتاب خمسة وعشرين ألف جنيه مصري لفترة الأسبوعين التي يقام فيها معرض الكتاب. ويضاف إلى ذلك أيضًا التكاليف الإضافية مثل أجرة الموظفين والكهرباء وغيرها. وعن ذلك  يقول مجدي رضوان: "حاليًا لسنا في الوقت المناسب لإضاعة الأموال، بل يجب علينا التفكر مرتين قبل صرف المال".

وعلاوة على ذلك فقد تم قبل فترة قصيرة من انطلاقة الثورة في شهر كانون الثاني/ يناير 2011 هدم القاعات التي كانت موجودة على أرض المعرض. وكان من المخطَّط بناء مبنى أكبر وأحدث مع قاعات عرض وفنادق تابعة لها. ولكن لم يحدث أي شيء منذ ذلك الحين. بل إنَّ جميع القاعات مهدومة باستثناء قاعة واحدة كما يضطر الناشرون منذ ذلك الحين إلى الاقتناع بوجود أركانهم في خيام كبيرة. وفي هذا الصدد يقول مجدي رضوان: "عندما تعود القاعات سوف أستأجر ركنًا لي من جديد".

القاعات الفارغة في مدينة نصر

Saud Al Sanousi; Foto: Saud Al Sanousi
Blieb der Buchmesse in Kairo fern: Saud Al Sanousi, Publikumsliebling und Saud Alsanousi, Gewinner des "International Prize for Arabic Fiction" 2013.

ولكن في الواقع لا يمكن - بحسب تعبير مجدي رضوان - احتمال الإوضاع الحالية؛ ومع ذلك فهو متّفق في الرأي مع ناشرين آخرين على أنَّ تنظيم المعرض في هذا العام جاء أفضل بعض الشيء مما كان عليه في العام الماضي. وعن ذلك يقول مجدي رضوان: "هم يحاولون ولكن لا توجد لديهم خطة".

كذلك لم تمض الأعوام الثلاثة الماضية التي كانت مضطربة سياسيًا من دون أن تترك آثارها على معرض القاهرة الدولي للكتاب في منطقة مدينة نصر وعلى الناشرين أيضًا. فقد أدَّت التفجيرات التي وقعت في القاهرة في أوَّل نهاية أسبوع من وقت المعرض والتي صادفت الذكرى السنوية لثورة الـ25 من يناير إلى تراجع عدد زوَّار المعرض بشكل كبير.

ويقول مصطفى الفرماوي، مدير التوزيع في مكتبة الشروق التي تعدّ واحدة من أكبر المكتبات في مصر: "لقد انخفضت مبيعاتنا بكلّ تأكيد في هذا العام بنسبة 30 في المئة عن العام الماضي. كما أنَّ تراجع نسبة المبيعات بالمقارنة مع عام 2010 يزيد عن 60 في المئة".

وفي الواقع إنَّ الزوَّار ليسوا الوحيدين الذين غابوا عن المعرض في هذا العام. فقد فضَّل بعض الناشرين المصريين ودور النشر العريقة مثل مكتبة دار الشروق الدولية وبعض دور نشر كتب الأطفال عدم المشاركة في المعرض هذا العام. ويضاف إلى ذلك غياب العديد من أصحاب المكتبات الذين كانوا يحضرون من السعودية والأردن ولبنان.

أما في القاعة 19 التي كان أصحاب المكتبات في ظروف أخرى يتصارعون على كلِّ سنتيمتر من المساحة المخصصة فيها للعرض فالعديد من أركانها فارغة. وحتى لم تقم الكويت التي تعدّ ضيف شرف معرض القاهرة للكتاب لهذا العام حتى بإرسال أشهر كاتب كويتي إلى المعرض؛ الكاتب الروائي سعود السنعوسي الحائز على جائزة بوكر العربية العام الماضي، الذي تعتبر روايته "ساق البامبو" من الكتب الأكثر مبيعًا في مصر.

 يقول  شريف بكر: "الكويت ضيف شرف كما أنَّ لديها مثل هذا الكاتب الجذَّاب وهي على الرغم من ذلك لا تزال حتى الآن غير حاضرة على الإطلاق". وشريف بكر ناشر يبلغ عمره 38 عامًا ويعمل منذ عام 1997 في دار العربي للنشر التي أسَّسها والده، وقد تولى إدارتها شخصيًا في عام 2005. وفي هذا العام أثارت الترجمات الجديدة التي نشرها لأعمال فرانتس كافكا الكثير من الاهتمام.

Stand auf der Internationalen Buchmesse Kairo; Foto: Amira El Ahl
Junge Leser und Autoren im Fokus der Verleger: Gerade die Leser im Alter zwischen 15 und 30 Jahren seien wichtig für den Markt und die Verleger würden sich darauf konzentrieren, diese Leser zu erreichen.

الخوف من التفجيرات

في الظروف العادية يعتبر معرض القاهرة الدولي للكتاب هدفًا محبَّبًا للعائلات مع الأطفال، وذلك لأنَّ المعرض يقام في العادة أثناء العطلة المدرسية. في أوَّل يومين من للمعرض كان تدفّق الزوار كبيرًا، مثلما يقول شريف بكر: "كان الناس يريدون إنجاز مشترياتهم وقد أنفقوا المال". ثم جاء يوم 24 كانون الثاني/ يناير ومعه التفجيرات في القاهرة. وكان الخوف كبيراً من احتمال أن يكون معرض الكتاب هدفاً للتفجيرات، وهكذا فضَّل زوَّار المعرض الغياب عنه، حسب قول شريف بكر.

ويضيف شريف بكر: "نحن الناشرون أطلقنا وبالتعاون مع "الهيئة المصرية العامة للكتاب" حملة في الفيسبوك حتى نبيِّن للناس أنَّ المعرض آمن". وظلت أبواب المعرض مفتوحة وتم خفض أسعار تذاكر الدخول من عشرة جنيهات إلى جنيه واحد من أجل جذب الجمهور. "لقد كان من المهم أن نستمر في العمل على الرغم من سوء الوضع. لأنَّنا نسعى إلى تشجيع القرَّاء على زيارة المعرض".

ورغم التراجعات الكبيرة في الأعوام الأخيرة لا يزال معرض القاهرة الدولي للكتاب مثل ذي قبل أكبر معرض للكتاب في العالم العربي ومنطقة الشرق الأوسط، وهو كذلك ومنذ اليوم الأول معرض لشراء الكتب. ويقول مجدي رضوان إنَّ "بيع الكتب في معرض الكتاب يعدّ أمرًا ضروريًا من أجل البقاء بالنسبة للكثيرين من الناشرين المصريين". ويضيف شريف بكر أنَّ بعضهم يبيع نحو 80 في المئة من مبيعاتهم السنوية في معرض الكتاب.

معرض الكتاب والربيع العربي

لقد تغيَّرت أيضًا سوق الكتب كثيرًا جراء الاضطرابات التي اجتاحت العالم العربي في السنوات الثلاث الماضية. وحول ذلك يقول شريف بكر: "لقد زادت صعوبة السفر إلى بعض البلدان العربية الأخرى، ولهذا السبب توجد زيادة في التركيز على السوق المحلية".

وبالإضافة إلى ذلك لم تعد مؤسَّسات الدولة مثل المكتبات والجامعات تملك المال ولهذا السبب أيضًا لم تعد قادرة على شراء الكتب. ويقول الناشر شريف بكر: "في المقابل لدينا الآن المزيد من المكتبات وكذلك المزيد من القرَّاء في مصر".

ويضيف شريف بكر أنَّ القرَّاء بالذات الذين تتراوح أعمارهم بين 15 عامًا و30 عامًا مهمون للسوق وأنَّ الناشرين يركزون على الوصول إلى هذه الشريحة من القرَّاء. ويحدثنا شريف بكر عن زميل له فعل شيئًا جنونيًا تمامًا من أجل مخاطبة هؤلاء الزبائن: "فقد قام بنشر قصائد لكتَّاب شباب غير معروفين قطّ".

ولكن الفكرة التي تكمن خلف هذا العمل كانت فكرة رائعة. صحيح أنَّ هؤلاء الشباب كانوا غير معروفين قطّ، ولكن لديهم مجموعة كبيرة من المعجبين على الفيسبوك. "يوجد لدى أحدهم 117 ألف صديق على الفيسبوك". حيث جاء إلى فعاليات قراءة أعمال المؤلفين الشباب في معرض الكتاب مئات من الشباب الذين أرادوا توقيع المؤلفين على كتبهم. ويقول شريف بكر: "لقد باع الناشر جميع نسخ الطبعة الأولى من هذا الكتاب". وهذا أمر نادر الحدوث في السوق العربية.

تشهد سوق الكتب في الوقت الراهن حالة تغيير، وكذلك يتم التركيز على القرَّاء الأصغر سنًا والأكثر قدرة على الحركة. وفي هذه الأيَّام سوف يتم لذلك أيضًا إطلاق مبادرة جديدة في مصر، من الممكن أن تغيِّر السوق تغييرًا تامًا - إذ سيتم افتتاح موقع للكتب الإلكترونية باللغة العربية.

"هذا هو الشيء الكبير الذي ننتظره"، مثلما يقول شريف بكر، الذي يريد تقديم كتبه منذ البداية بهذه الطريقة. وبحسب هذه الخدمة سيتمكَّن الناس في كلِّ مكان في العالم من تحميل الكتب الإلكترونية العربية على أجهزتهم الخاصة بقراءة الكتب الإلكترونية ومن قراءتها.

 

 

أميرة الأهل

ترجمة: رائد الباش

تحرير: علي المخلافي

حقوق النشر: قنطرة 2014