صراعات مؤيدي فاشية ألمانيا وديمقراطية الإنكليز بالعراق

تم أخيرا إعادة نشر افتتاحيات جريدة الأهالي، التي تميط اللثام عن صراعات الأربعينيات والخمسينيات في العراق، من أجل الديمقراطية وحماية الحياة الدستورية، حقبة محورية في تاريخ العراق الحديث. عرض بقلم رشيد الخيون

غلاف افتتاحيات الأهالي
غلاف افتتاحيات الأهالي

​​تم أخيرا إعادة نشر افتتاحيات جريدة الأهالي، التي تميط اللثام عن صراعات الأربعينيات والخمسينيات في العراق، من أجل الديمقراطية وحماية الحياة الدستورية. عرض بقلم رشيد الخيون

كتاب "الأهالي" أو إفتتاحيات جريدة الأهالي ما كتبه السياسي العراقي المعروف كامل الجادرجي خلال فترة الأربعينيات والخمسينيات في جريدة "الأهالي"، التي صدرت أول مرة العام 1932، والناطقة باسم جماعة الأهالي ثم الحزب الوطني الديمقراطي، التي ظلت تصدر حتى العام 1962 مع ما تعرضت له من فترات حجب عن الصدور خلال الأربعينيات والخمسينيات.

صدر الكتاب عن دار الجمل للطباعة والنشر 2004، واستغرق أربعمائة وستين صفحة من الحجم المتوسط. قدم له المعماري المعروف رفعة الجادرجي بمادة وافية تحت عنوان "تنشئة النظام الديمقراطي وإحباطه في العراق"، شارحاً إرهاصات تشكيل جماعة الأهالي ومشروعها العراقي في الديمقراطية: الحرية، والعلنية، وحرية الكلمة.

مثلت جريدة الأهالي نوعاً خاصاً من المعارضة، هدفها الحفاظ على النظام الديمقراطي وتكريس الممارسة الليبرالية في المجتمع العراقي، وبلا ريب أنه نظام جديد وممارسة جديدة، بدأت تحبو عند تأسيس الدولة العراقية الحديثة العام 1921.

لكن هناك من السياسيين مَنْ أراد للديمقراطية أن تبقى مقيدة بمصالح هذه الجماعة أو تلك. فالوزير الفلاني يتحول إلى قامع للديمقراطية وهو في وزارته، وداعية للديمقراطية وهو في المعارضة. هذا ما كانت تتحراه جريدة الأهالي، وما تصدت له إفتتاحياتها الأثنتان والسبعون إفتتاحية مما أنتخب لتكون مادة لهذا الكتاب.

مخاطبة الناس مباشرة

يؤلف الفصل الأول من الكتاب تاريخياً لجريدة الأهالي وأخواتها مثل صوت الأهالي، وتاريخاً لجماعة الأهالي التي أقدمت على إصدار الجريدة مع عبارة "يصدرها فريق من الشباب".

من هؤلاء الشباب كانوا شيوخ اليوم، الذين رحلوا في الآونة الأخيرة، مثل: محمد حديد وحسين جميل وعبد الفتاح إبراهيم وعبد القادر إسماعيل وغيرهم، وبعد حين إنضم إليهم كامل الجادرجي لشكل الحزب الوطني الديمقراطي ويصدر صوت الأهالي المؤازرة لجريدة الأهالي.

الأهالي اسم جديد في الساحة الإعلامية العراقية، فهي تخاطب الناس مباشرة على أنها صوتهم الصادح، هذا ما أراده لها مؤسسيها. كان الاسم رغبة في أن يكون مشتقاً من اسم الأهل، فضلاً عن تأثر المشروع بجريدة حزب الوفد المصري وصحافته.

جاء في افتتاحية العدد الأول من الأهالي: "صحيفتنا لا تشايع حزباً من الاحزاب السياسية الحالية، إنما تسير حسب ما توحي به إلينا عقولنا، نؤيد ما نعتقد أن به منفعة الأكثرية، وندعو إلى النافع من الأعمال، وهذا لا يعني أبداً أننا نحمل حقداً أو بغضاً لتلك الأحزاب، فنحن أنصار الحق أين حلَّ، وفي سبيل الحق نصدر هذه الجريدة".

تحليل مفهوم الفاشية

كانت كتابة افتتاحيات الأهالي حتى العام 1937، أي بعد خمسة أعوام على صدورها لا توقع باسم شخص معين، لأنها عمل جماعي، وتخرج بأسلوب خالي من التزويقات اللفظية أو الاستشهادات الشعرية أو النثرية. كلمات مباشرة تدخل في الموضوع بدون مقدمات، لغتها مبسطة تنتهي عادة باقتراح الحلول للموضوع الذي تصدت له.

من الافتتاحيات الهامة هو ما كتبه كامل الجادرجي من سلسلة مقالات تحت عنوان "بعث الفاشية في العراق"، التي حلل فيها مفهوم الفاشية، وشرح دعوة الدكتور سامي شوكة لها، من خلال ما عرف بتنظيم الفتوة، وكان من المعجبين بهتلر ألمانيا وموسوليني إيطاليا.

وقد جاءت ردود على صفحات جرائد أخرى بين الجادرجي وشوكة حول هذا الموضوع بالذات. سمى الجادرجي شوكة بموزلي العراق، وموزولي هو داعية الفاشية البريطاني، الذي لم يصمد مشروعه كثيراً، شرح الجادرجي لماذا أختار موزولي ولم يختر هتلر أو موسوليني بالقول: لأنه فشل في تأسيس حزب أو إقامة نظام.

إن إعادة قراءة إفتتاحيات الأهالي، عبر الكتاب الذي بين أيدينا، تميط اللثام عن صراعات ذلك الزمن العراقي، الأربعينيات والخمسينيات، من أجل الديمقراطية وحماية الحياة الدستورية، وتميط اللثام أيضاً عن تنبوءات الساسة العراقيين الأوائل في حلول زمن عصيب إذا لم يكف الساسة عن الولاءات الشخصية والحزبية والقومية الضيقة، وما كانت تكون هذه الهزات لولا التفريط بالدستور والإبتعاد عن الممارسة الديمقراطية الحقيقية.

بقلم رشيد الخيون، حقوق الطبع قنطرة 2004