المجتمع الدولي مسؤول عن نزيف الدم السوري

المجتمع الدولي، بما فيه الغرب وروسيا والصين، يتحمل جزءاً من المسؤولية، سواء بالمشاركة الفاعلة أو غير الفاعلة، عن المعاناة التي أفرزها أتون الحرب في سوريا كما يقول المعارض الحلَبي سلام الكواكبي، لكنه يرى أن تخلي العالم عن السوريين يحفزهم على تخطي العقبات بأنفسهم.

الكاتبة ، الكاتب: Salam Kawakibi

العلاقة بين حُكام سوريا ومراكزها الحضرية متسمة على الدوام بعلاقة متأزمة، وتظهر هذه العلاقة من خلال القصف العنيف للمدن الكبيرة، وآخرها حلب، التي تُعَد أحياؤها التاريخية المندرجة على قائمة التراث الثقافي الإنساني من الأهداف المفضلة لهجمات النظام الوحشية.

وبذلك تتجلى صورة النظام وفساده – الذي كان أحد أسباب اندلاع الثورة السورية – عبر احتقاره للتراث الثقافي الجماعي للبلاد.

وليس تدمير إحدى أقدم الأسواق في العالم سوى شكل من أشكال هذا الاحتقار، ولا يقتصر هذا حلب فحسب بل إن الصراع حول حلب يرمز إلى الوضع في سوريا كلها، كما أنه يبين مجال المناورة المحدود سواء لدى النظام أو المعارضة.

وها هي سوريا تقف الآن أمام تحديات رهيبة، فباتت الحرب على المدنيين تتحول تدريجياً إلى حرب أهلية مفتوحة، بعدما وفر نظام الأسد كل الشروط اللازمة لذلك – بمشاركة فاعلة أو غير فاعلة من المجتمع الدولي. ولا أحد يعرف كيف ستتطور الأمور في سوريا الآن.

وخز الضمير

رغم ذلك، باستطاعة المثقفين المخلصين والخبراء الواعين والنشطاء أن يرسلوا إشارة أمل في أحلك الأوقات. هذا ما تظهره مشروعات مثل مشروع "ما بعد الأسد" The Day after الذي يقوم بوضع سيناريوهات بشأن مرحلة ما بعد الأسد، وتطوير الأفكار حول المرحلة الانتقالية.

صورة ممزقة لبشار الأسد في حلب، ديسمبر 2012 . أ ب
"ليس السؤال هنا هو إنْ كان السوريون سيتغلبون على الديكتاتورية، بل السؤال هو: كيف سيفعلون ذلك؟"، كما يقول سلام الكواكبي.

​​

إن المهم في مرحلة التحول أن يكون هناك قضاء فعّال. ومن الممكن أن تساهم اللجان الانتخابية في التحقيق فيما وقع من مظالم حتى يتحقق العدل للمتضررين، ويتم وقف التوجهات الانتقامية.

إن الوضع الإنساني الكارثي في سوريا ينبغي أن يحفّز وخزاً لضمير المجتمع الدولي. فالتصريحات والنوايا الحسنة لن تشبع الجوعى، كما أنها لن توفر الحماية لللاجئين والمشرَّدين. كما أن العواقب الوخيمة لهذا الوضع لا يشعر بها السوريون وحدهم، بل يشعر بها كذلك سكان الدول المجاورة.

ولكن، ماذا سيحدث بعد انتهاء الصراع؟ ستكافح سوريا لمواجهة تبعات أزمة اقتصادية طاحنة سيكون لها عواقب اجتماعية لا يستطيع أحد التنبُّؤ بها. قد يتم تقديم خطة إعانة شبيهة بخطة مارشال، وهذا الخطة يجب أن يمولها في المقام الأول السوريون الذين يعيشون في الخارج والمانحون الدوليون.

الانتقال للديمقراطية عملية طويلة، إذ أن تخطي خمسة عقود من عدم الممارسة السياسية، واستبدال ثقافة الخوف بالعمل المدني، لا يحدُثان بين عشية وضحاها.

سلام الكواكبي. المصدر: سلام الكواكبي
يعمل سلام الكواكبي نائباً لمدير مبادرة الإصلاح العربي وأستاذا زائراً في جامعة باريس. تربى الكواكبي في كنف عائلة حلبية معروفة، وهو ناشط من المعارضة السورية.

​​

وليس السؤال هنا هو إنْ كان السوريون سيتغلبون على الديكتاتورية، بل السؤال هو: كيف سيفعلون ذلك؟. وسوف يتوقف على ذلك بشكل كبير تطور الأحداث في السنوات المقبلة.

فرصة للتعويض

إن أمامنا مهام لا تحصى. ولإعادة الهيكل الاجتماعي المدمَّر إلى ما كان عليه، لا بد من دعم المجتمع المدني الجديد. كما لا بد من إعادة هيكلة الاقتصاد الذي تحكَّمَ به النظام لعقود عديدة ونخر الفساد في عظامه.

ولفعل هذا لن نكون في حاجة إلى قضاء فعال في الفترة الانتقالية فقط، بل أيضاً إلى إصلاحات في كل المجالات.

في هذه العملية على الدول الغنية بشكل خاص أن تقدم دعمها. فإعادة بناء سوريا المدمرة تشكّل فرصة لهذه الدول كي تقدم تعويضات عن اللامبالاة التي قابلت بها سفك الدماء في سوريا.

يمكن إطلاق تكهنات عديدة حول مشاركة الدول في إعادة إعمار سوريا. ولكن هذا لا يفيد كثيراً. الأمر الواعد حقاً هو نشاط المجتمع المدني الدولي الذي ما زال يغلب عليه الصمت. لكني لم أفقد الأمل في أن يستيقظ ويشارك في التطورات المستقبلية.

منذ اليوم الأول أدرك السوريون شيئاً صحيحاً: لقد تخلى عنهم العالم وتركهم يواجهون مصيرهم. هذا الإدراك سيساعدهم على تخطي العقبات في المستقبل، فهم قادرون على الدفاع عن حريتهم وإعادة التضامن إلى مجتمعهم. وبإنجازهم ذلك، سيكون بإمكانهم حينها تحقيق معظم أمانيهم.

 

سلام الكواكبي
ترجمة: صفية مسعود
تحرير: علي المخلافي
حقوق النشر: تسايت أونلاين / قنطرة 2012

يعمل سلام الكواكبي نائباً لمدير مبادرة الإصلاح العربي وأستاذا زائراً في جامعة باريس. تربى الكواكبي في كنف عائلة حلبية معروفة، وهو ناشط من المعارضة السورية. ومقالة كواكبي هي حلقة من سلسلة عن الفاعلين الجدد في دول التحول في العالم العربي، وتنشرها "تسايت أونلاين" بالتعاون مع مؤسسة كوربر.