الوعي الليبي الجديد...ضحية الصراع المسلح على السلطة

أحيت الثورة الليبية عام 2011 لدى النساء الليبيات الأمل في حصولهن على دور أكثر فعاليةً داخل المجتمع والحياة السياسية. فتم تأسيس العديد من مجموعات الدفاع عن حقوق المرأة والمبادرات النسائية. بيد أنَّ الصراعات الدائرة على السلطة بين الميليشيات وأعمال العنف المستمرة تعرّض التقدم المحرز للخطر. فاليري شتوكر تسلط الضوء لموقع قنطرة على الوضع السياسي للمرأة الليبية في ظل الصراع المسلح على السلطة.

الكاتبة ، الكاتب: Valerie Stocker

لقد انتظرت سلوى بوقعيقيص يوم الـ25 من شهر حزيران/ يونيو 2014 فترة طويلة. وفي هذا اليوم أجريت في ليبيا انتخابات المجلس الوطني الانتقالي، الذي تقرّر أن يحل محل المجلس المكروه والمعروف باسم مؤتمر الشعب العام وذلك ابتداءً من شهر تموز/ يوليو.

وحتى بعد ظهر يوم الـ25 من حزيران/ يونيو، كانت هذه القاضية والناشطة الليبية البالغة من العمر 50 عامًا، المنحدرة من مدينة بنغازي الواقعة في شرق ليبيا، لا تزال تدعو مواطنيها إلى المشاركة في الانتخابات. وفي نحو الساعة السادسة مساءً تحدّثت سلوى بوقعيقيص لمحطة إذاعة محلية عن وجود تبادل لإطلاق النيران في المنطقة المجاورة وأشارت إلى أنَّ كتيبة "رأف الله السحاتي" تحاول منع الانتخابات.

هذه الكتيبة هي واحدة من الميليشيات العديدة الموجودة في ليبيا والتي باتت تفرض سيطرتها على بنغازي منذ قيام الثورة، وقد أعلن فرعها الإسلامي المتطرِّف -المُمثَّل في المقام الأوَّل من خلال منظمة أنصار الشريعة الإرهابية- الحرب على الدولة. ومنذ شهر أيَّار/مايو تقاتل وحدات من الجيش والمجموعات شبه العسكرية، التي استقلت تحت قيادة اللواء خليفة حفتر المثير للجدل من دون أي تفويض برلماني، ضدّ الميليشيات والجماعات الجهادية التي تشكَّلت في ليبيا بعد الحرب.

لقد كانت سلوى بوقعيقيص بالذات تنتقد "عملية الكرامة" المسماة بالبطولية وكانت تدعو في يوم الانتخابات إلى وقف إطلاق النار. وفي المساء أخبرت أقاربها عن وجود رجال مسلحين يختبؤون أمام منزلها. وفي نحو الساعة العاشرة ليلاً تم العثور عليها: مقتولة برصاصة في الرأس وبعدة طعنات. وأمَّا زوجها، الذي غادر البيت بحسب شهادة العائلة من أجل الحديث مع هؤلاء المسلحين، فيُعَدّ منذ ذلك الحين في عداد المفقودين؛ وعلى الأرجح أنَّه مخطوف، أو ربما يكون قد مات.

ضحية الصراع الدائر على السلطة بعد الثورة

كانت سلوى بوقعيقيص تناضل كمحامية في عهد معمر القذافي من أجل حقوق الإنسان في بلدها. وفي شهر شباط/ فبراير 2011 كانت من أوائل الذين انضموا إلى الانتفاضة في مدينة بنغازي. لقد كانت في البداية عضوًا في المجلس الوطني الانتقالي، ولكن سرعان ما تمت تنحية هذه الناشطة الليبرالية من قبل زملائها المحافظين، ومنذ ذلك الحين كرست نفسها من أجل ورشات العمل الهادفة إلى تعزيز دور المجتمع المدني المزدهر في ليبيا.

Jamila Fellag; Foto: Valerie Stocker
„Zunächst haben wir durch die Revolution als Bürger viele Freiheiten gewonnen. Doch aus der Sicht der meisten Männer ist die Rolle der Frauen damit auch beendet. Die Botschaft an uns ist: ‚Danke für alles und jetzt zurück in die Küche’“, sagt Jamila Fellag aus dem libyschen Kulturministerium.

وفي الآونة الأخيرة كانت نائبة لرئيس ما يطلق عليه اسم "اللجنة التحضيرية للحوار الوطني"، وهي عملية تم إطلاقها بمبادرة من قبل أطراف فاعلة في المجتمع المدني، من أجل جمع جميع مجموعات المصالح في ليبيا حول طاولة الحوار ووضع نوع من الميثاق الوطني. وكان الهدف من هذا الميثاق هو تسهيل عمل "لجنة الستين" التي تم انتخابها في شهر شباط/ فبراير 2014، وهي الجمعية المختصة بصياغة الدستور في ليبيا.

إنَّ آراء سلوى بوقعيقيص الجريئة وكذلك ظهورها المتكرِّر في التلفزيون لم يكسبانها فقط قدرًا كبيرًا من التقدير والاحترام، بل لقد خلقا لها أيضًا أعداءً أقوياء. وبما أنَّها كانت ناقدة لقطاع الميليشيات وخاصة ميليشيات الإسلامويين المتطرِّفين، فقد جعلت من نفسها هدفًا لهم. وبعد تعرّضها لتهديدات بالقتل وتعرّض ابنها لهجوم عنيف كان على الأرجح يستهدفها هي بالذات، انتقلت سلوى بوقعيقيص قبل عدة أشهر مع أسرتها إلى الأردن ولم يكن سبب عودتها إلى وطنها إلاَّ من أجل الانتخابات.

وسلوى بوقعيقيص التي كانت قد شاركت منذ البداية في دعم الانتفاضة الليبية وقد جسَّدت الوعي الجديد داخل المجتمع المدني الليبي، أصبحت الآن ضحيةً لهذا الصراع الدائر على السلطة بعد الثورة.

نقطة تحول قاتمة

لا تعتبر سلوى بوقعيقيص أوَّل شخص دفع حياته ثمنًا لنشاطه الاجتماعي في ليبيا. فعلى سبيل المثال تم في شهر تموز/ يوليو من العام الماضي 2013 اغتيال عبد السلام المسماري؛ وهو محامٍ ملتزم أيضًا تم إعدامه على يد شخص مجهول عند مغادرته المسجد بعد أدائه صلاة الجمعة. لقد كان كلّ من سلوى بوقعيقيص وعبد السلام المسماري يمثِّلان شريحة اجتماعية ليبرالية، ترى أنَّ الميليشيات الإسلاموية تشكِّل خطرًا كبيرًا على المجتمع الليبي.

أدَّى اغتيال سلوى بوقعيقيص إلى خلق صدمة في ليبيا وذلك لكونها قبل كلّ شيء امرأة، فالنساء كنّ حتى ذلك الحين مستبعدات من العنف السياسي. لا يوجد الكثير من النساء اللواتي يُقْدِمن على المواجهة في هذا البلاد الذي كثيرًا ما يتم وصفه بأنَّه "بلد الرجال". وفي الواقع لقد بات الخطر هناك يزداد بشكل متواصل.

تقول الناشطة زهرة لنقي حول اغتيال سلوى بوقعيقيص: "لقد كلّفها نشاطها ثمنًا باهظًا - تمثَّل في أمنها الشخصي - وقد كانت تدرك ذلك جيدًا". أسَّست زهرة لنقي مع سلوى بوقعيقيص "منبر المرأة الليبية من أجل السلام" - الذي يعدّ منظمة غير حكومية تعمل من أجل تحقيق المساواة بين الجنسين على المستويين الاجتماعي والسياسي.

وكذلك تنظر جميلة فلاق - المسؤولة في وزارة الثقافة الليبية عن شؤون المرأة - إلى هذا الاغتيال باعتباره نقطة تحوّل قاتمة. "منذ هذه اللحظة لم تعد توجد أية خطوط حمراء"، مثلما ذكرت في مقابلة لها مع صحفيين، وأضافت: "جميعنا سنكون شهداء في المستقبل"".

تجاهل دور المرأة في ليبيا 

على الرغم من الوضع الأمني ​​غير المستقر فإنَّ ليبيا لا تعاني على الإطلاق من أي نقص في مبادرات المجتمع المدني. وبالإضافة إلى منبر المرأة الليبية من أجل السلام، لا بدّ أيضًا من ذكر "منتدى المرأة الليبية"؛ يقوم هذا المنتدى منذ عام 2011 بتنظيم ورشات عمل لصالح المرشَّحات للانتخابات، وكذلك أصبح يدير منذ فترة غير بعيدة مركزًا لتدريب النساء يتم تمويله من قبل الأمم المتَّحدة وكندا.

يحاول المنتدى المعروف باسم "المنتدى الليبي للمجتمع المدني" التنسيق بين جميع هذه المبادرات. تقول فريدة العلاقي، وهي واحدة من المشاركات في تأسيس هذا المنتدى: "إذا أردنا تحقيق شيء ما، فيجب علينا جميعنا أن نتعاون ونسعى إلى تحقيق هدف واحد". وتضيف أنَّ المجتمع المدني الليبي لا يزال في بدايته وهو يعاني من تشتّت المشاريع الفردية إلى حدّ بعيد جدًا.

وحتى الآن لا يمكن الحديث في ليبيا حول وجود مساواة. في مقابلة مع موقع قنطرة تحدَّثت جميلة فلاق العاملة في وزارة الثقافة الليبية عن الصعوبات التي تواجهها باعتبارها سياسية وامرأة. وقالت وهي تبتسم بمرارة: "لقد حصلنا في البداية من خلال الثورة كمواطنين على العديد من الحرِّيات. ولكن من وجهة نظر معظم الرجال فإنَّ دور النساء قد انتهى عند ذلك الحدّ أيضًا. والرسالة الموجهة إلينا هي: ’شكرًا لكُنّ على كلّ شيء والآن يجب عليكنّ العودة إلى المطبخ".

وكذلك الحال مع أستاذة علم الأحياء المجهرية والناشطة أمل بايو، التي عاشت فترة طويلة في ألمانيا وتمثِّل مدينة بنغازي في البرلمان المنتخب حديثًا؛ فهي تأسف لهذا التقدُّم البطيء للغاية، وتقول: "عارضت في البداية إدخال نظام المحاصصة النسائية في الانتخابات البرلمانية. بيد أنَّني صرت اعتبرها الآن ضرورية. إذ إنَّ المجتمع الليبي لا يزال ببساطة غير جاهز لتقبُّل المساواة".

ففي مؤتمر الشعب العام الحالي، الذي تم تأسيسه في شهر تموز/يوليو 2012، تبلغ نسبة النساء 17 في المائة من بين نوَّابه البالغ عددهم 200 نائب. بينما لا تصل نسبتهنّ داخل الجمعية المختصة بصياغة الدستور، التي تم اختيار أعضائها في شهر شباط/ فبراير 2014، إلاَّ إلى  10 في المائة فقط، على الرغم من جميع جهود المدافعين عن حقوق المرأة. "لا يزال المرء ينظر إلينا على أنَّنا مواطنين من الدرجة الثانية"، مثلما تقول في هذا الصدد أمل بايو، التي أحرزت على الرغم من ذلك في الـ25 من شهر حزيران/ يونيو 2014 واحدة من أعلى نتائج الانتخابات في جميع أنحاء البلاد من خلال حصولها على أكثر من 14 ألف صوتًا.

ومن وجهة نظر فريدة العلاقي فإنَّ العقلية الذكورية ليست السبب الوحيد الذي يمنع السياسيات الليبيات من لعب دور أكبر. وحول ذلك تقول فريدة العلاقي: "نحن النساء أمسينا عرضة للتجاهل على الرغم من كلِّ الكلام الجميل الصادر من ليبيا ومن المجتمع الدولي. فلو أنَّهم استمعوا لنا أكثر فيما يتعلّق بالسياسة الأمنية، بدلاً من دعمهم الميليشيات، لما كنا اليوم وبكلّ تأكيد في مثل هذا الوضع الحرج".

 

فاليري شتوكر

ترجمة: رائد الباش

تحرير: علي المخلافي

حقوق النشر: قنطرة 2014