أولا الاستنكار، ثم التضامن

حتى قبل أحداث الحادي عشر من سبتمبر/ أيلول كانت هناك في ألمانيا تحفظات كثيرة من قبل المواطنين غير المسلمين تجاه الإسلام والمسلمين، فكيف هو الحال اليوم؟ تقرير أندرياس بيش

أولا الاستنكار، ثم التضامن

الإسلام هو ثاني أكبر ديانة في ألمانيا. كثير من المسلمين البالغ عددهم 3.2 مليون مسلم جاءوا إلى ألمانيا كمهاجرين أو ترجع أصولهم إلى عائلات المهاجرين الذين جاء معظمهم للعمل في ألمانيا. وقد حصل في هذه الأثناء أكثر من 300 ألف مسلم على الجنسية الألمانية. لكن حتى قبل أحداث الحادي عشر من سبتمبر/ أيلول كانت هناك تحفظات كثيرة من قبل المواطنين غير المسلمين تجاه الإسلام والمسلمين، فكيف هو حال المسلمين في ألمانيا بعد مرور عامين على أحداث الحادي عشر من سبتمبر/أيلول؟ بقلم أندرياس بيش من الدويتشه فيلله

الصورة من الأرشيف الخاص
نديم إلياس، رئيس المجلس الأعلى للمسلمين في ألمانيا

​​تضاعفت مشاعر الريبة وعدم الثقة تجاه المسلمين في ألمانيا منذ وقوع الهجمات في نيويورك وواشنطن- رغم أن الهجمات كانت من تدبير خلية إرهابية في هامبورغ. يقول نديم إلياس رئيس المجلس الأعلى للمسلمين إنه بعد وقوع اعتداءات الحادي عشر من سبتمبر/أيلول بفترة وجيزة، كان الوضع صعبا للغاية: "بعد الهجمات مباشرة كانت الأجواء متوترة جدا. كانت هناك تهديدات للمسلمين وصلت إلى التهديد بالقتل والسباب في الشوارع العامة وكان الأطفال والنساء المحجبات هم أكثر من عانوا من هذه الأمور.كانت هناك أيضا تهديدات ضد المؤسسات الإسلامية وهوجمت بعض المساجد في مناطق مختلفة في ألمانيا. كان ذلك في الفترة الأولى ثم صارت هناك موجة كبيرة من التضامن، بثت الأمل في النفوس وصار هناك اهتمام كبير بالإسلام وبالمواطنين المسلمين في ألمانيا. وقد سبق أن أشرنا إلى أن هذا الاهتمام ينبغي ألا يكون مجرد اهتمام عارض، بل يجب أن يقودنا إلى التأمل في كيفية معالجة الوضع."

موجة من المبادرات

انطلقت هذه الموجة التضامنية مصحوبة بانتعاشة لمشروعات التلاقي والتواصل الثقافي. نظمت الطوائف الكنسية والمجالس البلدية والجامعات حلقات للنقاش ومنتديات للحوار ومناقشات للخبراء مع المسلمين، وقابل المسلمون معظم هذه الأنشطة بالترحاب والتأييد.
لكن الاهتمام الجديد والمتزايد بالإسلام لم يركز كثيرا على الحياة اليومية للمسلمين، وصار يصب جل اهتمامه على الإرهاب باسم الله. انتقدت طالبة تدرس التربية بكولونيا هذه الضجة المفاجئة حول الإسلام منذ الحادي عشر من سبتمبر/ أيلول وقالت: "لقد لاحظت أن لفت الانتباه إلى الإسلام يسير في الاتجاه الخاطئ، لأنني أعتقد أننا كمسلمين نعيش هنا منذ أكثر من أربعين عاما أو ربما أكثر من ذلك. وكل ما تعرض له وسائل الإعلام هي أشياء لا علاقة لها بالإسلام كالإرهاب والتفجيرات. أما ماهية الإسلام الحقيقي فلا يأتي لها أي ذكر."

وبعد الهجمات تم تشديد قوانين الأمن في ألمانيا بصورة حادة. ويؤكد نديم إلياس أن المجلس الأعلى للمسلمين أيد هذه الإجراءات، كما أيد مراقبة الطلاب القادمين من بلدان عربية. لكن إلياس ينتقد التطبيق العملي للقوانين وطريقة تعامل القوى الأمنية: "كانت هناك عثرات كثيرة، فقد قاموا بتفتيش المساجد مرتدين الأحذية أثناء صلاة الجمعة وأحيانا في منتصف الليل. ويضع ذلك المواطنين المسلمين الأبرياء في وضع صعب، فهم يسألون أنفسهم لماذا يجب علينا أن نتحمل ذلك كله رغم أن ولاءنا لهذه الدولة ولهذا الدستور، هل لمجرد أننا مسلمون. لقد تأثرت ثقة وطمأنينة المسلمين كثيرا بهذه الإجراءات"

يعيش في العاصمة الألمانية برلين حوالي 140 ألف مسلم. ومن برلين أوضح لنا غونتر بينينغ الذي أصبح منذ وقت قصير مفوض الاندماج والتعايش في بلدية برلين كيفية تخطي هذه العثرات:
"لدي انطباع بأنه تتم معالجة الموضوع هنا في برلين بحساسية ما، فنحن نحاول من ناحيتنا كمسؤولين عن الاندماج والتعايش من خلال المناقشات ومن خلال منتديات لتوعية أفراد الشرطة أن نتناول هذا الموضوع، وأشعر أن قطاع الشرطة في حاجة كبيرة للحوار مع الطوائف والجاليات، وبالطبع كان هناك في السابق، نظرا للحضور القوي على مدى طويل للطوائف الإسلامية، تعاون جيد بينها وبين الشرطة."

أحكام مسبقة

ترتبط التصورات التي يكونها كثير من الناس في ألمانيا عن الإسلام بالعنف الذي يرتكب باسم هذا الدين وقمع النساء في دول مثل السعودية وإيران وعدم تسامح المتعصبين إزاء أتباع الديانات الأخرى وإزاء القيم الغربية. ويقول محمت أكسار المسؤول عن العلاقات العامة في جمعية الثقافة الإسلامية التركية ببون إن هذه الصور تولد مخاوف، تؤدي إلى نمو مشاعر الكراهية والأحكام الكلية ضد الإسلام والمسلمين: "إنها- لن أقول الآن: ضغائن أو أحكام مسبقة- لكنها عوائق لا يستطيع الناس تخطيها بسهولة. ربما يتوجب على المرء مساعدة الناس على تخطي هذه العوائق."

ويدرك عدد متزايد من المسلمين أن هذه العوائق لن يتم تخطيها من قبل غير المسلمين وحدهم. لا بد للأقلية المسلمة أيضا أن تنفتح أكثر على الحياة العامة لكي تعبر عن مواقفها. يقول محمد أكسار:
"أمنيتي هي أن يشارك الناس والمسلمين بالأخص بفاعلية في السياسة، وفي موضوعات أخرى لكي يدركوا حقوقهم وربما لكي يؤكدوا أيضا تمسكهم بهذه الحقوق. لا يبذل المسلمون محاولات كافية لجذب الانتباه إليهم. إذن لا بد أن تكون هناك مشاركة أكثر وجهد أكثر من أجل تحقيق أي تقدم."

بقلم أندرياس بيش
ترجمة أحمد فاروق