''الموسيقى لغة عالمية يفهمها الجميع''

عازفون شباب من العراق تجمعهم لغة الموسيقى رغم أن الطائفة واللغة والانتماء تفرقهم. يمتلكون حساً فنيا ورغبة شديدة في التعلم رغم غياب المعلم والدعم المادي وسيجتمعون معا تحت سماء مدينة بيتهوفن ليعزفون معا موسيقاه. عباس الخشالي يعرفنا بهذه التجربة الموسيقية.

الكاتبة ، الكاتب: Gudrun Stegen



ما تفرقه السياسة قد يجمعه الفن، هذا ما تهدف إليه فرقة الأوركسترا الوطنية العراقية للشباب. وهي فرقة أسستها عازفة البيانو العراقية زحل سلطان البالغة من العمر 19 عاماً، في يوم من أيام عام 2008. و تضم هذه الفرقة عازفين شباب من العراق ومن مختلف أطياف المجتمع العراقي. وقد تم توجيه الدعوة لهذه الفرقة إلى المشاركة في فعاليات "أوركسترا كامبوس"، في نسختها الحادية عشر، والتي تحظى برعاية الرئيس الألماني كريستيان فولف. وتشارك في تنظيمه دويتشه فيله ومهرجان بيتهوفن في بون.

تتراوح أعمار الموسيقيين الخمس والأربعين الذين تتألف منهم فرقة الأوركسترا الوطنية العراقية للشباب بين الـ 18و28 عاما. وتتألف الفرقة من موسيقيين عرب وأكراد. حول ذلك تقول السيدة أيلونا شميل، المدير العام لمهرجان بيتهوفن الموسيقي في حديثها مع دويتشه فيله "لعل الموسيقى تلعب دورا أفضل من غيرها في هذه المسألة، ولعل هؤلاء الشباب سيحققون ما لا تحققه السياسة. لان لغة الموسيقى هي لغة عالمية ويفهمها الجميع".

وقد كانت حفلات زحل سلطان تتم دائماً في ظل أصعب الظروف، فقد توفي والداها نتيجة للمرض وما رافق الحروب من عنف، ولم تتلق أي درس منذ عام 2003. وفي عام 2007 نظمت منظمة الأصوات الأمريكية American Voices ووزارة الخارجية الأمريكية دورة صيفية في مدينة أربيل بشمال العراق، اشترك فيها إضافة إلى زحل سلطان 300 موسيقي شاب من كل أرجاء العراق. وفي ختام الأكاديمية الصيفية قدم 130 موسيقي حفلة موسيقية، وكان العازفون من المشتركين في هذه الدورة التدريبية وأعضاء الفرقة السيمفونية العراقية وأعضاء فرقة الأوركسترا الوطنية العراقية للشباب التي تم تأسيسها هناك.


نواة شبابية

الصورة دويتشه فيله
فرقة الأوركسترا الوطنية العراقية للشباب هي فرقة أسستها عازفة البيانو العراقية زحل سلطان البالغة من العمر 19 عاماً

​​ساهمت زحل كعازفة منفردة على البيانو، وبعد ذلك بفترة وجيزة تمت دعوتها من قبل منظمة الأمم المتحدة للتربية والعلوم والثقافة "يونسكو" للعزف في إطار الأسبوع العراقي الثقافي في العاصمة الفرنسية باريس. وكانت واحدة من أوائل المشاركين الذين أُتيحت لهم إمكانية تلقي دروس برنامج تدريبي لمنظمة "موسيقيون من أجل الوئام". وفي هذا البرنامج يحصل الموسيقيون الناشئون الذين تم اختيارهم على دروس لدى أساتذة أمريكيين مشهورين من خلال كاميرا الإنترنت عن طريق برنامج سكايب على سبيل المثال، ويتم تجهيز الطلبة بالنوتات الموسيقية والتسجيلات الصوتية.


استغلت زحل سلطان شهرتها المتزايدة لمواصلة تطوير فرقة الأوركسترا الوطنية العراقية للشباب. حيث يتعلم موسيقيو الفرقة العزف على آلاتهم اعتماداً على أنفسهم في الغالب. ومن خلال الصحافة بحثت زحل عن معلمين، يمكنهم العناية بالتعليم الموسيقي للشباب العراقيين كمدربين متطوعين على غرار نموذج منظمة "موسيقيون من أجل الوئام" ويعطونهم الدروس من خلال الإنترنت. كما وجدت قائداً للأوركسترا من خلال الأصداء التي خلفتها في الصحافة التي كتبت بدورها عن هذه المبادرة غير التقليدية. حيث قاد منذ عام 2009 البريطاني بول ماكاليندين مرحلة التدريبات الأولى في إطار الأكاديمية الصيفية في مدينة السليمانية. عما يرغب به ماكاليندين في عمله مع هذه الفرقة، قال قائد الاوركسترا في حديث خص به دويتشه فيله"ما أريد أن أصل إليه مع هذه الاوركسترا، هو ما ترغب الفرقة الموسيقية نفسها في الوصول إليه، يعني: السلام والوحدة والتعاون، كمقدمة مستقبلية للشباب العراقي. واكتشاف شيء ثقافي جديد وعميق".

تشاركه في هذا الرأي السيدة ايلونا شميل، موضحة السبب في دعوة هذه الفرقة إلى مدينة بتهوفن، بالقول "هدفنا، هو التأكيد على أن العرب والأكراد يمكن أن يحققا شيئا سويا. نرغب في نقل صورة أخرى للعراق، بعيدة عن صور الدمار والانفجارات. صورة أخرى تعبر عن الفن والموسيقى"، مؤكدة أن العراق أكبر من أن يختزل في صور الحرب والدمار فقط، بالقول" يمكن لهؤلاء الشباب أن ينقلوا صورا أخرى عن بلدهم، فالعراق بلد غني بثقافاته المتعددة".


نقص في الموارد

الصورة اي او إن
يقود منذ عام 2009 البريطاني بول ماكاليندين مرحلة التدريبات الأولى للأوركسترا في إطار الأكاديمية الصيفية في مدينة السليمانية

​​وبسبب الظروف الصعبة التي رافقت التمرينات ميدانياً ستقيم فرقة الأوركسترا في مدينة بون الألمانية لمدة أسبوعين. وعن أهمية اللقاء بين الشباب الألماني والعراقي يقول قائد الاوركسترا ماكاليندين "من المهم لقاء هؤلاء الشباب مع نظرائهم من الأوربيين، مع المدرسين أيضا. أنا متأكد، أنهم سيحققون في أسبوعين فقط، ما يحققه طلبة الموسيقى في أوروبا خلال 6 أشهر. سرعة تطورهم مذهلة، وأتوقع إن سرعة تعلمهم ستذهل الكثيرين هنا أيضا".

ويؤكد ماكاليندين إن ما يحتاج إليه هؤلاء الشباب هو الدعم المادي والتقني، حتى أن فرقته أحيانا تستعير آلات الفرقة السيمفونية العراقية في بغداد، وذلك لعدم توفر الآلات الموسيقية للجميع. ويقول "إنهم موهوبون، ما ينقصهم هو الدعم. ما هم بحاجة إليه هو الدعم من مدرسي الموسيقى". وفي نهاية هذه الفترة ستقدم فرقة الأوركسترا الوطنية العراقية للشباب في مهرجان بيتهوفن حفلة موسيقية في قاعة بتهوفن في الأول من تشرين الأول/ أكتوبر.


تقارب الثقافات


ولغرض منح هؤلاء الشباب فرصة التعلم بجانب العزف سيتم تدريس العازفين العراقيين الشباب للمرة الأولى في فعالية "أوركسترا كامبوس" على يد مدرسين مختصين، بجانب العزف مع عازفين شباب ألمان. عن ذلك ترسم السيدة شميل هدفا آخراً من دعوة الفرقة العراقية، قائلة "التعرف بين الموسيقيين الشباب من العراق وألمانيا مباشرة عن طريق العزف معاً. بالإضافة إلى انه هؤلاء الشباب سيعيشون مع أسر ألمانية،سوف يمحي ذلك الكثير من التصورات المسبقة عن عالمين مختلفين، عربي /كردي وألماني". ورغم أن إمكانيات هؤلاء الشباب مختلفة إلا أنها متعددة. كما تؤكد السيدة شميل "كل واحد منهم يختلف عن الآخر وله مسيرة مختلفة وتعليم مختلف. لكن مجيئهم إلى هنا سيمنحهم فرصة للتعلم أكثر عن طريق أساتذة من ألمانيا أو أوروبا".


وعند الحديث مع ماكاليندين يلاحظ المرء الغبطة الشديدة على وجه الموسيقار البريطاني لمواهب عازفي فرقته الشباب، ولعل حماسه يجئ من حماسهم أنفسهم، إذ يقول "لم أرى رغبة بالتعلم قط في حياتي مثل الذي أراه في وجوه هؤلاء الشباب، حماسهم يتجاوز ما يملكه طلبة الموسيقى الأوربيين". وفي نبرة مازحة يقول الموسيقار البريطاني "أظن أن عالم الغرب الموسيقى سيشعر بالريبة والحسد من قدرة هؤلاء الشباب".



عباس الخشالي
مراجعة: هبة الله إسماعيل
حقوق النشر: دويتشه فيله 2011