عيد الفطر، نيكولاوس، بابا نويل

في الوقت الذي ينادي فيه السياسيّون والاختصاصيّون بإلحاح إلى الحوار مع الإسلام، نرى أطفالاً من عائلات مسلمة ومسيحيّة قد مضوا شوطًا أبعد في هذا المجال. فهم يحتفلون بالأعياد سوية. تقرير بآتة بروان

عيد الفطر، نيكولاوس، بابا نويل: الأعياد جسور بين الدّيانات

في الوقت الذي ينادي فيه السياسيّون والاختصاصيّون بإلحاح إلى الحوار مع الإسلام، نرى أطفالاً من عائلات مسلمة ومسيحيّة قد مضوا شوطًا أبعد في هذا المجال. إنّهم، ومنذ قت طويل يحتفلون سويًّا بأعيادهم.
لدى العديد من هؤلاء الأطفال هناك شيء من الحيرة على العموم، فهم لا يعلمون بالتحديد كنه هذه التقاليد والشعائر وما هو مصدر هذه الطقوس، وأين يقع الحدّ الفاصل بين الأعياد الإسلاميّة والأخرى المسيحيّة؛ سواء تعلّق الأمر بمناسبات عيد الفطر أو نيكولاوس أو عيد ميلاد المسيح. لكنّهم يظلّون على العموم لا يعلّقون أهمّية كبيرة على مصدر الأعياد وجذورها. إنّهم بكلّ بساطة يجدون أعياد الآخرين رائعة ولا يشغلون أنفسهم بالنقاشات الطويلة حول الخلفيّات الثقافيّة المتنوّعة لهذه الأعياد.

أوجه شبه بين عيد الفطر ونيكولاوس

التربيون والمرشدون الاجتماعيّون قد أدركوا منذ زمن نوعيّة اهتمامات الأطفال والشبّاب. وفي هذا الإطار جاءت بادرة كلّ من بتّينا بوسّا من مصلحة العمل الثقافي بدائرة نويْكولنْ(برلين) وريغينا كرامر من شبكة العمل الثقافي بنويْكولن اللتان بعثتا مع مجموعة من العناصر النشطة مشروع "الاحتفال بالأعياد". وفي السنة الماضية انطلقت أولى نشاطاتهم في هذا المجال يوم السادس من شهر ديسمبر/كانون الأوّل بمناسبة نيكولاوس وعيد الفطر. صادف آنذاك أن تزامن العيدان في يوم واحد، فاستغلّ أصحاب هذه البادرة الفرصة للتطرّق إلى موضوع العيدين.

وكانت فكرة صائبة على العموم، ذلك أن عيد الفطر مثل نيكولاوس عيد هدايا بالنسبة للأطفال. لثلاثة أيّام متتالية يحتفل المسلمون بعيد الفطر يتبادلون خلالها الحلويّات وهدايا صغيرة. لذلك كانت الهدايا عنصرًا محوريًّا في التظاهرة التي أقيمت في حي نويكولن.

عندما يوفّق الأطفال ضمن لعبة "اختبار الحواسّ" في التعرّف على الأشياء باللّمس يحصلون على مكافأة، تقول ريغينا كرامر: " كان بإمكان الأطفال الاختيار، إمّا أن يتناولوا هديّة من الهدايا الموضوعة فوق منضدة وفقًا لتقاليد عيد الفطر، أو أن يتسلّموا هديّتهم من يد نيكولاوس. إلاّ أنّ الكثير من أطفال العائلات التركيّة أو العربيّة كانوا يفضّلون التوجّه إلى نيكولاوس."

يبدو أنّ الأطفال يفضّلون بالنهاية أن تقدّم لهم هديّتهم من يد شخص ما أو من صورة تجسّد شخصيّة مثل نيكولاوس من أن يتناولوها بأيديهم من مكان ما، تستخلص ريغينا كرامر من هذه التجربة.

ممارسة طقوس دينية مختلفة

يرى هاكان أصلان المختصّ في العلوم التربويّة والبيداغوجيا الاجتماعيّة بـ DTK-Wasserturm ببرلين أنّ الاحتفال المشترك بالأعياد المسيحيّة شيء إيجابيّ: " نحن نقيم مع أطفالنا طقوس الأعياد المسيحيّة، ففي الأعياد الإسلاميّة ليس هناك للأسف سوى القليل من الطقوس التي تمكّن من الاحتفال مع الأطفال. ليس هناك تقريبًا سوى تقديم الحلويّات بمناسبة عيد الفطر، أمّا ما عدا ذلك؟ نحتفل إذًا، لكنّنا لا نتطرّق بالنقاش للخلفيّات الدينيّة للأعياد."

يعتبر هاكان أصلان أنّ الفرحة المشتركة التي تعاش داخل الاحتفال خطوة هامّة في طريق التفاهم المتبادل. وهو يتحدّث هنا عن الأطفال الذي دون سنّ الثانية عشرة. إمّا عندما يكون الأطفال فوق الثانية عشرة من العمر فيمكن حينها، حسب هاكان أصلان، أن يشرع المرء معهم في توضيح المحتوى الديني لطقوس الأعياد.

في ألمانيا هناك عدد متزايد من العائلات المسلمة التي تزيّن بيوتها في شهر ديسمبر/كانون الأوّل بعقود اللمبات الملوّنة وأشجار الصنوبر (التنّوب) الخاصّة باحتفالات عيد ميلاد المسيح. ينّا يلماز صبيّ تركيّ في سنّ العاشرة يعيش في عائلة مسلمة؛ لكن عندما يتذكّر ينّا عيد الميلاد تشعّ عيناه فرحًا وغبطة: "عمّتي، هي أيضًا، كانت لها شجرة العيد في السنة الماضية، لكن فقط بمناسبة عيد رأس السنة. عيد الميلاد لا نحتفل به كما يفعل الآخرون بالذّهاب إلى الكنيسة. هذه السنة قد تكون لنا نحن أيضًا شجرة عيد بالبيت " يضيف ينّا. وضعت عائلة يلماز شجرة العيد المرصّعة باللمبات الملوّنة قبل حلول موعد عيد رأس السنة، ذلك أنّها، وبكلّ بساطة جعلت فترة الاحتفال تبتدئ منذ عيد الميلاد حتّى رأس السنة. لكن يظلّ رأس السنة بالنسبة للصبيّ ينّا مثيرًا بشكل خاصّ إذ عندها يأتي "بابا نويل" محمّلا بالهدايا.

بابا نويل : نيكولاوس التركي

بابا نويل هو الإسم التركي والعربي لنيكولاوس. وأسقف ميرا الحليم نيكولاوس معروف في تركيا من قديم الزّمان، فميرا بالنّهاية تقع في تركيا الحاليّة، لذلك يجد ينّا أنّه من الطبيعي أن يقدّم له بابا نويل الهدايا. ولا يمكن أن يخطر له على بال أنّ ذلك يمكن أن يمثّل مشكلة عندما يزيّن بيته بشريط اللمبات الملوّنة الجميلة كما يفعل أترابه من أصدقاء المدرسة، أو أن يحتفل بعيد رأس السنة بحسب توقيت رزنامة السنة الشمسيّة المتداولة في الغرب؟

المسلمون الملتزمون بالمقابل لا يولون اهتمامًا بنويل ولا بالشجرة المرصّعة بالأضواء الملوّنة. ذلك أنّ نيكولاوس، وبالرغم من أنّه معروف بأرض تركيا منذ القدم، لم يكن منذ عهد قديم حامل هدايا عيد رأس السنة. لكنّ بابا نويل "الواهب الكبير" ليس من المحدَثات مع ذلك، ولا هو من الذين لا يحبّهم بشغف غير ينّا وأطفال أتراك آخرون من الذين يعيشون في ألمانيا، كما يقرّ بذلك المستشار الثقافي بالسفارة التركيّة ببرلين السيّد نجم الدين ألتونتاس: "بابا نويل ما انفكّ منذ ثلاثين سنة يجلب الهدايا للأطفال في تركيا ؛ لأقلّية فقط في البداية، لكن هذا التفليد ما فتئ ينتشر أكثر فأكثر، وبخاصّة داخل المدن. وفي المحلاّت التجاريّة الكبيرة بالمدن الكبرى ترى بابا نويل غالبًا ما يظهر في هيأة حامل الهدايا"، يقول السيّد ألتوناس.

إنّ ذلك الأمر يمثّل تطوّرًا طبيعيًّا للغاية في نظره، فلتركيا بالنهاية علاقات متينة بألمانيا وبلدان أوروبيّة أخرى. كما أنّ مواطنين أتراك من العمّال المهاجرين بالبلدان الأوروبيّة قد جلبوا معهم تقاليد وطقوس من تلك البلدان إلى تركيا. كذلك هو الشأن بالنسبة لشجرة عيد ميلاد المسيح. في البداية لم يكن هناك سوى أقلّية من الناس تنصب الشجرة المضاءة في البيوت بمناسبة عيد رأس السنة، ثمّ راحت ممارسة هذا التقليد تتّسع أكثر فأكثر خلال شهر ديسمبر/كانون الأول من كلّ سنة.

تحظى هذه الموضة الجديدة برعاية العسكريّين الأتراك مثلا الذين يعتبرون أنفسهم "حماة الحداثة" في تركيا. ومن هنا ترى أنّ المؤسسّات العسكريّة تنصب هي أيضًا وبكلّ سرور شجرة العيد المزدانة بشرائط اللمبات خلال شهر ديسمبر أو يوم عيد رأس السنة. وهذا أيضًا أمر لا ينظر إليه المسلمون الملتزمون بعين الرّضا. لكنّ نجم الدّين ألتنتاس يعتبر أنّ هذا الطقس لا علاقة له بالعقيدة المسيحيّة.

الاحتفال من أجل مزيد من التسامح

إنّ أطفال العائلات المسلمة والمسيحيّة متقدّمين شوطًا كبيرًا عن أوليائهم في مجال ممارسة الاحتفالات المشتركة. الكهول لا يستطيعون مثل الأطفال أن يزجّوا بأنفسهم داخل ممارسات مشتركة قد تنجرّ عنها نقاشات وحوار حول أنماط العيش والتقاليد مختلفة. إنّ هذه الممارسة المشتركة للطقوس المختلفة، كما يجسّد مثالَها لنا الأطفال، بإمكانها لوحدها أن تستدرج المجتمع الألماني أيضًا إلى مثال قيّم ومثرٍ للتبادل الثقافيّ. وعلاوة على ذلك فإنّ احتفالات الأطفال المشتركة تضع أساسًا مهمًّا لمزيد من التسامح والهدوء في تعامل العناصر الثقافيّة المختلفة مع بعضها البعض. أو كما يعبّر عن ذلك الصبيّ ينّا بخصوص عيد ميلاد المسيح : " الناس هنا في ألمانيا يحتفلون بعيد ميلاد المسيح. ونحن أيضًا نعيش هنا في ألمانيا. وإن كنّا لا نريد أن ننسجم كليًّا مع التقاليد هنا، لكن مع ذلك بعض الشيء على الأقلّ."

بقلم بآتة بروان، قنطرة 2003
الترجمة عن الألمانية علي مصباح