عيد النوروز..."لك شحوبي، ولي حمرتك"

منذ أكثر من 2500 سنة يتم الاحتقال بعيد السنة الفارسية الجديدة، "عيد النوروز". وهو سمة عتيقة من سمات الثقافة الإيرانية، تمتد جذوره إلى الديانة الفارسية القديمة، أي إلى الزرادشتية. واليوم يحتفل أكثر من 300 مليون إنسان في جميع أنحاء العالم بعيد النوروز. ورغم أن هذا العيد يعود إلى ما قبل الإسلام لكنه يقابَل بتسامح في إيران حتى يومنا هذا. شهرة كريميان تسلط الضوء لموقع قنطرة على هذا العيد.

الكاتبة ، الكاتب: Shohreh Karimian

في كل عام في أول يوم من أيام فصل الربيع، سواء في الليل أو في النهار يومي الـ20 والـ21 من شهر آذار/ مارس، يُحتفل بعيد "النوروز"، الذي يمتد تاريخه إلى آلاف السنين ويعني حرفيًا عيد "اليوم الجديد". عندما يتغلّب ضوء النهار على ظلام الليل، وتتجدَّد الطبيعة وينسدل القديم المتعب، تبدأ السنة الفارسية الجديدة. يُعدّ عيد النوروز عيد الفرح والأمل والأسرة - عيد كان يُحتفل به حتى في الحقبة الممتدة قبل عهد ملوك الفرس الأخمينيين العظماء ويعتبر مترسّخاً بعمق في الثقافة الفارسية القديمة قبل الإسلام.

كتاب الملوك "الشاهنامه" الذي كتبه في القرن الحادي عشر الشاعر الفارسي الكبير، الفردوسي، وعرض فيه تاريخ إيران الأسطوري التاريخي القديم في أبيات من الشعر، يعيد أصل السنة الفارسية الجديدة إلى عهد الملك جمشيد، الذي يرد في مصادر زرادشتية أنَّه أنقذ البشرية من شتاء قاتل. وبالإضافة إلى ذلك بنى جمشيد عرشًا من الأحجار الكريمة وجعل الجنّ يصعدونه إلى السماء. وبحسب الأساطير الإيرانية فقد تجمعت جميع المخلوقات الدنيوية وأُعجبت بهذا "الصعود"، وأطلقت على هذا اليوم اسم "النوروز". وكان هذا في اليوم الأوَّل من شهر "فروردين" - الشهر الأوَّل من التقويم الفارسي.

يمثِّل عيد رأس السنة الفارسية الجديدة بالنسبة للرسامة الإيرانية نغمه رومي، التي تعيش في ألمانيا منذ سبعة عشر عامًا، حدثًا مهمًا للغاية. وضمن هذا السياق تقول: "كلّ شيء يعبق برائحة الربيع الطيبة ونلاحظ كيف يتجدَّد كلّ شيء. النوروز يعني بالنسبة لي أنَّني تركت خلفي السنة السابقة بكلّ ما فيها من الأحداث الإيجابية والسلبية وأن السنة الجديدة ستكون مفعمة بالسعادة والأشياء الإيجابية".

هذا الرأي موجود أيضًا لدى الزرادشتيين؛ الذين يعتقدون بالوجود الثنائي للخير والشر في العالم: فعيد النوروز لا يمثِّل فقط السنة الجديدة، بل يمثِّل أيضًا ولادة الطبيعة من جديد وتجدّد بني البشر. فعندما يطغى ضوء الفجر على عتمة الليل، تتم أيضًا هزيمة الشر والظلام بالنور والحكمة.

سفرة "السينات السبع"

تستمر الاحتفالات طيلة ثلاثة عشر يومًا ومن الممكن تقسيمها إلى مراحل مختلفة. فقبل نحو أسبوعين من النوروز يزع المرء حبوبًا من القمح والشعير أو العدس في "سبزه" (صحن صغير) وتترك حتى تنبت. وتتصدَّر قائمةَ الواجبات التي يجب إنجازها في فترة التحضير لعيد النوروز أعمالُ التنظيف المنزلية مع بداية السنة الجديدة والمشتريات والتخلص من الأشياء التالفة والقديمة. ويتم تزيين غرف الجلوس بما يعرف باسم "سفره ى هفت سين" (سفرة السينات السبع). وهذه "السينات السبع" مواد غذائية وأشياء تبدأ جميعها بحرف "السين" وكلها لها معنى رمزي:

تقليد القفز من فوق النار في عيد النيروز. Foto: Behrouz Mehri/AFP/Getty Images
عشية آخر يوم أربعاء من السنة القديمة يبدأ الاحتفال بعيد "چهارشنبه سورى" والقفز من فوق النار. يعدّ هذا التقليد من أهم الطقوس في احتفالات رأس السنة الفارسية الجديدة. وعلى الرغم من أنَّ هذا الطقس يعود إلى ما قبل الإسلام، بيد أنَّه لا يزال يُمارس ويقابل بتسامح في إيران حتى يومنا هذا.

- سبزه (الخضرة) المزروعة في الصحن ترمز إلى الولادة الجديدة والخصوبة.

- سير وسماغ، أي الثوم والسمَّاق (نوع من التوابل) يرمزان إلى الصحة في السنة الجديدة.

- سيب وسنجد (التفاح والزعرور المجفف) يعكسان الحُبّ وبهجة الحياة.

- سركه (الخل) يرمز إلى الصبر والعمر الطويل.

- سنبل (نبات الخزامى) يرمز إلى الجمال.

كذلك لا تشكّل الزيادة على العدد سبعة أي خطأ - بل على العكس من ذلك. ولكي تكون السنة الجديدة واعدة بالنجاح، يتم على سبيل المثال وضع أشياء أخرى مع السينات السبع مثل الخبز الخاص المعروف باسم "سنگک" وكذلك قطعة نقود (سكه). ولا يجوز أيضًا غياب المرآة والشمعدان عن مائدة السنة الجديدة - حتى وإن كانت أسماء هذه الأشياء لا تبدأ بحرف "السين". وكذلك أيضًا تتم تغطية مائدة السينات السبع بالبيض الملوّن، الذي يرمز إلى الولادة الجديدة والخصوبة، كما توضع فوق السفرة أسماك الزينة في وعاء ماء.

تقليد القفز من فوق النار

تبدأ المرحلة الثانية في ليلة آخر أربعاء من السنة القديمة وتلعب دورًا خاصًا؛ حيث يتم في هذه الليلة التي تعرف باسم ليلة "چهارشنبه سورى" إشعال نار من الشجيرات الشوكية. تلعب النار دورًا مركزيًا في الديانة الزرادشتية. إذ تتمتَّع برمزية إلهية وتملك كونها عنصرًا مقدّسًا ملَكة خلق الحياة وكذلك أيضًا تدميرها. يتجمع الناس حول هذه النار الصغيرة التي تشبه نار عيد الفصح ويقفزون من فوقها، بينما يردّدون العبارات التقليدية "لك شحوبي، ولي حمرتك". ومن خلال ذلك يلقون بعيوب فصل الشتاء وأمراضه على النار ويأخذون الطاقة من النار. وفي هذه الليلة يبدو الناس سعداء، يحتفلون سوية ويتناولون المكسَّرات والفواكه المجففة (التي تعرف بالفارسية باسم "آجيل").

رأس السنة وبداية فصل الربيع

وفي يوم النوروز يجتمع الناس حول سفرة "السينات السبع" ، يقرؤون من كتاب الفردوسي، الشاهنامه، أو من ديوان حافظ أو من القرآن الكريم وينتظرون هلول رأس السنة الجديدة. وفي آخر الأمر يبدؤون العدّ التنازلي: "ده (عشرة)، نه (تسعة)، هشت (ثمانية) ... صفر (صفر)" - وفي هذه اللحظة يرتفع دوي طلقة مدفع، ترمز إلى هلول العام الجديد.

يقول الطفل الإيراني البالغ من العمر اثني عشر عامًا، نوزهان ميرحسيني: "عيد النوروز يعتبر دائمًا بالنسبة لي حدثًا عظيمًا. وذلك بسبب وجود الكثير من الهدايا في هذا العيد". ويضيف: "يقوم والداي بوضع بعض النقود في كتاب الشاعر حافظ، ليتم توزيعها في رأس السنة. وأحيانًا يقدّمان لنا أيضًا هدايا من ألعاب هي الأخرى رائعة بطبيعة الحال".

"الخروج في اليوم الـ13"

يحدّد اليوم الثالث عشر بعد يوم رأس السنة الفارسية ذروة آخر احتفال ويشكِّل من خلال ذلك نهاية الاحتفالات بعيد النوروز. وبحجة أنَّ الرقم 13 يجلب الحظ السيّئ وأنَّه لا ينبغي لذلك البقاء في البيت، فإنَّ الكثير من الأسر في إيران تخرج في نزهة إلى الهواء الطلق ويتمتَّع أفرادها سوية بصحوة الطبيعة. وفي هذا اليوم المُسمى باسم "سيزده به در" (أي "ثلاثة عشر إلى الباب،" وهذا يعني الخروج يوم الـ13)، يتم استبدال الشتوي الرديء بالربيعي الحسن. وفي آخر الاحتفالات تُقام جولة واسعة، تقدّم فيها الأطعمة اللذيذة، وثم تليها ألعاب الشطرنج والطاولة والكرة، وتتمثَّل نهاية الاحتفالات برأس السنة الجديدة وبداية العام الجديد.

وعن عيد النوروز في وطنها تقول نغمه رومي: "لا يمكن بطبيعة الحال مقارنة عيد النوروز في ألمانيا مع الاحتفالات في إيران". وتضيف: "الأجواء هناك مختلفة تمامًا: يستطيع المرء في أي مكان في إيران شراء الأشياء الضرورية للاحتفال، وكلّ شيء يشير هناك إلى الاحتفالات المنتظرة - إذ يمكن القول إنَّ الأجواء هناك تعبق برائحة النوروز! وفي ألمانيا يتحتّم علينا خلق هذه الأجواء لأنفسنا، من أجل الحفاظ على هذا التقليد المهم".

 

شهرة كريميان

ترجمة: رائد الباش

تحرير: علي المخلافي

حقوق النشر: قنطرة 2014